الفلسفة وعلم الاجتماع > أعلام ومفكرون

برتراند راسل (1872-1970)

- لن أموت أبداً في سبيل معتقداتي، لأنني قد أكون مخطئاً.

- إن ما ينقله شخص غبي عما قاله شخص ذكي لا يمكنه أبداً أن يكون دقيقاً، لأنه وبشكل غير واعٍ يترجم ما سمعه إلى شيء يمكنه فهمه.

هذه الاقتباسات وغيرها تعطينا سبباً جيداً للاستماع إلى آراء بيرتراند راسل حول كل المواضيع و الأمور. فقد كان راسل أكثر من فيلسوف، كان عالمًا في الرياضيات والمنطق ومناضلًا من أجل السلام بالإضافة إلى كونه مربيًا وناقدًا ثقافيًا. نرى في أعماله المتعددة والمتنوعة تقديرًا للعلاقة بين الفلسفة و العلوم الأخرى. كتب راسل في كل مجال فلسفي رئيسي عدا علم الجمال و تعد مقالته الفلسفية عن التدليل "On Denoting" التي كتبها في عام 1905 إحدى أهم وأبرز المقالات الفلسفية في القرن العشرين. برز التزامه في السعي وراء الحقيقة في مواقف كثيرة حتى وإن كلفه ذلك حياته المهنية أو أدى إلى تعارضه مع أفكاره السابقة. سُجن في عام 1918 بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى وعمل في قضايا سياسية مختلفة تتعلق بنزع السلاح النووي ومعارضة حرب فيتنام.

بيرتراند راسل (الاسم الكامل: بيرتراند آرثر ويليام راسل) الأيرل الثالث لكينغستون راسل من مواليد 18 مايو/ أيار 1872 مونماوثشاير ويلز. توفي في 2 فبراير/شباط 1970. شخصية مؤسسة في حركة الفلسفة التحليلية للمدرسة الأنجلو-أميركية وحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1950. مساهماته في علم المنطق وعلم المعرفة والفلسفة والرياضيات أسست له مكانته كأهم فلاسفة القرن العشرين. كانت حياته طويلة ومنتجة وغالبًا مضطربة وقام فيها بنشر 70 كتابا و 2000 مقال وقيل أنه منذ سنوات المراهقة كان يكتب 3000 كلمة في اليوم. يتميز أسلوبه بالوضوح وجيشان العاطفة كما كان ناقدًا ساخرًا من الطراز الممتاز. تزوج أربع مرات وشارك في جدالات عامة لا تحصى كما أنه كان يكرم ويُلعن بشكل متساوٍ في كافة أنحاء العالم تقريبًا.

ولد راسل لأسرة ليبرالية أرستقراطية في إنجلترا. شغل والده جون راسل منصب رئيس الوزراء مرتين بطلب من الملكة فيكتوريا. أسس آل راسل أنفسهم في إنجلترا كإحدى أهم الأسر الليبرالية وشاركوا في كافة الأحداث السياسية العظيمة. كان الوالد "جون راسل" من أوائل المنادين بتحديد النسل في وقت كان يعد ذلك أمرًا فاضحًا ومشينًا.

في عام 1890 حصل راسل على منحة في جامعة كامبريدج و تأثر بألفريد وايتهيد وسرعان ما تميز راسل في الرياضيات والفلسفة فتخرج في عام 1893 وحصل على الزمالة في عام 1895. أما أول عمل قام راسل بنشره فقد كان كتاب "الديمقراطية الاجتماعية الألمانية" ويعد الكتاب دراسة سياسية ومؤشرًا على اهتمام مبكر لازم راسل مدى الحياة في النظرية السياسية والاجتماعية. في عام 1903 نشر راسل أولى كتبه عن المنطق الرياضي وهو كتاب "مبادئ الرياضيات" الذي بين فيه كيفية استنباط الرياضيات من مجموعة محددة من المبادئ ومساهمًا في قضية الفكر المنطقي. ورغم أن الأفكار نقحت لاحقاً من قبل عدد من العلماء إلا أنها كانت المنطلق للكثير من الإنجازات الحديثة في قواعد الرياضيات.

بعد الحرب العالمية الثانية انتقل راسل إلى الولايات المتحدة الأميركية للتدريس في جامعة شيكاغو ومن ثم في كاليفورنيا، لوس أنجيليس. و في عام 1940 عُين أستاذًا في سيتي كوليدج في نيويورك ولكن التعيين ألغي بحكم قضائي بعد موجة عارمة من الغضب بسبب آرائه ومبادئه. عُرفت هذه الحادثة لاحقاً بقضية بيرتراند راسل حيث كتب له أينشتاين في رسالة مفتوحة لمؤازرة قضيته "طالما واجهت العقول العظيمة معارضة عنيفة من العقول المتوسطة". بعد هذه الحادثة انضم راسل إلى مؤسسة بارنز في فيلاديلفيا وألقى محاضراته على جمهور متنوع حول تاريخ الفلسفة وشكلت هذه المحاضرات أساس كتابه "تاريخ الفلسفة الغربية" 1945. حقق هذا الكتاب نجاحًا تجاريًا وفر له دخلًا ثابتًا للفترة المتبقية في حياته.

عندما عاد إلى بريطانيا في عام 1944 انضم مجددًا إلى كلية ترينيتي وحينها كان قد أصبح شخصية مشهورة خارج الأوساط الأكاديمية كما شارك في العديد من البرامج الإذاعية على B.B.C. وكان رأيه مطلوبًا في كافة المواضيع المهمة منها والتافهة. واصل راسل الكتابة عن الفلسفة وحصل على وسام الاستحقاق في عام 1949 وعلى جائزة نوبل للآداب في عام 1950. نشر له ثلاث مجلدات عن سيرته الذاتية وبقى إلى آخر يوم في حياته يتمتع بتفكير واضح و ذهنٍ صاف.

توفي راسل في 2 فبراير/شباط 1970 بمرض الأنفلونزا بعد إصابته بحالة إعياء مفاجئ أثناء القراءة في منزله في مونماوثشاير، ويلز. ووفقًا لرغبته لم يكن هناك أي احتفال ديني فقد حرقت جثته ونُثر رماده لاحقًا فوق جبال ويلز.

فلسفته:

لقد كان راسل ناقداً بشكل اساسي لمذهب العلاقات الداخلية (الفكرة التي تقول أن كل شيء له علاقة بشكل من الأشكال مع كل شيء آخر، ولكي تعلم شيئاً محدداً عليك أن تعرف كل علاقاته)، فقد رأى راسل أن هذا المذهب سيجعل من الفضاء والوقت والعلم وغيرها مفاهيم غير واضحة.

اهتم راسل بشكل كبير بالمنطق الرياضي، وكان كتابه الأول "مقالة حول أسس الهندسة" عام 1897 متأثراً بشدة بإمانويل كانط، ولكنه سرعان ما قام برفضه بشكل كامل عندما أدرك أنه سيجعل من مخطط أينشتاين للزمكان أمراً مستحيلاً. وكرجل يافع، أصبح مهتماً بتعريف العدد، واتبع المذهب المنطقي Logicism (المذهب الذي يرى أن الرياضيات يمكن اختزالها بالمنطق) وفيما بعد نشر في كتابه "مبادئ الرياضيات" ما عرف باسم "مفارقة راسل" والتي تحدثنا عنها في مقال منفصل (www.syr-res.com/article/3229.html ) والتي يمكن تبسيطها بالقول: "إذا كان هنالك حلاق يحلق لكل سكان القرية الذين لا يحلقون لأنفسهم، فهل يقوم بالحلق لنفسه؟".

لربما، جعل راسل - أكثر من أي شخص مضى – اللغة (أو بشكل محدد، استخدامنا للغة) جزءاً مهماً من الفلسفة. إن أبرز مساهماته فيما يخص فلسفة اللغة تعود إلى نظريته في الصفات والتي عرضها في مقالته عن التدليل. يمكن توضيح هذه النظرية من خلال اعتمادنا جملة "الملك الحالي لفرنسا" (في الوقت الذي لا تملك فيه فرنسا أي ملك)، وكان الحل لدى راسل بشكل أساسي ألا نقوم بتحليل العبارة وحدها بل تحليل الافتراض بأكمله الذي يتضمن توصيفاً محدداً، ومن ثم نسمح للتوصيفات المحددة أن تُجزَّأ وأن تُعَامَل بشكل مستقل عن التوقع الذي بدا واضحاً في الافتراض الكلي. إن المعالجة المنهجية للتحاليل الفلسفية لدى راسل هو ما دعاه Logical Atomism "المذهب الذري المنطقي"، والذي طوره في مجموعة من المحاضرات عام 1918.

فيما يخص نظرية المعرفة، فقد ميز راسل طريقتين يمكننا من خلالهما التعرف على الأشياء، الأولى تقوم على المعرفة من خلال البيانات الخاصة بنا من خلال تصوراتنا اللحظية للون والصوت وغيرها، والثانية هي المعرفة التي تتضمن الأشياء المادية ذاتها والتي يمكن الاستدلال عليها فقط دون معرفتها بشكل مباشر.

لقد ظل راسل طيلة حياته تجريبياً، وأكد دائماً ان المنهجية العلمية – المعرفة المستخلصة من الأبحاث التجريبية تؤكد بالاختبار المكرر – هي الطريقة المناسبة للتحليل، على الرغم من إيمانه أن العلم والفلسفة يمكنهما فقط أن يصلوا إلى إجابات مؤقتة وجزئية. في الواقع، إن جعله للعلم جزءاً مركزياً من منهجيته كان له دور فعال في جعل فلسفة العلم فرعاً منفصلاً في الفلسفة، وأثر في مجموعة من الحركات الفلسفية اللاحقة.

على الرغم من أن راسل كان قد كتب في الأخلاق فإن لم يؤمن حقاً بأن الأخلاق كانت في الواقع جزءاً حقيقياً من الفلسفة. ومع مرور الوقت، تخلى راسل عن أي فكرة كانت لديه عن القيم الأخلاقية الموضوعية وفضل وجهة نظر أقرب للمذهب الذاتي في الأخلاق.

المصادر والمراجع وقراءات أخرى:

plato.stanford.edu/entries/russell/

هنا

هنا