الفنون البصرية > فن وتراث

Dura Europos المدينة المنسية

"دورا أوروبوس" مدينة رومانية قديمة تعود للحقبة الهلنستيّة، تقع على ضفاف نهر الفرات بالقرب من مدينة الصالحيّة في دير الزور في سوريا. بنيت لأوّل مرّة سنة 303 قبل الميلاد على يد السلوقيّين "خلفاء الاسكندر المقدوني" عند تقاطع طرق التجارة الشرقيّة - الغربيّة والشماليّة - الجنوبيّة على طول نهر الفرات، وسميّت باسم "دورا أوروبوس" تيّمناً بمسقط رأس سلوقس الأوّل "مؤسّس الدولة السلوقيّة". ويقدّر عدد سكَانها بـ 6000 إلى 8000 نسمة.

كما أُعيد بناء هذه المدينة في القرن الثاني قبل الميلاد، لتصبح من أهم المدن الهلنستيّة بسبب موقعها المميّز عند تقاطع طرق، الأمر الذي أكسبها طابعاُ عالميّاً متنوّعاً، فقد تمّ اكتشاف معابد وثنيّة ويهوديّة ومسيحيّة بُنيت في نفس الفترة الزمنيّة بجانب بعضها، ونقوش ومخطوطات مكتوبة بلغات مختلفة كاليونانيّة والعبريّة واللاتينيّة، أثبتت التنوّع الثقافي والتعايش الديني اللّذين كانا سائديْن فيها.

وتعاقبت على المدينة أمم متعدّدة وحضارات مختلفة إلى أن دُمّرت في الغزو الساساني عام 256 ميلادي، فغابت عن الوجود واندثر ذكرها لغاية عام 1920، حيث تمّ اكتشافها مصادفةً على يد جندي بريطاني أثناء حفره خندقاُ في الصحراء السوريّة، فعثر على بعض الألواح الجصيّة، وقام عالم الآثار الأمريكي "جيمس هينري بريستد" بدراستها وتحديد أصلها، ثم توالت فرق تنقيب أمريكيّة وفرنسيّة على المكان خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي.

تضم المدينة العديد من المرافق أهمها كنيسة ومعبد يهوديّ اللذان يعتبران الأقدم في العالم، وتتميّز منازلها ومعابدها بجدرانها المزيّنة بلوحات جصيّة ورسومات وصلوات، حتى أن المؤرّخ "مايكل ريستوفزسف" - وهو أحد المشاركين في عمليات التنقيب - اعتبرها أكثر مدن العالم القديم غنى وتنوّع.

أما معماريّاً، تأخذ الكنيسة شكل المنازل الرومانية القديمة التي تتميّز بفناء ذي فسحة سماويّة تتوسّطه بركة ماء، وفي الجهة المعاكسة للمدخل توجد منطقة مرتفعة عن الأرض تحوي طاولة، كانت تستخدم غالباً في الشعائر والطقوس الدينيّة.

(مدخل الكنيسة، لوحاته الجداريّة موجودة حاليّاً في متحف جامعة "ييل" الأمريكيّة)

وزيّنت جدران الكنيسة بلوحات عديدة يُعتقد أنها رُسمت مابين عامي 232 و 256 ميلادي، وهي تعتبر من أقدم الشواهد على الفن المسيحي التي مازالت صامدة إلى يومنا هذا. فالجداريّة التي تمثّل معجزة المسيح في شفاء المشلول وتعود على الأرجح لعام 235 ميلادي، تعتبر أقدم تجسيد فنّي للمسيح على الإطلاق.

(جداريّة الراعي الصالح في مدخل الكنيسة)

(جداريّة تجسّد معجزة المسيح في المشي فوق الماء)

للأسف تعرّضت بعض هذه الجداريّات لتلف كبير خلال عمليات النقل والتنقيب.

أما الكنيس اليهودي، فيعود إلى عام 244 ميلادي وقد بُنِي تحت الأرض لزيادة تحصينات المدينة تجاه الغزو الساساني ممّا جعله يصمد لفترة أطول، وجدرانه وسقفه مزيّنان بلوحات جصيّة، تجسّد أهم الأحداث الدينيّة في التاريخ اليهودي، وهي موجودة حاليّاً في المتحف الوطني في دمشق، ونسخ منها في جامعة ‘ييل‘ الأمريكيّة. إضافة للمراكز الدينيّة اليهوديّة والمسيحيّة ضمّت المدينة معابد وثنيّة كانت مكرّسة للآلهة اليونانيّة والرومانيّة وآلهة مملكة تدمر، مثل معبد الإله بل والإله أدونيس.

(جداريّة تجسّد الإله ميثرا أثناء قتله للثور)

(تمثال يجّسد آلهة الجمال اليونانيّة أفروديت)

ــــــــــــــــ

المصادر:

هنا

هنا