البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

المورثات الخاضعة لسيطرة التفكير!

يُمكن للبشر أن يتحكَّموا بالعديد من الأشياء بواسطة التفكير؛ الأطراف الاصطناعية، برامج الكمبيوتر وحتى المروحيات ذات التحكم عن بعد، وجميعها يتم التحكُّم بها عن طريق ما يُدعى واجهات الدماغ الحاسوبية* . لكن ماذا لو كان بوسعنا تسخير التكنولوجيا الحديثة للتحكّم بأمورٍ تحدث داخل أجسامنا أيضاً؟!

لقد تمكَّن فريق من المهندسين البيولوجيين في سويسرا من إنجاز الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى نظام شبيه بكائنٍ سِبرنيطيقي Cyborg** عن طريق دمج واجهة دماغ حاسوبية مع نسيج حيوي مزروع مما سمح بحدوث تبدُّلات وراثية بواسطة النشاط الدماغي. هذا الحدث يمثِّل أول واجهة دماغ وراثية على مستوى العالم.

بدأ الفريق عمله باستخدام واجهة دماغ حاسوبية نموذجية، وهي قبعة ذات أقطاب كهربائية تقوم بتسجيل النشاط الدماغي وترسل الإشارات إلى جهاز إلكتروني آخر. الجهاز المستخدم في حالتنا هذه هو مولد لحقل كهرومغناطيسي حيث تسبب الأنماط المختلفة من أشكال النشاط الدماغي تغيراً في شدة الحقل.

قام المُجرِّبون في المرحلة التالية والجديدة كلياً باستخدام الحقل الكهرومغناطيسي من أجل تحفيز عملية إنتاج البروتين داخل الخلايا البشرية التي تمَّ زرعها في الفئران، هذه العملية تمَّت بالاعتماد على تكنولوجيا متطورة تدعى علم البصريات الوراثي*** Optogenetics.

قام الباحثون بحقن مورثات جرثومية داخل خلايا كلويَّة بشرية، بعد ذلك قاموا باستخدام تقنيات الهندسة البيولوجية من أجل دفع الخلايا بواسطة محفِّزات ضوئية للدخول في حلقة من التفاعلات الكيميائية التي تنتج في النهاية بروتيناً يمكن كشفه بسهولة يدعى SEAP) Secreted alkaline phosphatase). بعد ذلك، وَضَع الباحثون الخلايا البشرية بالإضافة إلى مصابيح ضوئية LED ضمن جرابات بلاستيكية صغيرة وقاموا بغرسها تحت جلد الفئران.

في المرحلة التالية طُلِبَ من المتطوعين الذين يرتدون القبعات ذات الأقطاب الكهربائية أن يقوموا بواحدٍ من نشاطين: إما أن يقوموا بلعب ماين كرافت Minecraft (لعبة فيديو) أو أن يجلسوا للتأمُّل، مما أدَّى إلى توليد حقول مغناطيسية متوسطة ومرتفعة الشِّدة على التوالي.

يقوم الحقل المغناطيسي بتنشيط مصابيح الـLED الحساسة للأشعة تحت الحمراء والموجودة داخل النسيج المزروع، الأمر الذي يحفِّز بدء عملية إنتاج البروتين SEAP. يَعبُر هذا البروتين بعد ذلك الأغشية الخلوية في النسيج المزروع ويصل إلى الدوران الدموي الخاص بالفئران .

وُجد أن اللعب بماين كرافت أنتج مستويات متوسطة من البروتين في دم الفئران والتأمّل أنتج مستويات مرتفعة منه .

طُلب من بعض المتطوعين أن يمارسوا نوعاً ثالثاً من أشكال التحكم العقلي، والمعروف بإسم الإرتجاع البيولوجي، عن طريق مراقبتهم للضوء الذي يمكن رؤيته عبر جلد الفئران وتعلُّمهم كيفية تشغيل وإيقاف تشغيل مصابيح الـLED وبالتالي تفعيل وإيقاف عملية إصطناع البروتين SEAP.

يقول كبير معدّي الدراسة الباحث Martin Fussengger من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ: "إنَّ فكرة الجمع بين واجهة دماغ حاسوبية مع تبديل بصري وراثي تُعدُّ فكرة بسيطة على نحوٍ مخادع، لكن السيطرة على المورثات بهذه الطريقة يعد أمراً جديداً كلياً".

ويستغل هذا النظام قدرة علم البصريات الوراثي من خلال استخدام نسيج حيوي مزروع مما يُلغي الحاجة لاستخدام خلايا مُعَدَّلة وراثياً خاصّة بكل مستخدم. يتصور د. فوسينغر وزملاؤه أنسجة زرعية قادرة في يوم من الأيام على إنتاج مواد كيميائية تساعد في تقويم طيف واسع من الإختلالات الوظيفية: كالنواقل العصبية التي تضبط نوبات الغضب والقلق، مسكنات الألم الطبيعية للآلام الحادة أوالمزمنة، عوامل تخثر الدم لعلاج المصابين بنزف الدم وغيرها من التطبيقات العلاجيَّة.

بعض المرضى سيحظون بفائدة عظيمة في حال وجود مراقبة واعية على الجرعات الوريدية التي يتلقّونها بدلاً من الاعتماد على أجهزة الكشف، وبشكلٍ خاص في حالات محددة، حيث يصعب القياس على أيٍ كان باستثناء المريض الذي يعاني من الألم أو حالات المرضى غير الفاقدين للوعي الذين لا يمكن التواصل معهم .

الحاشية:

*واجهة الدماغ الحاسوبية (Brain-Computer Interface (BIC: هي طريقة اتصال مباشرة بين الدماغ وجهاز إلكتروني خارجي تسمح للمستخدم التحكم بالأشياء باستخدام دماغه فقط.

** كائن سِبرنيطيقي Cyborg: هو كائن يتألف من أجزاء عضوية وأخرى إلكتروميكانيكية، والمصطلح مشتق من علم السِبرنيطيقيا Cybernetics وهو علم التحكم في الأحياء والآلات ودراسة آليات التواصل في كل منهما .

*** علم البصريات الوراثي Optogenetics: هو مزيج من علمي الوراثة والبصريات للتحكم في أحداث معينة تجري في خلايا الأنسجة الحية

المصادر:

هنا

هنا

هنا