الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

الدولة والمجتمع المدني عند هيغل

جورج فيلهلم هيغل، هو واحد من أعظم المفكرين في تاريخ الفلسفة الغربية، بالاضافة إلى أنه يجسد الفلسفة المثالية الألمانية في القرن التاسع عشر الميلادي. ولد في مدينة شتوتغارت فورتيمبيرغ في ألمانيا، ودرس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات. كان متمرّداً على النظام الاقطاعي، واهتم بالدولة، وعلاقة الفرد والمجتمع بها. فما هي الدولة ومفهومها عند هيغل، وماهو المجتمع المدني؟ ثم ماهي مراحل نمو المجتمعات عنده؟ ولماذا يعد أول من قال بدولة الرفاه؟ هذا ما سنتسعرضه في هذا المقال. 


ينطلق هيغل من الأسرة التي يعتبرها المنظومة الأولى، والجذر الأخلاقي للدولة. ويرى كذلك أن المجتمع المدني هو أحد مظاهر الدولة، فيما تكون الأسرة هي المظهر الآخر، أي أن المجتمع المدني عند هيغل هو تقسيم العمل، بين الشكل البسيط للخلية الاجتماعية (الأسرة) وبين الشكل الأعلى والأرقى وهو الدولة.
 
فالدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية، فهي الروح الأخلاقية والارادة الجوهرية التي تتجلى وتظهر وتعرف وتفكر في ذاتها. وهي تمثل روح الجماعة، والإرادة العامة العُليا، والفرد هو عضو في تلك الارادة. يعتبر هيغل أن فكرة الحرية لن تتلخص إلا في الدولة، وهذا ما يخالف كثيراً ما جاء به بعض المفكرون والذين اعتبروا أن الدولة شر محض لابد منه مثل نيكولاس ميكافيللي وتوماس هوبز من قبله وكارل ماركس من بعده. بل يذهب هيغل أبعد من ذلك ليقول، أن الحرية هي من تجليات الدولة ونتيجة من نتائجها الإيجابية، فيرى أن مفهوم الحرية خارج الدولة هو ضربٌ من الوهم والخيال. ولم يرجع هيغل أيضاً سلطة الدولة على مفهوم اتفاق المصالح المختلفة في المجتمع، كما أرجعها مفكرو العقد الاجتماعي توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو، بل أسندها إلى ادراكنا أن هناك حقيقة عقلية مستقلة عن المصالح المختلفة والمتنوعة في المجتمع، وتتحقق فقط بوجود الدولة. 

اهتم هيغل بالانسان الفرد، ورأى أنه ذاتٌ للنظام السياسي، ضمن إطار كبير بمفهومٍ فلسفي يُدعى الدولة، فلسفة الدولة أي تحقيق الذات الشاملة. فلا تتحقق ذات الإنسان العليا إلا بوجوده داخل إطار الدولة. وأن الدولة هي الغاية النهائية في مرحل نمو وتطور المجتمع ولها حق أعلى أو أسمى من الفرد، فمن واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضواً في الدولة، تحت رعايتها، وخاضعاً لقوانيها. 
 
أما عن المجتمع المدني فيقول هيغل، أنه الحيز المستقل الذي يستوعب المصالح الفرديّة بعيداً عن الدولة، أي أنه الساحة التي تلتقي فيها مصالح الأفراد مع بعضها البعض، من خلال علاقات السوق والبيع والشراء والتخاطب والتواصل، والرغبات والأهداف الفردية. 

وبما أن الناس يشكلون جملة العمال، وهم أيضاً المستهلكون، فهذا يخلق شعوراً بالمساواة بينهم، كما أنه وفي نفس هذا السياق؛ يبدي كل فرد رغبات مشابهة فيما يخص استهلاك السلع والمنافع، دائماً ما تكون هناك حاجة إلى الاختلاف عن الآخرين، حاجة إلى التميز يُفصحون عنها في سعيهم لامتلاك سلع أو منافع مميزة. وتلبية الحاجات لايمكن أن تأتي إلا من خلال العمل الذي ينتج السلع ويشبع الحاجات الأساسية، والعمل الذي يؤدّيه كل شخص هو جزء من عملية أكبر وهنا يجد الأفراد أنفسهم في علاقات تتصف بالاعتماد المتبادل على بعضهم البعض، أي كل منهم يساهم في مهمة رديفة لمهمة أخرى للحصول على أكبر انتاج. فتقسيم العمل بالنسبة لهيغل يرمز إلى وجود اعتماد لجميع الأشخاص على بعضهم البعض، وعلاقاتهم المتبادلة في إشباع حاجات الآخرين. فما يدعم البنية الكاملة للسوق من استهلاك عمل، هو المجتمع المدني الذي يقوم على تقسيمات طبقية. فهناك طبقة المزارعين، والتجار، والموظفين المدنيين. 
 
و أخيراً المراحل التي يرى هيغل أنها أساسية في سبيل نضج المجتمع الانساني تنقسم لثلاث مرحلة تبعا لمدى التطور الحاصل في المجتمع ووصوله لدرجة رفاهية واستقرار أعلى، و هذه المراحل هي:
- مرحلة العائلة: وهي المرحلة الأولى للتضامن البشري، والوحدة والتعاون بين أفرادها و هي مرحلة ضرورية لتحقيق الأمان، والعيش السليم.
- مرحلة المجتمع المدني: وأهم مايميزها هو السوق الحر، الذي يميزه هو الآخر المنافسات الفردية التي تنشئ علاقات قائمة على الأنانية بين الأفراد.
- المرحلة الثالثة والأخيرة وهي مرحلة تشكيل الدولة وتبلورها، و فيها وبها تتحق رفاهية المواطنين الكاملة وتصل بالمجتمع للذروة من التقدم والتصنيع والازدهار على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فتعلو الدولة عند هيجل فوق المصالح الخاصة التي تشكل المجتمع المدني، وتوفر أساساً لانتقال المجتمع نحو مفهوم الرفاهية العامة. وانطلاقاً من هذه المراحل يكون هيغل هو أول من وضع حجر الأساس لمفهوم دولة الرفاه الاجتماعي التي عُرفت لاحقاً. 

المراجع:
1- لتفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني. ستيفن ديلو
2- الدولة والمجتمع المدني عند هيغل. عبد اللطيف خطاب
هنا / Hegel: Social and Political Thought -3