الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

أجهزة كومبيوتر تحاكي عمل العقل البشري

غالبا ما يقوم الباحثون باستلهام اختراعاتهم من الطبيعة ودائما ما يكون معيار التقييم لأداء هذه الاختراعات هو قربها من شبيهاتها الطبيعية. ففي مجال علوم الحاسوب، كان على الدوام معيار المقارنة هو الدماغ البشري. حيث يمكن له التعلم والتكيف دون الحاجة لبرمجته أو تحديثه. كما أن له ذاكرة غير محدودة تقريبا، ويعمل بسرعات عالية جداً.

لذا تسعى كثير من المختبرات الأكاديمية والصناعية على تطوير أجهزة حاسوبية تعمل بشكل مشابه للدماغ البشري. فبدلاً من العمل كالأنظمة التقليدية والرقمية، يمكن لهذه الأجهزة الجديدة أن تعمل مثل شبكة من الخلايا العصبية التي يمكن لها أن تنجز عمليات حسابية معقدة جداً وبجهد منخفض مقارنة مع الأجهزة الرقمية التقليدية.

وفي هذا السياق، فقد أنجز فريق من الباحثين في جامعة McCormick Northwestern في الولايات المتحدة الأمريكية خطوة جديدة إلى الأمام في مجال الالكترونيات يمكن لها أن تجعل الحوسبة الدماغية أقرب إلى الواقع. حيث يعمل الفريق على تطوير مقاومات الذاكرة أو ما يعرف بـ Memristors. حيث يعتقد الباحثون أن الـ Memristors ستشكل العنصر الأساسي الرابع في الدارة الكهربائية، بالإضافة إلى المقاومة، المكثفة، والملف التحريضي.

من الناحية النظرية الـ Memristors هي نوع من عناصر الدارة السلبية التي تحافظ على علاقة بين تكاملات الزمن للتيار والجهد لعنصر بنهايتين. وهكذا تختلف مقاومة الـ Memristor لوظيفتها في الجهاز، مما يسمح بالحصول على تاريخ الجهد المطبق عبر شحنات القراءة الصغيرة.

بتعبير آخر، يمكن تشبيه الـ Memristors بأنبوب تمر عبره المياه (شبهنا التيار الكهربائي بالتيار المائي). يمثل قطر الأنبوب المقاومة لتدفق التيار (كلما كان الأنبوب أضيق، ازدادت المقاومة). وإذا قمت بدفع المياه في الأنبوب باتجاه واحد، يصبح الأنبوب أكبر (مقاومة أقل)، وإذا قمت بدفع المياه في الاتجاه الآخر يصبح الأنبوب أصغر (مقاومة أكبر). وفي حالة إيقاف ضخ الماء فإن الأنبوب يحافظ على حالته (لا يتغير حجم الأنبوب) وبالتالي يتم تخزين آخر قيمة للتيار.

** عند انقطاع التيار يحافظ الأنبوب على قطره (قيمة المقاومة)

وبمقارنة هذه الميزة مع الذواكر الأخرى المستخدمة في الحواسب التقليدية، نجد أن أجهزة الحواسب الحالية تستخدم ذواكر منها: ذواكر الوصول العشوائي (RAM) التي تعمل بسرعة عالية عند استخدامها ولكنها لا تحتفظ بالبيانات بعد انقطاع الطاقة عنها. وذواكر القراءة فقط (ROM) و الـ Flash drives التي تخزن المعلومات عند عدم وجود تغذية كهربائية ولكنها بطيئة. وبالتالي نجد أن الـ Memristors توفر ذاكرة أفضل من حيث السرعة والموثوقية، حيث أنها تحافظ على البيانات بعد انقطاع التغذية الكربائية عنها.

مع ذلك تعاني الـ Memristorsمن مشكلة، وهي أنها وحدات الكترونية بطرفين يمكن لها أن تتحكم بقناة جهد واحدة فقط. لذا سعى الباحثون لتحويلها إلى جهاز ثلاثي الأطراف، ليتم استخدامها بدارات وأنظمة الكترونية أكثر تعقيداً.

وبالفعل قد تم التغلب على هذه المشكلة باستخدام طبقة واحدة من ثاني كبريتيد المولي بدينوم (MoS2)، وهي عبارة عن أنصاف نواقل نانومترية ثنائية الأبعاد. حيث تصطف ذرات هذه المادة كحبيبيات (كل حبيبة تشكل قناة). وعند تطبيق جهد بمقدار معين يتغلب على مقاومة الحبيبات، تصطف هذه الحبيبات (القنوات بشكل) منتظم يمكن التيار من التدفق داخل القنوات (عند الاصطفاف تشكل قنوات الحبيبات قناة واحدة منتظمة). الفائدة من هذه البنية هي استخدام ممانعة الحبيبات كمقاومة تحكم. وبذلك يكون هذا النموذج للـ Memristors نموذج ثلاثي النهايات (بوابة تحكم، مصعد ومهبط).

هذه الخواص دفعت العديد من عمالقة تطوير الحواسيب كـ HP، IBM، Samsung وغيرهم للاستثمار في أبحاث لتطوير الـ Memristors. حيث يؤمن الكثير منهم أن هذه الذواكر ستشكل ثورة جديدة في عالم الحوسبة والتكنولوجيا.

وبذلك نجد أن عجلة التطور التكنولوجي مستمرة بطرح مفاهيم واقتراحات جديدة تسعى في مجملها لتحدي المفاهيم الحالية وإنشاء جيل جديد من التقنيات القادر على مواكبة متطلبات العصر. إلا أن البعض يتخوفون من نتائج هذا التطور في حال وصل الذكاء الحاسوبي إلى مرحلة يتفوق فيها على الإنسان نفسه. فهل تعتقد أنه من الممكن أن يأتي يوم يصنع البشر بأيديهم بديل عنهم على هذا الكوكب؟!

المصادر:

هنا

هنا

هنا

مصادر الصور:

هنا

هنا