الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

الاشتراكية الطوباوية

انتشرت فكرة الاشتراكية الخيالية أو الطوباوية أو المثالية في العقود الأولى للقرن التاسع عشر، بعد الثورة الصناعية التي أثرت على معطيات الإنتاج الأساسية وظهور خلل خطير في البنيان الاجتماعي وازدياد التفاوت بين من يملكون ومن لا يملكون. فبينما كنت رؤوس الأموال تتراكم عاش العمال حول المصانع في اكواخ متلاصقة لا تعرف النور أو الهواء وانتشرت البطالة وعم المرض ضمن هذه الظروف غير المؤاتية للعيش. وبشكل عام كانت فكرة الطوباوية مجرد حركة أدبية مع بعض المحاولات لاقتراحها كفكرة قابلة للتجسيد من أجل التغيير الاجتماعي. كان أغلب أنصار هذه الأفكار الجديدة من الطبقات الوسطى والعليا وأشهرهم روبرت أوين و شارل فورييه. أما عن المبادئ الأساسية للاشتراكية الطوباوية، فما هي إلا نتيجة مباشرة للعصر الذي تشكلت فيه. ولذلك من الضروري أن نفهم طبيعة هذا العصر أولاً.

الاشتراكية الطوباوية هي رد على حركة التمدن التي حصلت خلال الثورة الصناعية جراء الهجرة الجماعية لأفراد الطبقة العاملة إلى المراكز الصناعية في المدن، مما أدى إلى السلوك غير الأخلاقي الذي قد يلجأ إليه بعض الأفراد نتيجة الفقر المدقع. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت ظروف السكن بشعة وأصبح أمر الصرف الصحي يشغل جميع قاطني المدن. فهاجم الاشتراكيون الخياليون الفلسفة السياسية والاقتصادية الفردية لأنها لا تضمن للعمال ملكية وسائل الإنتاج. وتجعل من الربح الشخصي المحرك الوحيد للنشاط الاقتصادي، وترفض مبدأ تدخل الدولة. فالاشتراكيون الطوباويون، هم المصلحون الذين كانت أفكارهم مستوحاة إلى حد كبير من أفكار عصر التنوير والثورة الفرنسية، لاسيما في اعتقادهم بقدرة البشرية على التقدم والكمال. و كانوا يهدفون إلى تقوية الاقتصاد عن طريق إعادة توزيع الثروات بالتساوي والتخلص من كل ما يربطنا بالأشياء المادية. تبلورت أفكارهم بثلاث مدارس، سان سيمون، شارل فورييه، روبرت أوين ولويس بلان.

اعتقد روبرت أوين(1771-1851)، بأن البشرية لن يكون حالها أفضل إلا إذا تحسنت البيئة المعيشية حيث أن الأفراد يتشكلون بحسب بيئتهم، وبتحسين هذه البيئة قد نخلق جنة على الأرض. صدمت أفكار أوين كبار رجال الأعمال ورجال الحكومة في ذلك الوقت حيث صرح بأن تطوير إنتاج الآلة من أجل الربح المحض سيؤدي إلى فقر العمال وتدهور أوضاعهم. كان تصوره للحل من خلال قرى التعاون وهي مجمعات سكنية تجمع 800 إلى 1200 شخص ويعيشون في شقق يملكونها. وفي مجتمع كهذا سيكون هناك العديد من المهام لتأمين الاكتفاء الذاتي. أما بالنسبة للمصنع فسيكون على مسافة معقولة من المجمع السكني. تركت فلسفته انطباعا عميقًا لدى العمال وبناءًا على تعاليمه فقد تم تطوير سلسلة من قرى التعاون للمنتجين والمستهلكين في جميع أنحاء إنجلترا. بقي من هذه القرى التعاونية "الحركة التعاونية الاستهلاكية".

أما شارل فورييه(1772-1827)، فقد رأى العالم الفعلي بحالة فوضى مطلقة. ورأى بأن الحل يكمن في إعادة تنظيم المجتمع إلى كتائب تحتوى على 1600 أو 2000 شخص، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء يعيشون تحت سقف واحد كما هو الحال في الفنادق الفخمة. وكل شخص له خصوصيته مع اختلاف أسلوب الحياة حسب مقدرة الفرد على الدفع، وفي هذه الكتائب لا توجد حكومة ولا تلغى الملكية الفردية ولكنها تنظّم على صورة النسب الآتية: 4/12 لصاحب رأس المال، 5/12 للعمّال، 3/12 للمهارة. وبالفعل فإن هذه الفكرة كانت منتشرة جدًا حيث أن في الولايات المتحدة وحدها كان هناك أكثر من 40 مجمع للكتائب بما في ذلك مجمع برووك ورغم استمرار هذه المجمعات عدة سنين إلا أنها لم تدم.

هذه الدعوة للتغيير وصفت بالخيالية لعدم جداوها من الناحية العملية حيث أن التغيير الجذري لا يتحقق عن طريق إقناع أصحاب رؤوس الأموال بالتنازل عن ارباحهم وباستثارة مشاعرهم الطيبة. ولكن بعد تفشي العنف قامت الثورة المسلحة بباريس 1848 إثر البطالة. وفي ذلك العام تحديداً بدأ تحول جديد في مسيرة الفلسفة الاشتراكية.

المراجع:

1- Heilbroner، Robert L. The Worldly Philosophers: The Lives، Times And Ideas Of The Great Economic Thinkers. New York: Touchstone. 1992.

"Utopian Socialism." هنا .

Dagger، Richard. "Utopian Socialism." Encyclopædia Britannica. 2- هنا .

2- الفكر السياسي الأوروبي الحديث و المعاصر، ميشال شيحة،هيثم سطايحي،(دمشق:منشورات جامعة دمشق /كلية العلوم السياسية،2012).