البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

سر شفاء الجروح والإفادة منه في علاج الأمراض الشائعة.

تُعد آلية شفاء الجروح من أكثر الآليات استخداماً لدى الكائنات الحية، ولكنَّها الأقل فهماً كظاهرة بيولوجية على المستوى الجزيئي، ولطالما بقيت هذه الآلية محط إعجاب وتساؤل العلماء بنفس الوقت. وهذا ما دفع مجموعة من العلماء في جامعة أريزونا الأمريكية للبحث عن حل لهذا اللغز البيولوجي الذي قد يفتح الباب أمام العديد من العلاجات التي تساعد على شفاء الجروح لدى مرضى السكري والقلب وأيضاً قد تساهم هذه الآلية في المساعدة على العلاج من أمراض السرطان.

في 13 آذار/مارس الماضي قامت مجلة Nature بنشر أهم الإكتشافات التي توصل إليها الفريق البحثي، والتي تسلط الضوء على آلية هجرة الخلايا الجسمية التي يتبعها الكائن الحي في عملية شفاء الجروح. حيث قدمت هذه النتائج تطوراً كبيراً في مجال الطب التجديدي الذي يعد محط اهتمام المهندسون البيولوجيون للعمل على دفع الخلايا لتشكيل نسج جديدة وحتى أعضاء كاملة تساعد على ترميم النسج التالفة بسبب إصابتها بأذىً أو مرض معين.

ويقول Pak Kin Wong المشرف الرئيسي على البحث: "إنَّ هذه النتائج ستزيد من فهمنا للآليات المنظمة لعملية تجدد النسج وتتبعها بشكل جيد. حيث قام الباحثون في السنوات الأخيرة من فهم الآلية الجزيئية لهجرة الخلايا ولكن لم يتمكنوا من التوصل إلى العامل الجزيئي المُحفِّز لها على الهجرة والنظام الذي يجعل من هذه الآلية متشابهة في كل الكائنات الحية".

وكان الجواب على هذا التساؤل من خلال النتائج التي قدمها فريق العمل الحالي، التي أوضحت أنه عندما تفقد خلايا النسيج القوة الميكانيكية بسبب الجروح التي تترك حيزاً خالياً من الخلايا، يظهر بروتين يعرف بـ DII4 الذي ينسق عملية هجرة الخلايا المجاورة للجرح بشكل جماعي وتغطية الجرح بنسيج جديد، ويعمل هذا البروتين على تمايز هذه الخلايا المتشابهة إلى نوعين من الخلايا يعرفان بالخلايا القائدة leader cells والخلايا التابعة follower cells. بينما كان الباحثون سابقاً يظنون أن الخلايا القائدة تتشكل عشوائياً.

تقوم الخلايا القائدة بعد ذلك بوظيفتين أساسيتين: حيث تقوم بإنتاج المزيد من البروتين DII4 الذي يظهر في مقدمة مجموعة الخلايا المهاجرة. كما تقوم الخلايا القائدة بإرسال إشارات إلى الخلايا التابعة (التي لا تنتج هذا النوع من البروتين)، وبالتالي خلق آلية تنظيم ذاتي تعمل على تغطية مكان الجرح بالنسيج الجديد.

لقد علم البيولوجيون منذ عدة سنوات مضت بوجود الخلايا القائدة والبروتين DII4 ودورهما الأساسي في عملية الهجرة الجماعية للخلايا. ولكن كان هناك غموض كبير حول كيفية تَشَكُّل هذه الخلايا القائدة وكيف يتم التحكم بسلوكها وبنيتها الجينية. ولهذا السبب قام الباحثون في جامعة أريزونا باستخدام تقنيات دراسة التعبير الجيني لخلية واحدة. واستخدام مجهر ذو فواصل زمنية لمراقبة تشكل الخلايا القائدة وسلوكها. وقد تضمنت الدراسة مراقبة تشكل الخلايا القائدة في مجموعة خلايا بشرية مصابة بسرطان الثدي موضوعة في انبوب اختباري وأيضاً دراسة الخلايا الظهارية في جسم الفئران. ومن ثم عمد الباحثون إلى مضاعفة عدد الخلايا القائدة باستخدام الأدوية، أو تدميرها باستخدام أشعة الليزر، ولكن سرعان ما ظهرت خلايا جديد بشكل مدهش في مقدمة عملية الهجرة لتأخذ مكان الخلايا التالفة.

مجال التنطبيقات الطبية:

يقول البروفسور Wong:" إنَّ معرفة البنية الجينية للخلايا القائدة وفهم آلية تشكلها وسلوكها يمنحنا القدرة للعمل على تعديل هجرة هذه الخلايا وإعادة ترتتيب تسلسل الأحداث على المستوى الخلوي والجزيئي. وهذا يقدم للهندسين البيولوجيين جميع المعلومات التي يحتاجونها لتوجيه الخلايا السليمة لمعالجة النسج المتأذية وأيضا منع الخلايا السرطانية من مهاجمة النسج السليمة". حيث وجد الباحثون أن الأورام السرطانية تتبع نفس الآلية للإنتشار في النسج السليمة.

من خلال هذه الاكتشافات الجديدة التي قدمها الفريق البحثي في جامعات أريزونا، قد يكون هناك تطبيقات عملية فعالة في علاج بعض الحالات المرضية المنتشرة، تتمثل بعلاج أفضل لجروح مرضى السكري والتي تعد المسبب الأول لعمليات بتر الأطراف في الولايات المتحدة الأمريكية. وأيضاً قد تلعب دوراً في معالجة الخثرات الدموية المسببة لأمراض القلب. ويمكن أيضاً تطوير هذه الآلية لإبطاء او حتى إيقاف انتشار الأورام السرطانية في الجسم والحفاظ على حياة الكثير من المرضى.

رأينا في هذا المقال إلى أين وصل العلماء في تفسير واحدة من أكثر الظواهر البيولوجية فائدة للإنسان ولكن يبقى الأهم في كيفية تطبيق هذه المعرفة للوصول لعلاجات ناجعة للعديد من الأمراض التي تهدد الجنس البشري، فهل سيتمكن العلماء من تحقيق هذا فعلاً أم هل نحتاج لمزيد من المعرفة في هذا المجال وغيره .. ما رأيكم أصدقائنا؟

المصادر:

هنا

هنا