الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

مأساة القطرس مع مخلّفات البشر

يـُعرف عن الحيوانات المفترسة وخاصةً الطيور، تعرضها للملوثات المؤذية خلال دورة حياتها، ويعتقد العلماء أن التعرض لهذه الملوثات مثل الزئبق (Hg) والكاديوم (Cd) والملوثات العضوية الثابتة*، يؤثر تأثيراً سلبياً على معدلات بقاء هذه الحيوانات على قيد الحياة وكذلك على تكاثرها؛ الأمر الذي يؤدي إلى تناقص مضطرد في تعدادها على نطاق واسع، ورغم أن هذه الافتراضات كانت تُعتبر سابقاً مجرد نظريات عامة، إلّا أن الابحاث الحديثة التي أُجريت في اجتماع الجمعية الملكية Royal Society على عينات دم من طائر القطرس المتجول أثبتت هذا الأمر.

من هو طائر القطرس إذاً؟

القطرس Diomedea exulans؛ طائر مفترس شرس بحري، لديه أطول جناحين في العالم ويتربع في أعلى الشبكة أو السلسلة الغذائية. وُجِد أن الطيور البحرية الضخمة الموجودة في جميع أنحاء المحيط الجنوبي، وشمال المحيط الهادئ، مهددة بالانقراض إلى جانب القطرس، ويسعى البحث الجديد لمعرفة فيما إذا كان للملوثات العضوية والمعدنية الموجودة في البيئة تأثير على معدل بقاء الأفراد البالغة على قيد الحياة أو على التأثير طويل الأمد في أدائها التكاثري Breeding Performances.

وجدت الدراسة أن الملوثات العضوية الثابتة، والزئبق ذوا تأثير طويل الأمد على أداء تربية طيور القطرس المتجولة، الأمر الذي قد يؤدي ربما إلى انخفاض في تعدادها. قيست معدلات تلوث الطيور بالملوثات العضوية وفقاً للتجربة التالية: باستخدام أسلوب "التقاط الطائر - وضع علامة - أعادة الالتقاط" قاس الباحثون معدلات التلوث في الطيور منذ عام 2008 وحتى عام 2012، وذلك عن طريق أخد عينات دم من طيور قطرس متواجدة في أرخبيل** كروزت Crozet جنوبي المحيط الهندي، حيث يعشش فيها ما يقرب من الـ 300 إلى 400 زوج من طيور القطرس كل عام.

أخذت عينات دم من العروق الموجودة في رسغ القدم (الكاحل) لطيور القطرس المثبتة بواسطة يدي الباحث وبالاستعانة بحقنة 1 ميللي لتر مضاف اليها الهيبارين Heparin (وهو مانع لتجلط الدم) فقد جرت عملية أخذ العينات سريعاً خلال أقل من خمس دقائق للطائر.

وجد العلماء أنه وعلى الرغم من عدم ارتباط الملوثات بشكل عام بزيادة عدد وفيات الطيور البالغة، إلا أن العضوية والمعدنية منها أدت الى زيادة في عدد وفيات الطيور البالغة، وأدت الى انخفاض في أداء التكاثر وإلى فشل في التفريخ والفقس.

أثبتت نتائج البحث أن المستويات الفعلية من الزئبق والملوثات العضوية قادرة على إبطاء معدل نمو تعداد هذه الطيور بمعدل 0.991، في حين أن معدل النمو السكاني يمكن أن يزيد حتى 1.027 عندما تكون تراكيز الزئبق في الدم والملوثات العضوية مساويةً للصفر.

رغم أن الملوثات المسؤولة عن ذلك محظورة الاستعمال، إلا أنـّها متواجدة في البيئة بشكل متواصل وقادرةٌ على الانتقال، حيث يمكنها الوصول إلى أماكن نائية جغرافياً كما تنتشر عبر السلسة الغذائية بفضل التضخم الحيوي Biomagnification والذي يعني الزيادة في تركيز المواد (السامة غالباً) الحاصل في السلسلة الغذائية نتيجة الاستمرارية (عدم إمكانية فصل هذه المواد بالعمليات البيئية) ونتيجة انخفاض (أو انعدام) معدل التحلل الداخلي وإخراج المادة من جسم الكائن (والذي غالبًا ما يحدث بسبب عدم الذوبان في الماء). بالنتيجة تصل الملوثات الضارة إلى أجسام الحيوانات في أعلى الهرم الغذائي والتي تكون مفترسات منها القطرس لتتراكم في أجسادها.

على صعيد متصل وفي منطقة موبوءةٍ بما يزيد على المليون طن من الفضلات البلاستيكية شمال المحيط الهادي حيث تجلب الأمواج بقايا وحطام المحيط إلى أحد أكبر النظم البيئية على الأرض مشكلةً ظاهرة "بقعة فضلات المحيط الهادئ" أو Pacific garbage patch، تعاني فراخ القطرس من تناول وجبة سامة من بقايا البلاستيك كأول وجبة لها في حياتها بعد الفقس حيث تغادر آباؤها بحثاً عن الطعام وتعود إليها بمعدة مملوءة بالبلاستيك لتطعمها إياها لتموت الفراخ من سوء التغذية أو الاختناق أو الجوع. يكفي لك أن تتخيل نفسك مكانها لتقدر حجم الألم والمأساة وإن استعصى عليك ذلك يمكنك مشاهدة هذا الفيديو الذي لا يحتاج إلى ترجمة فالصورة أبلغ تعبير

هنا

يتبادر السؤال إلى أذهاننا عندما نرى هذه المعاناة عمـّا يمكننا أن نفعله كأفراد؛ ببساطة: ادعم المنتجات الصديقة للبيئة، تجنب الإسراف في شراء منتجات جديدة بحجة مواكبة الموضة فكل المنتجات مغلفة بالبلاستيك وكلما استهلكنا بضائع أكثر كلما لوثنا أكثر، حاول أن تخلق الوعي حول هذه المشكلة في محيطك بين أصدقائك وضمن عائلتك؛ فنشر الوعي أكثر قوة مما قد تتوقع.

أخيراً وعلى الرغم من أن السيطرة على هذه الملوثات قد يكون من الصعوبة بمكان، إلّا أن إدراك تأثيرها على الطيور البحرية هو المفتاح الذي سيساعد في استمرار حياة هذه الطيور والحفاظ عليها على قيد الحياة.

للتوضيح:

(*) الملوثات العضوية الثابتة Persistent organic pollutants POPs: نوع من المركبات العضوية المقاومة للتحلل البيئي الطبيعي من خلال العمليات الكيميائية والبيولوجية والتحلل الضوئي. وقد لوحظ أنها تبقى في البيئة لقدرتها على الانتقال البعيد المدى، ولإمكانية تراكمها في الأنسجة البشرية والحيوانية. لهذه الملوثات تأثيرات خطرة محتملة على صحة الإنسان والبيئة، ومع الأسف فهي تستخدم كمبيدات زراعية وفي العمليات الصناعية وفي إنتاج المذيبات، البولي فينيل كلورايد، والمستحضرات الصيدلانية. ورغم أن عدداً قليلاً من الملوثات العضوية الثابتة طبيعي المصدر إلا أن معظمها من صنع البشر.

(**) الأرخبيل Archipelago: لفظ يطلق على المجموعة المتقاربة والمتجاورة من الجزر ويعد الأرخبيل الإندونيسي أكبر أرخبيل في العالم.

المصادر:

هنا

هنا