التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ماجنا كارتا ... الميثاق العظيم: أول وثيقة جعلت من سيادة القانون هو المبدأ

يخبرنا التاريخ دوماً أن الطريق إلى تحقيق الحرية و العدالة و المساواة و سيادة القانون فوق الجميع، لابد أن يكون مليئاً بالتضحيات و الدماء، و لنا في الثورة الفرنسية أكبر مثال على ذلك، لكن هناك وثيقة تاريخية سبقت الثورة الفرنسية بمئات السنين، وضعت حجر الأساس لتحقيق الحرية و العدالة و المساواة و سيادة القانون، هذه الوثيقة هي "ماجنا كارتا" أو الميثاق العظيم.

إذ تُعد ماجنا كارتا واحدة من أكثر الوثائق القانونية تأثيراً في التاريخ البريطاني، وقد دعاها أحد القضاة العظماء في التاريخ البريطاني، بأنها الوثيقة الدستورية الأعظم على مر التاريخ و بأنها أسست للحرية الفردية ضد السلطة الاعتباطية للحكم المطلق، وقد دُعيت ماجنا كارتا بهذا الاسم لأنها كتبت باللغة اللاتينية، و معناها الميثاق العظيم. إليكم مقالنا اليوم الذي يتحدث عن هذه الوثيقة وعن قصتها الفريدة.

الخلفية التاريخية:

سنعود معكم إلى البدايات الأولى حيث العوامل التي أثرت على سير الأحداث، إذ لم يكن الملك جون الأول (1166-1216)، الملك الإنكليزي، الوحيد الذي منح امتيازاتٍ مدنية لمواطنيه، فقد سبقه الملك هنري الأول (1100 - 1135) الذي أصدر ميثاق الأحرار، والذي بموجبه ربط الملك بقوانين محددة في معاملة رجال الدين و النبلاء، هو مابشر بقرب ولادة ماجنا كارتا.

تولى جون، شقيق ريتشارد قلب الأسد، العرش عام 1189 م بعد وفاة والده الملك هنري الثاني، و في عام 1193م أسر ريتشارد من قبل الإمبراطور هنري الرابع ملك ألمانيا خلال الحملة الصليبية الثالثة.

عاد ريتشارد عام 1194 م بعد دفع الفدية التي كلفت الخزينة مبالغ طائلة و ستكون لاحقاً أحد أسباب التمرد الذي سيقوده مجموعة من البارونات ضد الملك جون.

توفي ريتشارد عام 1199م و تولى جون الحكم، و بعد إمساكه بزمام الأمور قام باستخدام القوة المفرطة مع السجناء و من ضمنهم ابن أخيه آرثر و هو منافسه الوحيد على العرش (يقال أن آرثر قد قتل في السجن بأوامر من جون) و بذلك خسر جون أيضاً مجموعة من مؤيديه.

و في عام 1206م خسر جون معاركه مع فرنسا و التي كانت أنكلترا تحتل الأجزاء الشمالية منها حيث خسر مقاطعات النورماندي و آنجو، وبدأ برفع الضرائب و أموال الجزية (الأموال التي كانت تقدم من قبل البارونات الذين لم يشاركوا في الحرب في مكان المعركة) و ذلك دون استشارة البارونات، حيث كان يريد تمويل حملات عسكرية جديدة على فرنسا و هذا ما أثار حنق البارونات أيضاً.

فشلت ماجنا كارتا في تحقيق أهدافها إذ اندلعت الحرب الأهلية بعد 3 أشهر فقط و ذلك لعدة أسباب، حيث ما أن غادر البارونات لندن حتى بدأ الملك جون بالتنصل من وعوده وخصوصاً المادة 61 و التي تنص على أن هناك لجنة مؤلفة من 25 باروناً ستشرف على تنفيذ الملك لميثاق ماجنا كارتا و تستطيع استخدام القوة إذا لزم الأمر.

بعد شعورهم بفشل ماجنا كارتا في الحد من سلوك الملك جون اللامعقول، عاد البارونات إلى تمردهم و قد وضعوا في هذه المرة فكرة استبدال الملك جون بالملك لويس ملك فرنسا - إذ يكون الملك لويس ابن أخت الملك جون - و هكذا عادت الحرب الأهلية التي عرفت باسم "حرب البارونات الأولى."

لم تصل ماجنا كارتا إلى هدفها حتى توفي الملك جون بالزحار أثناء مشاركته في حصار شرقي إنجلترا، و ذلك في عام 1217، لكن و بسبب سوء العلاقة بين لويس و البارونات، فقد استطاع داعموا ولي العهد الأمير هنري الثالث الإنتصار على البارونات في معركة Lincoln & Dover في عام 1217م

على الرغم من هذا الانتصار فقد قام ويليام مارشال، و هو الوصي على الملك الشاب هنري، و الذي كان يريد تجنب تمرد جديد، بتعديل ماجنا كارتا لتتضمن 42 مادة بدلاً من 61 ، إذ تم حذف المادة 61 المثيرة للجدل.

بعد بلوغه سن الرشد قام الملك هنري بإصدار نسخة جديدة من ماجنا كارتا وذلك عام 1225م أو 1227 في مصدر آخر، لتأسس بذلك حجر الأساس لجزء كبير من القانون الإنكليزي.

تم تصديق ماجنا كارتا بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر بين 32 و 45 مرة والنسخة المصدقة من قبل الملك إدوارد عام 1297 كانت هي النسخة المعترف بها في القانون الإنكليزي حتى يومنا، لكن لم يتبق من هذه النسخة سوى 3 فقرات فقط من النسخة الأصلية، و أهمها هي الفقرة 39 و التي أسست للحرية الفردية و سلطة القانون و هي :

" لا يجب اعتقال أي رجل حر، أو سجنه، أو حرمانه من ملكيته، أو نفيه أو اعتباره خارجاً عن القانون أو أذيته بأي شكل من الأشكال.

كذلك لا يجب علينا أبداً أن نذهب ضده، أو نرسل أحداً ضده إلا بحكم قانوني من أقرانه، أو بقوة القانون الذي يحكم البلاد"

الوثيقة و أسطورتها:

إن ماجنا كارتا كانت فعلياً أول دستور مكتوب في تاريخ أوروبا، و هي أسست لمساواة كانت لعقود حكراً على الطبقة المخملية في حين لم يمتلك أغلب المواطنين الإنكليز أي صوت أو تمثيل في الحكومة وقد أصبحت ماجنا كارتا رمزاً للحرية لهؤلاء الذين يتوقون إلى حياة أفضل.

و في عام 1776 قام المتمردون في المستعمرات الإنكليزية في أستراليا، نيوزيلاندا، كندا، جنوب أفريقيا، و روديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) باعتبار ماجنا كارتا نموذجاً لمطالبهم في الحرية و الاستقلال عن التاج البريطاني، ولكن التجلي الأعظم لماجنا كارتا اليوم هو في الدستور الأمريكي وقانون الحقوق، و بالأخص في التعديل الخامس "لا يحق حرمان أي شخص من الحياة أو الحرية أو الملكية إلا بسلطة القانون" و الذي يعكس بشكل مباشر الفقرة 39 من الوثيقة كما أن دستور العديد من الولايات الأمريكية تتضمن أفكاراً تعزى وبشكل واضح إلى الوثيقة التاريخية.

وعندما حاولت BBC إيجاد يوم لبريطانيا فقد نال تاريخ 15 حزيران و هو تاريخ التوقيع على ماجنا كارتا أعلى الأصوات، لكن في المقابل ولسخرية القدر، فقد أجرى موقع YouGov مسحاً عام 2008 ووجد فعلياً أن 45 % من البريطانيين لا يعرفون ما هي الماجنا كارتا

وثيقة ماجنا كارتا

المصادر:

www.history.com/topics/british-history/magna-carta

هنا

هنا