التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الميثولوجيا الإغريقية .. أمجاد اليونان و ملاحم الآلهة

نعود إلى العديد من المراجع للبحث في الفلسفة اليونانية القديمة فنجد، وللأسف، أنه لم يصلنا إلا النزر اليسير مما أبدعته أفكار الأدباء والفلاسفة اليونانيين، ولكن ما نجده يمكن أعتباره رائعا في تنوعه ونبله ورقته، بل كان كافياً لإعطاء الصورة الكاملة لهذه الحضارة العظيمة. لقد استطاع هذا الأدب العظيم أن يقلب موازين الفكر لدى كبار الأدباء الأوروبيين اللاحقين سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة عبر الأدب اللاتيني.

ومن بين الإبداعات التي لازالت تزخر بها المكتبات العالمية، الأساطير الإغريقية بلمستها الفنية وبخيالها الواسع . ففي القرن التاسع عشر لم يستطع الموسيقى والمسرحي الألماني ريتشارد فاغنر أن يخفي إعجابه الكبير بالأسطورة الإغريقية مؤكداً في إحدى أعماله الرائعة "أنه لا يمكن فهم الفن الإغريقي إلا من خلال الأسطورة والتراجيديا الإغريقية، فالأسطورة تجسيد للدوافع التشكيلية الكامنة في جميع أفراد الشعب" .

- تعريف بالميثولوجيا الاغريقية:

الميثولوجيا الإغريقية هي مجموعة الأساطير والخرافات التي آمن بها اليونانيون القدماء، والمهتمة بآلهتهم ، وشخصياتهم الأسطورية الأخرى، وطبيعة العالم، وتعتبر أساس ممارساتهم الدينية والطقوسية. كانت الميثولوجيا جزءاً من الدين في اليونان القديمة، وجزء من الدين في اليونان المعاصرة، كما أصبح يمارسها اليوم بعض الأشخاص خارج اليونان. يهتم العلماء المعاصرون بدراسة هذه الأساطير لفهم الحياة الدينية والسياسية في اليونان القديمة إضافة إلى معرفة نشأة هذه الأساطير بحد ذاتها.

تتجسد الميثولوجيا اليونانية في مجموعة كبيرة من الروايات، وفي الفنون اليونانية المتنوعة، مثل الرسم على الفخار. تحاول هذه الأساطير معرفة نشأة العالم، وتتبع حياة الآلهة والأبطال والمخلوقات الخرافية. انتشرت هذه الميثولوجيا في البداية عن طريق تاريخ شفهي والشعر، ويمكن أن نجدها اليوم في الأدب اليوناني.

تعتبر ملاحم هوميروس من أقدم ما وجد من الشعر اليوناني، المتمثلة في الإلياذة والأوديسة، والتي تركز على حصار طروادة. تضم القصيدتين التيين ألفهما هسيود، ثيوجوني والأعمال والأيام تفاصيل خلق العالم، وتعاقب حكام العالم من الآلهة، وتعاقب العصور البشرية، ونشأة ممارسات الأضحية. كما تضم ترانيم هوميروس بعض الاساطير، وكتب بعض الفنانون التراجيديون في العصر الخامس قبل الميلاد قصص آلهتهم المعبودة. كما يوجد آثار من الميثولوجيا في كتابات بعض العلماء والشعراء من الحضارة الهلنستية وآخرون من الإمبراطورية الرومانية.

وفرت الاكتشافات الأثرية مصدراً أساسياً لتفاصيل الميثولوجيا الإغريقية، حيث احتلت الآلهة والأبطال مكاناً بارزاً في زخرفة القطع الأثرية. كما يمكن أن نجد على الفخار الذي يعود عمره إلى القرن الثامن قبل الميلاد، رسوماً هندسية تمثل حصار طروادة ومغامرات هيراكليس . غذت ملاحم هوميروس وغيرها من القصص الميثولوجية الأخرى الأدب في مراحل اليونان القديمة والكلاسيكية والهلنستية . أثرت الميثولوجيا الإغريقية تأثيراً كبيراً على ثقافة وفنون وآداب الحضارة الغربية، وتبقى جزءاً من التراث الغربي . ما زال الكثير من الشعراء والفنانين يستلهمون من الميثولوجيا الإغريقية.

- تيارات نشأة الميثولوجيا الاغريقية:

يعود الفضل الأكبر لظهور الأسطورة الإغريقية إلى الشاعر الكبير الضرير هوميروس وهو أحد الأسماء العظيمة في الأدب العالمي، فقد ارتبط هذا الاسم بإحدى الملحمتين الشهيرتين الإلياذة والأوديسة. تصف الإلياذة أحداثا وقعت في أواخر حرب طروادة . فقصة الملحمة مبنية على أساس من الواقع، مع أنها في جوهرها نسج رائع من الخيال الشعري، وتصف ملحمة الأوديسة، وهي أقصر من سابقتها، ما عاناه أوديسيوس في طريق عودته من تلك الحرب . إلا أن هاتين الملحمتين لم يكونا هما الوحيدتين في تلك الفترة فقد عرف الفكر اليوناني ملحمتين شعريتين تنطويان على أفكار تعليمية ألفهما الشاعر هيسيود هما الأعمال والأيام و توالد الآلهة.

لقد اختلف الباحثون والعلماء في إعطاء تفسير دقيق ومحدد للأسطورة الإغريقية، فجعلها فلاسفة مدرسة الإسكندرية رمزا للقوة الرمزية والأخلاقية أو المظاهر الطبيعية كأسطورة إيزيس وأوزوريس ... لكن ليس جميع الأساطير تذهب في هذا النحو. أما الاتجاه الثاني فهو يرى أن الأسطورة تعود لأحداث تاريخية شبه حقيقية تحولت إلى أساطير كما يتحول الأبطال الشعبيون في مخيلة الفنان القديم إلى آلهة مثل ملحمة أبو زيد الهلالي.

- مصادر الميثولوجيا الاغريقية:

المصدر الرئيسي للميثولوجيا الإغريقية هو الأدب اليوناني، ومصدر الرسومات هو الفخار اليوناني.

أولاً: المصادر الأدبية:

لعبت الروايات الأسطورية دوراً مهماً في كل نوع تقريباً من الأدب اليوناني ، لكن الدليل الوحيد الشامل لأساطير الإغريق الذي نجا من اليونان القديمة هو المكتبة للكاتب أبولدورو الزائف. يحاول هذا العمل التوفيق بين أعمال الشعراء المتناقضة ويوفر ملخصاً للميثولوجيا الإغريقية وأساطير أبطالها، عاش أبولدورو الحقيقي في فترة 180-120 ق.م و كتب عن الكثير من هذه الأعمال ، وفرت كتاباته أساس هذه المجموعة ، لكن الأحداث التي ذكرتها "المكتبة" تقع بعد مماته ، ومن هنا جاءت تسمية أبولدورو الزائف .

تعد أعمال هوميروس ، الإلياذة و الأوديسة ، من أقدم المصادر الأدبية ، أتم بعض الشعراء الآخرين "الدورة الملحمية" ، لكن ضاعت معظم هذه القصائد بشكل كامل. على الرغم من التسمية "ترانيم هوميروس" ، إلا أن هذه الترانيم لا تمت بصلة لهوميروس، بل هي ترانيم من وقت سابق سمي بعصر الشعر الغنائي ، قدم هسيود في في ملحمته ثيوجيني (أصل الآلهة) جميع ما يمكن ذكره عن أوائل القصص الميثولوجية الإغريقية، التي تتعامل مع خلق العالم، أصل الآلهة والتيتانيون والعمالقة، إضافة إلى سلاسل نسب الآلهة و الحكايا الشعبية ، تضم قصيدة هسيود الأعمال والأيام أساطير بروميثيوس، باندورا والعصور الأربعة ، تعطي القصيدة نصائح عن كيفية النجاة في عالم خطر، الذي أصبح أكثر خطورة بسبب الآلهة .

كثيراً ما استلهم الشعراء الغنائيون أعمالهم من الميثولوجيا. وصف الشعراء الغنائيون بيندر، باخيليدس، سيمونيدس والشعراء الرعويون ثيوكريتوس وبيون، حوادث ميثولوجية فردية. كما كانت الميثولوجيا محورية في مسارح أثينا . استوحى الكتاب المسرحيون التراجيديون إسخيلوس ، سوفوكليس و يوربيديس محاور قصص مسرحياتهم من ميثولوجيا عصر الأبطال و حرب طروادة . كما أخذت الكثير من القصص التراجيدية (مثل: أجاممنون وأولاده، أوديب، جاسون، ميديا، إلخ) تتكون في شكلها الكلاسيكي ضمن هذه التراجيديات. كما استخدم كاتب المسرحيات الكوميدي أريستوفان قصصاً ميثولوجية في العصافير وملهاة الضفادع.

نشر المؤرخان هيرودوت و ديودورس ، وعالما الجغرافيا باوسانياس وسترابو، الذين جالوا اليونان ودونا القصص التي سمعوها ، عدداً من الأساطير المحلية التي سمعوها ، لكن غالباً ما قدموا نسخاً بديلة عنها غير معروفة. بحث هيرودوت في مختلف التقاليد والعادات واستطاع أن يجد الجذور التاريخية أو الميثولوجية في الصراع بين اليونان والشرق. وحاول هيرودوت بعدها أن يوفق بين أصول الميثولوجيات المختلفة والمزج بين القيم الثقافية المختلفة.

كُتب الشعر في الحضارتين الهلنستية والرومانية في بادئ الأمر بغرض الفن والأدب، إلا أنه يحوي معلومات مهمة عن ثقافة وحضارة تلك الدول، وكانت ستضيع تلك المعلومات لولا هذا الشعر. من الأمثلة على ذلك:

1. الشعراء الرومانيون: أوفيد، ستاتيوس، غايوس فاليريوس فلاكوس، سنكا، ورغيليوس.

2. شعراء إغريق من أواخر العصور القديمة: نونس، أنتونيوس ليبيراليس، كوينتوس سميرناوس.

3. شعراء إغريق من العصر الهلنستي: أبولونيوس من رودس، كاليماخوس، إراتوستينس، بارثينيوس.

4. روائيون إغريق ورومان: لوكيوس أبوليوس، بترونيوس، لوليانوس، هيليودوروس.

تعد الكتابات غير الشعرية فابولاي وأسترونوميكا لهايجينوس مصادر مهمة للميثولوجيا. ويمكن أن نعد أيضاً من المصادر المهمة، الخيالات لفيلوستراتوس الأكير وفيلوستراتوس الأصغر والأوصاف لكاليستراتوس. أخيراً، وفر أرنوبيوس وعدد من الكتاب الإغريق البيزنطيين تفاصيل مهمة للميثولوجيا، أتوا بها من أعمال إغريقية سابقة تعتبر اليوم ضائعة. تضم لائحة الذين حافظوا على التراث الميثولوجي، معجم هيسيخيوس، السودا، وأطروحات جون تزيتيس ويوستاثيوس

ثانياً: المصادر الأثرية:

ساعد اكتشاف عالم الآثار الألماني هاينريش شليمان للحضارة الميكينية، في القرن التاسع عشر، واكتشاف عالم الآثار البريطاني السير أرثر إيفانز للحضارة المينوسية في كريت، في القرن العشرين، على الإجابة على العديد من الأسئلة المتعلقة بملاحم هوميروس، وقدمت براهين أثرية على التفاصيل الميثولوجية لقصص الآلهة والأبطال. تعد الأدلة على الميثولوجيا في المواقع الأثرية المينوسية والميكينية آثاراً تذكارية اليوم.

تحوي الرسوم الهندسية على فخار القرن الثامن قبل الميلاد مشاهد من حرب طروادة، ومغامرات هرقل. تعد هذه التمثيلات البصرية للميثولوجيا مهمة لسببين، أولاً، تعد هذه الفخارات أقدم من المصادر الأدبية، على سبيل المثال، فقط قصة واحدة من قصص هرقل كتبت قبل أن ترسم. بالإضافة إلى أن بعض الرسوم تحوي قصصاً وأساطير غير موجودة في الأدب. في بعض الأحيان، يسبق ظهور أول تمثيل لميثولوجيا في الأدب ظهورها في الفن الهندسي بعدة قرون.

المصادر:

سليمان، مظهر (2000) أساطير من الغرب. القاهرة: دار الشروق.

سلامة، أمين (1988) الأساطير الرومانية و اليونانية. القاهرة: مؤسسة العروبة للطباع.

زياد، سلهب . رحاب ابو عباس (1998) آثار العصور الكلاسيكية الإغريقية. دمشق: جامعة دمشق.

صليبا، جميل (1994) المعجم الفلسفي. بيروت، القاهرة: دار الكتب اللبناني، دار الكتاب المصري. ج2

كوليت، استييه . عودة، زياد (1989) اسطورة أوديب. دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب.

زكريا، فؤاد (1968) أفلاطون: الجمهورية. بيروت: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر.

مصدر الصورة: هنا