العمارة والتشييد > التشييد

الخرسانة الحيَّة

لا شك أنً الخرسانة المسلحة هي المادة الأكثر انتشاراً وشهرةً بين مواد البناء، لكن تبقى التشققات التي تصيبها هي الهاجس الأكبر الذي يشغل بال العاملين في قطاع التشييد، وما يرافق ذلك من اعتبارات تؤخذ في الحسبان عند التصميم والتنفيذ لمنع ظهورها، فالخرسانة المتشققة تعني في كثير من الحالات خروج المنشأ عن الخدمة والحاجة الملحّة للإصلاح أو الترميم، وما يستغرقه ذلك من جهدٍ وتكلفةٍ وزمنٍ.

طوّر الباحثون في جامعة ديلفت التقنية Delft Technical University في هولندا نوعاً جديداَ من الخرسانة يدعى Bio-Concrete أو ما يعرف بالخرسانة ذاتية الشفاء Self-healing Concrete التي تستطيع معالجة نفسها من التشققات عن طريق إضافة نوع خاص من البكتيريا إلى الخلطة الخرسانية لتعمل بشكل بيولوجي على إنتاج الحجر الكلسي Limestone ، أحد مكونات الاسمنت الرئيسية، وملءِ الشقوق السطحية التي قد تظهر في الخرسانة.

إن الوسط القلويّ الذي تتمتع بهِ الخلطة الخرسانية يمكِّن نوعاَ خاصاً من البكتيريا من جنس العصيات Bacillus، عند توفير وسط غذائي مناسب لها من لاكتات الكالسيوم، النيتروجين والفوسفور، من البقاء ساكناً (مثبطاً) داخل الخرسانة لمدّة تقارب المئتي عام. عند تضرر الخرسانة يبدأ الماء بالتسلل عبر الشقوق، حينها يتم تفعيل عمل هذه البكتيريا بوجود الماء والمغذيات المناسبة، وتبدأ باستهلاك الأوكسجين ولاكتات الكالسيوم لإنتاج الحجر الكلسي الذي يترسب في الشقوق ويؤدي بالنتيجة إلى إغلاقها. وذلك بأسلوب مشابه لطريقة التئام الكسور العظمية في الجسم البشري. إضافة إلى أن استهلاك الأوكسجين من قبل البكتيريا أثناء هذه العملية لهُ فائدة أخرى تتمثل بمنع تشكل الصدأ على حديد التسليح، مما يزيد من عمر المنشأ الافتراضي.

ولمنع تفعيل عمل البكتيريا خلال عملية خلط الخرسانة، يتم إضافة البكتيريا ولاكتات الكالسيوم عن طريق حافظات خاصة من الطين بعرض 2 الى 4 مم تؤمّن عدم تأثّر البكتيريا بماء الخلطة الخرسانية وتفعيل عملها فقط عند تشققها وتسرب الماء إليها.

ووفقاً للدكتور HenkJonkers أحد الباحثين المشاركين فقد تمكنوا في المخبر من ملاحظة التئام شق بعرض نصف ميليمتر داخل الخرسانة وتم اختبار هذه الخاصية خارج المخبر وعلى أصناف مختلفة من الخرسانة، وفي عدة أنواع من المنشآت.

ما زالت الأبحاث تركز على كيفية تحقيق الشروط المناسبة داخل الخلطة الخرسانية التي تسمح للبكتيريا بإنتاج أكبر كمية ممكنة من الحجر الكلسي، وكذلك مدى تأثير العوامل الأخرى كالكبريتات وتغير درجات الحرارة على فعالية هذه البكتيريا. ومن العوائق التي ما زالت تعترض الباحثين أن الحافظات الطينية تشكل حوالي 20% من حجم الخرسانة وأقل صلابة من الحصيّات المستخدمة في الخلطة الخرسانية مما يضعف مقاومة الخرسانة على الضغط، وهذا لا يناسب العديد من العناصر الخرسانية بالإضافة إلى أنّ تكلفة هذا النوع من الخرسانة حوالي ضعفي تكلفة الخرسانة التقليدية، وهذا بلا شك سيكون عائق أمام انتشارها في المنشآت التقليدية.

نظرياً استخدام هذا النوع من الخرسانة سيؤدي إلى وفر كبير في مواد البناء، وخصوصاً حديد التسليح، وبالتالي الحصول على منشآت أكثر اقتصادية في التصميم والتنفيذ، ذات استدامة أكبر وأقرب للطبيعة. من دون شك ستترك هذه التقنية أثرها في عالم البناء في المستقبل القريب، خصوصاً أنه يتم العمل على تطويرها واستخدام أساليب مختلفة لتحقيق نفس الهدف والحصول على خرسانة حيَّة تستطيع معالجة نفسها.


المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

Robert Eagle/flickr