العمارة والتشييد > التصميم المعماري

الصفوف المتنقلة ذات الطاقة الايجابية

إحدى المشاكل التي تعاني منها المناطق البعيدة عن مراكز المدن عدم توفر المدارس، فتلجأ السلطات المحلية في هذه المناطق للاعتماد على الصفوف المتنقلة التي يمكن أن تصل للطلاب في أبعد الأماكن كالبادية!

في هذا المقال سنتعرف على التصميم الفريد التي اعتمدته ولاية هاواي الأمريكية لهذه الصفوف!


واحد من كل أربعة طلاب في ولاية هاواي الأمريكية يدرسون حاليا في صفوف متنقلة ذات نوعية رديئة. ولحل هذه المشكلة تعتزم الولاية إستبدال هذه الصفوف ب 10،000 وحدة حديثة خلال السنوات العشر القادمة.

يوفر هذا الصف الدراسي المتنقل -مسبق الصنع المعتمد على الطاقة الإيجابية- بيئة تعليمة سليمة عالية الأداء، وفي نفس الوقت يعمل على التقليل من إستخدام الطاقة من خلال إستغلال ضوء النهار والتهوية الطبيعية، وتوليد طاقة كهربائية بكمية أكبر من المستهلكة وذلك من خلال ألواح الخلايا الشمسية.

ويعتبر الصف بمثابة أداة تعليمية بمشاركة القوى الطبيعية والأنظمة المذكورة سابقاً كما يلاحظ من قبل الطلاب في الداخل، بالإضافة إلى إتصاله بشبكة الأنترنت.

ومن المتوقع أن تكون تكلفة دورة حياة هذه الصفوف أقل من الجيل السابق القابل للنقل والمستهلك للطاقة.

حيث اعتمدت نماذج وحدات الصفوف التعليمية المتنقلة المسبقة الصنع من قبل وزارة التربية والتعليم في ولاية هاواي (Hawaii Department of Education) كبديل عن مخزون الولاية الحالي من الوحدات القديمة رديئة الجودة المستهلكة للطاقة. وتعود هذه القدرة التنافسية للمشروع إلى فريق التصميم والبناء الذي إعتمد نموذج تحليل الأداء بدقة عالية، وتحليل تكاليف دورة الحياة البالغة ثلاثين عاماً.

وتشمل أنظمة البناء الحديث نظاماً شاملاً للرصد البيئي يبث إلى شبكة الانترنت، ويقوم فريقٌ من الباحثين مموّل من الولاية بتقييم أداء المبنى، من خلال دراسة ستستمر لمدة عامين. وإستناداً إلى النتائج العلمية لهذه الدراسة وتقييم ما بعد الإشغال، سيتم تنقيح المبنى كما هو مطلوب للوحدات المستقبلية ليتم وضعه في عدد كبير من المناطق متفاوتة المناخ في جميع أنحاء الولاية.

صُّمم هذا البناء القابل للنقل بسهولة بمرونة تتيح العديد من الخيارات التي تؤمن الراحة ضمن الصفوف، بالإضافة إلى كفاءة في استهلاك الطاقة في الظروف المناخية المتنوعة. حيث أن هذه الصفوف المتنقلة سيكون لها دور كبير في الخطة التعليمية في ولاية هاواي.

تم تصميم هذه الصفوف الدراسية المتنقلة لتوفير البيئة التعليمية الأمثل للطلاب والمعلمين، بالإضافة إلى تقديمها لمبادئ التصميم المستدام في قطاع البناء والتعليم في المدارس. تم تصميم الصفوف للحفاظ على الموارد الطبيعية بالإضافة إلى جمع هذه الموارد وتوليدها، بما في ذلك الطاقة الكهربائية، وضوء النهار، وطاقة الرياح، ومياه الأمطار. وبالإضافة إلى كون المبنى قوياّ وفعالاً ومحافظاً، فإنّ القوى والمصادر الطبيعية ضمنه واضحة وظاهرة ضمن الهيكل الإنشائي، كما أنّ جميع الأنظمة ومعايير الأداء مراقبة وتبث عبر شبكة الإنترنت.

لقد خلق الدمج بين سطح الخلايا الشمسية عالية الأداء إلى جانب الحد الأدنى من استهلاك الطاقة شبكة لإنتاج الطاقة الإيجابية تصل إلى أربعة أضعاف الاستهلاك السنوي للمبنى.

تتمتع هذه الصفوف المتنقلة ذات الطاقة الإيجابية بأسقف موجهة لسطوح الخلايا الشمسية، بالإضافة إلى واجهات زجاجية مظللة طبيعياً وبمواجة الشمال من أجل إستغلال ضوء النهار، والحصول على تهوية طبيعية معتدلة. حيث أن جميع هذه القوى الطبيعية تسير بالتوازي مع المعايير الإضافية للتصنيع وكفاءة النقل، وفعالية إستخدام هذه الصفوف الدراسية، وإنخفاض تكاليف التشغيل، وسهولة الصيانة. وقد تم إختيار جميع عمليات التصنيع والتسليم، والمواد والمنتجات المستخدمة لتكون ذات حد أدنى من التأثير على البيئة، وحد أقصى من المساهمة في إيجاد بيئة داخلية صحية. وبقدر الإمكان إختيار مواد تحافظ على الموارد، وتقلل من التكاليف الأولية وتكاليف الصيانة خلال دورة حياة المبنى، وتعزز الوعي التربوي للبيئة الطبيعية وعلاقتها مع الحياة الصحية.

ويركز التصميم على مشاكل الأداء التي تؤثر بشكل مباشر على تجربة تعلّم الطلاب، وعلى جودة بيئته من حيث الراحة الحرارية، والإضاءة الطبيعية، وجودة الهواء في الأماكن المغلقة، والحفاظ على الطاقة والموارد الطبيعية.

كما يوفر التصميم أداءاً حرارياً وضوئياً وصوتياً ممتازاً، إعتماداً على الأبحاث العلمية الحالية المتعلقة ببيئات التَّعلم الأمثل. حيث تم تصميم الصفوف الدراسية للحد من إكتساب الحرارة، وإستخدام ضوء النهار الطبيعي، والتهوية الطبيعية بدلاً من تكييف الهواء. وتم تصميم الأنظمة الكهربائية لتناسب توقعات التعليم الرقمية المعاصرة والمستقبلية، ولتقوم بمراقبة إستهلاك الطاقة، بالإضافة إلى رسم مخططات بيانية لمقارنة البيئة الداخلية بالظروف الجوية الخارجية. حيث يتم بث مراقبة أداء المبنى على شبكة الإنترنت عبر مواقع مفتوحة لإستخدام الأطفال، تسمح للطلاب بالحصول على تعليم تفاعلي حول بيئتهم المباشرة وقضايا الإستدامة. وقد تم دمج هذه البيانات على شبكة الإنترنت مع المناهج التعليمية لمختلف الفئات العمرية وهي متاحة للجمهور أيضاً. وبوصفه أداةً تعليميةً شاملة، يكشف تصميم المبنى عناصر الإنشاء والتشغيل، بحيث يتم فهم البيانات الرقمية بالإستناد إلى الصفات الفيزيائية لبنية المبنى. وقد تم تصميم المواد والأنظمة والسطوح للحصول على نوعية صحية للهواء وإستدامة. كما أنّ عمليات البناء قد تمت في مصانع عالية الكفاءة سواءاً في مجال الطاقة أو الموارد، وفق تصاميم على شكل وحدات تسهل إعادة الإستخدام مستقبلاً في مواقع بديلة، مما يعزز الحد الأعلى من الإستدامة خلال دورة حياتها.

المبنى مصنوع مسبقاً من ثلاث وحدات سهلة النقل، مما يحد من التكلفة الأولية وإستهلاك الطاقة، ويعزز من كفاءة إعادة توضيع المبنى وإعادة إستخدامه مستقبلاً، ويقلل من النفايات إلى الحد الأدنى.

إنّ إستخدام الإطارات الفولاذية إضافةً إلى الفولاذ والرغوة الجامدة rigid foam، والأرضيات المصنوعة من صفائح sandwich panel ( ألواح الصاج المغلفن المحشوة بالمادة العازلة)، وأنظمة الأسقف، جميعها تحد من إستخدام المواد وتزيد من العزل وإنعكاس الحرارة، وتردع الآفات والعفن في البنية الإنشائية الخالية من التجاويف. كما أنّ الجدران المزدوجة ذات الكسوة المعدنية إلى جانب السقف المعدني المغطى بألواح الخلايا الشمسية المتوضعة فوق فراغ تهوية بإرتفاع ثلاثة إنشات (7.5 سم تقريباً) تشكل بمجموعها قشرة مزدوجة جيدة التهوية تخفض الكسب الحراري بشكل كبير. وجميع السطوح الزجاجية قابلة للفتح وهي شماليّة الإتجاه أو مظّللة لمنع أشعة الشمس المباشرة، ولتأمين تهوية طبيعية وتدفق مريح للهواء.

وتتصف الأسطح الداخلية بأنها منخفضة المركبات العضوية المتبخرة "(VOC)Volatile organic compounds" –وهي المركبات التي تنتج ضغط بخار عالي في درجة حرارة الغرفة. والجسور المكشوفة مصنعوعة من أخشاب مغلفة بالغراء ومصادق عليها من قبل مجلس الإشراف على الغابات "Forest Stewardship Council( FSC)"، وهي مربوطة بدعامات فولاذية لتظهر القوى الإنشائية الأساسية.

ويشير تحليل ضوء النهار إلى تحقيق مستويات إضاءة ممتازة طوال اليوم الدراسي المعتاد في معظم المواقع دون الحاجة إلى الإضاءة الكهربائية. كما يشير تحليل الراحة الحرارية الى أن الصفوف الدراسية تكون مريحة في معظم المناخات ذات الحرارة العالية حتى من دون تكييف الهواء،على الرغم من أن المبنى مزود بنظام ميكانيكي ذو كفاءة عالية لتكييف الهواء كخيار إضافي لمواقع المدارس التي تمنع نوعية الهواء أو الضوضاء.

إن قيمة الزاوية والفراغ في النوافذ العلوية هو الأمثل لتحقيق أقصى قدر ممكن من تعرض ألواح الخلايا الشمسية للأشعة الشمسية، مع تسهيل مرور ضوء النهار غير المباشر والتهوية الطبيعية.

ولتحسين مستويات الإضاءة النهارية ظُلّلت النوافذ بكاسرات شمسية خارجية مصنوعة من الألمنيوم للحماية من أشعة الشمس المباشرة.

المخمدات الصوتية هي أيضاً أمر أساسي بالنسبة لتجربة الفراغ الداخلي، إذ أنّ قدرة الأطفال على التعلّم وتمييز اللغة المحكية تتأثر بشكل أساسي بمستويات الخلفية الصوتية وصدى الأسطح. وقد صممت الأرضيات والجدران والأسقف وجميع المعدات الميكانيكية والكهربائية للحد من إصدار الأصوات وتخفيض صدى الصوت.

يتم إختيار الأسطح والمواد والإطلالة ونوعية الضوء والألوان في جميع أنحاء الفراغ ليس فقط لتحقيق الصحة والإستدامة وسهولة التشغيل والصيانة، ولكن أيضا لتوفير الحيوية والمرح والإلهام الإبداعي. ولقد كان موضوع الفعاليّة الطاقيّة وإنتاج الطاقة هو محور التركيز الأكبر في تصميم وبناء هذا المبنى، الذي صمم ليحدث ثورة في مجال الفعالية الطاقيّة مقارنة بالصفوف المتنقلة المعتادة والتي تتصف بالأنانية في مجال استخدام الطاقة.

إنّ بناء وحدات الصفوف المتنقلة ضمن المصنع لا يتم بجودة تساوي أو تتفوق على الأبنية التقليدة فحسب، بل إنّ عملية التصنيع المتحكم بها هذه تقلل إلى حد كبير من إضاعة الطاقة والمواد مقارنة بعمليات البناء ضمن الموقع. كما أنّ نظام البناء المعتمد على الوحدات يمكن من إعادة وضع المبنى في أماكن أخرى وإعادة استعماله في المستقبل دون الحاجة إلى اللجوء إلى الهدم والتخلص من نفايات المواد.

النوافذ عالية الجودة ووسائل التظليل وملاقف الرياح الموجهة وقشرة المبنى المتنفسة بالإضافة إلى العزل ذا الجودة العاليه والمواد المانعة للتسرب تقوم بتخفيض الكسب الحراري، الذي يقلل بدوره من إضاعة الطاقة والتلوث وإطلاق الغازات المسببة للإحتباس الحراري. كما أنّ الأسقف المطاطية البيضاء عالية الجودة، والأسطح الزجاجية منخفضة الإنبعاثية المظللّة و قشرة المبنى المعدنية العاكسة تعكس الكسب الحراري بعيداً عن المبنى لتجعله مريحاً في الطقس الحار، وتقلل من التأثير الحراري على الأبنية المجاورة والفراغ الخارجي.

وتقوم أجهزة استشعار الإشغال بفهم نماذج النشاطات القائمة ضمن المبنى وتحسين الإعدادات للحفاظ على الطاقة والمحافظة على مستويات مريحة متناسبة مع دورة استخدام المبنى خلال النهار. فأجهزة الاستشعار التي تمّ التنسيق بينها وبين نظام التحكم الكهربائي بالإضاءة تقوم بإطفاء الإنارة عندما لا يكون هناك نشاط ضمن الغرفة.

مصفوفة الخلايا الشمسية على سطح المبنى تظلل السقف وفراغ التهوية أسفله، وتنتج أربع أضعاف احتياجات الطاقة المتوقعة للصف الدراسي، حتى عند استخدام تقنيات التعليم الرقمي المستدامة ونظام مراقبة أداء المبنى.

وقد تم تطوير المبنى بالكامل من خلال البرامج الهندسية التي تعتمد على نظام BIM (Building Information Modeling) وتم نمذجة وتحليل المبنى بإستخدام برامج الاظهار المعماري والتحليل البيئي. ووضعت أهداف عالية للأداء فيما يتعلق بمعايير الطاقة الأمريكية للأبنية التي تعرف بـ" ASHRAE 90.1" و التي تم وضعها ومراقبتها من قبل أفراد في "هيئة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي" (LEED AP) ضمن فريق التصميم المعماري والإنشائي، بالإضافة إلى المستشارين العلميين للمبنى.

ولقد عمل فريق المعماريين بشركة أندرسون أندرسون للعمارة بالتنسيق مع فرق من الجامعة وإستشاريين في علوم الأبنية القائمة على الصناعة، لوضع التصاميم وتحليل الأداء والمراقبة. وبما أنّ الأبنية المؤلفة من وحدات بهذا الحجم غير متضمنة ضمن برامج مثل (LEED) وإئتلاف المدارس عالية الأداء Coalition for High Performance Schools (CHP)، إلا أنّ معايير هذا الإئتلاف CHP بالإضافة إلى الحد الأدنى مما يقابل المعايير البلاتينية لـ(LEED) قد تمّ تطبيقها بوصفها المواصفات الأساسية للمشروع.


بعد إطلاعك على هذا التصميم المتقن ألا تعتقد أنه يجب تغيير مفهوم الأبنية المتنقلة بوصفها حلولاً سريعة، لتصبح تحفة في غاية الاتقان الحرفي والعلمي بنظرة مستقبلية واعدة.


المصادر:

هنا

هنا