الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

ألوان ذات أصل طبيعي

الصّباغ هو المادّة الملوِّنة التي تُستَخدم للتطبيق على مادّةٍ ما (كالمنسوجات) لإضفاءِ لونٍ معيّن. وهناك العديد من الألوان أو الصّباغ ذات الأصل النباتيّ، من هذه الألوان:

أولاً اللون النيلي (indigo): لم يكن اللون النيلي معروفاً فقط للصباغ النسيجي بل أيضاً للرسامين والخطاطين حيث عُرف كنوع من الحبر و عُرف أيضا كان كصباغ للبرشمان (ورق نفيس). ويشتق مصطلح indigo من كلمة يونانية والتي تعني ‘من الهند‘ فالهند هي الموطن الأصلي لزراعة تلك النبتة التي نستطيع منها صنع اللون النيلي. وتدعى هذه النبتة Indigofera tinctoria وهي تنمو حتى ارتفاع مترين ويتم الحصول على اللون الأزرق من أوراقها بعد عملية تخمير للأوراق بطريقة تقليدية حيث يكوّم النبات في أحواض من الماء وتترك فترة من الزمن لتتفسخ. اشتهر شعب المايا الذي كان يتواجد في شبه جزيرة يوكاتان باستخدامهم للون النيلي في لوحاتهم الجداريّة ذات اللون الفيروزي الساطع، فقد قاموا بإنتاج ذلك اللون عن طريق مزج اللون النيلي مع نوع خاص من الصلصال (الطين) والمعروف ب ‘Palygorskite‘ حيث كانت مهمة الصلصال هي حصر جزيئات اللون النيلي ضمن القالب. ولم تكن هذه التقنية معروفة بدقة للأوروبيين حتى سنة 2000 فقد كان اللون الأزرق لشعب المايا ساطع جداً لدرجة أنه تم الافتراض أنه نوع من أنواع المعادن واستمر ذلك الاعتقاد حتى الستينات.
في الصورة التالية: صفحة مصبوغة باللون النيلي من "القرآن الأزرق"*



ثانياً اللون الأحمر: مصدرُ اللونِ الأحمرَ الحقيقيّ هو نباتٌ يُدعى بالفوة وهو نبات معمر من عائلة الRubiaceae التي تتضمّن نبات القهوة أيضاً وموطنه الأصلي هو بلاد فارس. والفوة هي شجيرةٌ صغيرة ذات جذرٍ زهريّ يشبه الإصبع، ومن هذا القسم (الجذر) ينتج اللون الأحمر. تُزرع بذور هذه النبتة في قِدرٍ صغير مليء بالسّماد العضويّ، حيث أنّ البذورَ الجديدة هي الأكثرُ احتماليّةٍ للنمو ولكن يجب حمايتُها من الدّود والبُزَّاق التي تفضّل التغذي عليها. وعندما تتبرعم تنتشر وتمتدّ فتُعلّق عامودياً أو تُترك ممدودة. يُضاف الكلس للنبات في الشتاء كي يساعد على إنتاجها للون الأحمر بجودةٍ أعلى. ويتبرعم نبات الفوة في أوائل شهر نيسان وينمو من 60 إلى 100 سم. أما أوراقه النجميّة فهي خشنة وقد تسبّب الطفحَ الجلدي وتظهر زهورُه الصفراء في نهاية شهر حزيران، ويظهر بعدها التوت الأخضر في منتصف شهر تموز. وبنهاية شهر أيلول ينتفخ التوت الأخضر ليصبح بحجم العِنّاب البرّي الصغير ويصبح لونه رماديّاً غامقاً أو أسوداً. وفي أواخر الخريف يبدأ النبات بالذبول فيصبح التوت مجفّفاً والبذور تصبح مثل حبوب الفلفل الأسود، وطوال فترة الشتاء يبدو نبات الفوة ميتاً وكأنّه مغطىً بالقشّ. إنّ الحدَّ الأدنى لعمرِ حصادِ الفوة هو ثلاث سنوات، ولكن أفضلَ عمرٍ هو الخمسُ سنوات، عندما تكون سماكةُ الجذورِ كسماكةِ قلم الرصاص، فالنباتات البالغة من العمر خمسة عشر عاماً لديها جذورٌ يصلُ قطرُها إلى بوصةٍ واحدة. ويُقال إنّ أفضلَ وقتٍ لحفر الجذور هو فصلُ الشتاء عندما تصبح أوراق الشجر الشائك جافّة، ومعظم المواد الغذائية تتمركز في الجذور فيتمّ أولاً تجفيف التربة لمدة يومين ثم تؤخذ الجذور ويُنفَض التراب الذي عليها ويتمّ غسلُها بالماء ثم تُقطّع بعدها لقطعٍ صغيرةٍ وتُجفّف، وبعد ذلك، يُزان الجذر المقطّع وذلك لتقدير كميّة الصّباغ التي ستنتج، حيث أن كل 100 غرام من نباة الفوة الطري يصنع 14 غرام من النبات بعد التجفيف.
استُخدمت جذورُ الفوة كصباغٍ منذ أكثر من 5000 سنة، ووجد علماء آثاراً لهذا النبات في بطانة قبر توت عنخ آمون (1350 قبل الميلاد). وقد عرض ماركو لينور من متحف الفنون في نيويورك صباغاً بعمر 4000 سنة وُجِد على جعبةٍ مصريّةٍ قديمة أُرجعِ تاريخُها إلى عصر المملكة المتوسّطة. وقيل إنّ الكهنة استخدموا الملابس المصبوغة بالأحمر في مراسيم بلوغ سن الرشد عند البنات. كما استُخدم جذرُ هذا النّبات كطعامٍ للخيول وذلك لصباغةِ أسنانِهم وحوافرِهم، وللصّقور لتلوين مخالبهم، وللخراف لصبغ صوفهم بالأحمر. ففي إيرلندا، تقوم النساء بوضع معجونٍ من جذور هذه النّبتة على أظافرهم لتلوينها به. كما أنّه من المُحتمل أنّ الأعلامَ الأمريكيّةَ السّابقة صُنعت من الصّوف وبعدها صُبغت. ولهذا الصباغ القدرة على صبغ العظام وتلوين حليب الحيوانات التي تقتات عليه.
في الصورة التالية: بساط تركي حديث مزخرف بنقوش بلون برتقالي مستخرج من نبات الفوة



ثالثاً اللون الزّهريّ: يمكن إنتاج اللون الزهري من نبات الفوة أيضاً، ولكن لا يمكن الوصول لهذا اللون إلا بعد عمليةِ ضغطٍ وترشيح والتي طُورت أوّلاً من قِبل الصيدليّ جورج فيلد ""George Field. وينتج نبات الفوة اللون الوردي حتى الآن بطريقة تتشابه إلى حدٍّ كبيرٍ مع طريقة إنتاج الصباغ ل نيوتن و ويندسور (شركة إنكليزية تقوم بإنتاج بعض مستلزمات الفنون الجميلة منذ العام 1832). فالصّبغة المعروفة بروز مادِّر Rose" "Madder يتمّ صنعها بشكل دفعاتٍ منتظمة منذ سنة 1835. ولأنّ العملية تتضمنُ صناعةَ فوة روز أصيلٍ فإنّه من الممكن أن ترتفع أسعار هذا الصباغ مقارنةً بغيره من الألوان الصناعية. فاليوم نيوتن وويندسور يبيعون ال37 مليلتر من صباغ الفوة روز الأصلي بما يقارب ال60 دولار أميركي.
هل تصدق ذلك يا رعاك الله!!


*القرآن الأزرق: نسخة فريدة من "القرآن الكريم" تعود إلى أواخر القرن التاسع/أوائل القرن العاشر الميلادي، اتُفق على أن مكانها الأصل هو تونس، القيروان. تمّ خط هذه النسخة بلونٍ ذهبي بالخط الكوفي؛ على صحفٍ مطليةٍ باللون النيلي ذي الأصل النباتي. لازالت النسخة بمعظمها موجودة في تونس في متحف باردو، إلا أن هناك صفحات منها موزعة على متاحف أخرى حول العالم؛ في أوروبا والولايات المتحدة.

مصادر:
هنا
هنا
هنا