البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

تعديل الجينوم البشري.. بين التطبيقات العلاجية والضوابط الأخلاقية

أصبح من الممكن تعديل جيناتنا من أجل العلاج والوقاية من بعض الأمراض الوراثية الشائعة كمرض نقص المناعة المكتسبة وفقر الدم المنجلي. وبشكل أكثر جدلاً، عند إجراء هذه التعديلات لخلق أجنة بشرية خالية من الأمراض، فخلال الأسابيع القليلة الماصية، تصدرت المحاولات الأولى لتعديل الأجنة البشرية العناوين الرئيسية في المجلات العلمية. حيث أظهرت بعض هذه الدراسات أن مثل هذه المحاولات قد تقي الأطفال من الأمراض الوراثية. وبالرغم من ذلك، قد تمضي عدة عقود قبل أن يصبح هناك استبدال آمن لبعض تسلسلات المادة الوراثية ضمن الأجنة البشرية والحصول على قبول أخلاقي لمثل هذه الأجنة المعدلة وراثياً. إلا أن المنهجية تخضع للاختبار من الآن من أجل معالجة الأمراض لدى البالغين وقد تستخدم قريباً لمعالجة طيف واسع من الأمراض.

علاج نقص المناعة المكتسبة.

خلال الأشهر المقبلة ستعمل أربع عيادات أمريكية بتوجيه كوادرها للعمل على اجراء اختبارات على مدى كفاءة استخدام التعديل الجيني في علاج نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). حيث يعمل هذ مرض ببث الفوضى في الجسم من خلال تدميره للخلايا المناعية التائية T cell وتعرف بهذا الاسم نسبةً إلى الخلية الزعترية Thymus والتي تلعب دوراً كبيراً في مراحل الحياة الأولى باختيار الكريات البيضاء الأكثر كفاءة في الدفاع عن الجسم وتكسبها الأساليب المناعية المطلوبة في مقاومة الأمراض. ويحتوي هذا النوع من الخلايا على سطحه مستقبل يعرف بـــ CCR5 يقوم الفيروس باستغلاله في تدمير الخلايا المناعية. وبالتالي فإنه يمكن يمكن حجب العدوى عن طريق تدمير الجين المسؤول عن إنتاج مثل هذا النوع من المستقبلات.

قام الباحثون في العام الماضي باستهداف وتدمير هذا الجين في الخلايا التائية لدى 12 شخص يعانون من نقص المناعة المكتسب باستخدام نوع خاص من البروتينات التي تستخدم لتسهيل عملية المعالجة الجينية والتي تعرف بــ Zinc finger nucleases (ZFN) وقد أدى ذلك إلى زيادة مقاومة المرضى للفيروس. أما بالنسبة للتجارب الجديدة فهي تهدف لرفع مستويات العلاج عن طريق التخلص من هذا الجين في الخلايا الجذعية التي تعطي الخلايا التائية. مما يمكن الوصول إلى علاج أكثر فعالية ومستمر. وسوف تضيء هذه التجارب الطريق من أجل استخدام الآلية نفسها في علاج العديد من الأمراض الأخرى. فعلى سبيل المثال، تم التحضير لتجربة جديدة سوف تركز على علاج فقر الدم المنجلي، الذي تكون فيه جزيئات الهيموغلوبين الحاملة للاوكسجين غير طبيعية. قد تقوم التقنية العلاجية هنا بتفعيل بروتين ليتم استخدامه عوضاً عن الهيموغلوبين.

مع ذلك، فإن هذه المنهجيات قد تحمل العديد من السلبيات التطبيقية. ويقول David Liu الباحث في جامعة هارفرد الأمريكية:" إن تقنية التعديل الجيني تحمل امالاً كبيرة وأخطاراً متوقعة، فقد تؤدي إلى حدوث تعديلات إضافية في تسلسلات المادة الوراثية غير المستهدفة. مما ينتج عنه أثاراً سلبية خطيرة غير متوقعة النتائج". لكن إن كان هناك إمكانية من إجراء تعديلات جينية آمنة على خلايا البالغين الجذعية. فإن ذلك سيواجه اعتراضات أخلاقية أقل حدة من التي تواجهها بقية تطبيقات التعديل الجيني.

التغييرات الموروثة.

تقوم بعض الفرق البحثية مؤخراُ بدراسة احتمالية استخدام التعديل الجيني للحصول على تغييرات قابلة للتوريث. وقد اظهر بعض الباحثون في شهر نيسان / أبريل الماضي أنه يمكن استخدام التعديل الجيني للتخلص من بعض الطفرات في المتقدرات( الميتاكوندريا) التي تورثها أنثى الفأر لنسلها. وتعرف المتقدرات بأنها مركز توليد الطاقة داخل خلايانا وتمتلك DNA خاص بها والذي يختلف عن الموجود في النواة. وقد تسبب الطفرات داخل DNA المتقدرات أمراضاً لايوجد علاج لها( وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأم هي المسؤولة عن توريث مثل هذه الأمراض لنسلها لأنه عند عملية الإخصاب تتحد نواة الحيوانات المنوية الذكرية مع نواة البويضة الأنثوية. وتكون البويضة الأنثوية محتوية على المتقدارت. وهذا ما يعرف بالوراثية الأمية Maternal effect).

في وقتٍ مبكر من هذا العام منحت بريطانيا الضوء الأخضر لعلاج استبدال المتقدرات. يتضمن خلق "أطفال بثلاثة آباء" حيث يتم أخذ المتقدرات السليمة من شخص ثالث للوقاية من الأمراض التي يمكن أن تنتقل إليهم. وتستخدم هذه التقنية تكنولوجيا التعديل الجيني بالاعتماد على بروتين يدعى TALEN يعمل على الالتصاق بالــ DNA في المتقدرات التي تحتوي على الخلل ويسبب تدميره بينما تبقى المتقدرات السليمة دون أن يصيبها أذى.

تحمل غالبية الأمهات اللواتي يقمن بنقل المتقدرات الطافرة إلى أولادهن، على بعض المتقدرات السليمة. لذلك يلعب بروتين الــ TALEN دوراً هاماً في تقليل عدد المتقدرات الطافرة إلى الحدود الدنيا التي يمكن أن تكون كافية لوقاية الأجيال القادمة من المرض.

مع ذلك فإنه من الصعوبة بمكان أن تكون هذه الطريق خالية من الأخطار الكبيرة. حيث يقول Robert Lightowlers من جامعة نيوكاسل البريطانية:" من الواضح تماماً أن هذه الطريقة تهدف إلى تخفيض عدد المتقدرات الطافرة وهي طريقة ذات أثر مديد. وعلى الرغم من أن البروتين المستخدم يستهدف المتقدرات الطافرة، ولكن الخطورة تكمن في حال تمكن عدد قليل من بروتين الــ TALEN من الدخول إلى النواة وإجراء تعديلات على المادة الوراثية بداخلها".

يقول Juan Carlos Izpisua Belmonte الباحث المختص في الدراسات البيولوجية في معهد Salk في كاليفورنيا وأحد أعضاء الفريق:" نحن بصدد إختبار أمان هذه التقنية من خلال استخدام الـــ TALEN على الخلايا البيضية والأجنة التي تم التخلص منها في عمليات أطفال الأنبوب من أجل تطبيق هذه التقنيات على عينات بشرية لا أمل لها بالحياة.

إن الإنتقال إلى المراحل المتقدمة من هذه الأبحاث قد يثير الكثير من الجدل الأخلاقي، ومن أجل ذلك قامت مجموعة من العلماء في آذار الماضي بالدعوة لإيقاف أبحاث تعديل الجينات التي تؤدي إلى إنتاج أجنة. هذا النداء كان من قبل أولئك الذين يعملون على التعديل الجيني في خلايا البالغين والقلقين من كون التعديل على الأجنة قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة في الأجيال المقبلة وسيحفز معارضة عامة خصوصاً بعد إعلان فريق من الصين قبل أسبوعين أنه قام بتعديل المادة الوراثة في نواة جنين بشري. الموضوع الذي أوردنا تفاصيله في مقالٍ سابق. بعنوان" علماء صينيون ينجحون بتعديل أجنة بشرية وراثياً.

هنا

وتعود الضجة الكبيرة التي أثارتها هذه التجارب بسبب انها قد تكون مرحلة أولى لجهود كبيرة سوف تبذل لاحقاً لجعل التعديل الجيني لأجنة البشر أمراً واقعاً. ويقول George Annas من جامعة بوسطن:" قد يقود الفضول الباحثين إلى نقل تقنيات التعديل من الأجنة غير الحية إلى الأجنة الأحياء وهنا سيبدا الحديث عن الأخطار المحتملة التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال المعدلون جينياً ومدى تقبل المجتمع لهم.

وقد وصف Yuet Kan من جامعة كاليفورنيا بأن ما فعله الفريق الصيني هو نوع من الاحتيال الإعلامي. لأن التعديل الجيني كان يستهدف مرض التلاسيميا بيتا والذي يمكن الكشف عنه بطرق فحص الأجنة المخبرية قبل الزرع أثناء عمليات التخصيب الصناعي، وليس هناك أي حاجة لإجراء التعديل الجيني لعلاج هذا المرض.

بغض النظر عن الجدل، تشير التقارير إلى أن مجموعة واحد على الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية وعدة مجموعات في الصين تعمل على أجنة البشر. لكن فيما يتعلق بعلاج الأمراض في المستقبل القريب، فإن الطرق التي تطبق على البالغين تحمل الأمل الفوري. ولكن من المؤكد الآن، أن مارد التعديل الجيني قد خرج من القمقم.

أفكار ملحقة

كيف يمكن تعديل الجينات:

1- استهداف تسلسل محدد: بالنسبة لطرق الـ TALEN أو أصبع الزنك فإن هذه الطريقة تتطلب تصميم بروتينات للارتباط بالـ DNA المرغوب بتعديله، بالنسبة لطريقة الـ CRISPR فإن المطلوب هو فقط RNA متمم للـ DNA الهدف. والذي يتطلب تصنيعه أياماً بينما يستغرق تصنيع البروتينات سنينا.

2- قطع الـ DNA الهدف: وهذه عملية سهلة تتطلب فقط أنزيمات لقطع الـ DNA الذي تم اختياره.

3- تعطيل أنظمة إصلاح الـDNA : تقوم الخلايا بإصلاح أي أشرطة من الـ DNA المقطوع باستخدام الـDNA الأقرب كقالب، لذا يمكن خداع الخلايا للوصول إلى التغييرات المطلوبة عن طريق تقديم الـ DNA القالب.

الحالة الراهنة:

1- علاج الأمراض عبر تعديل الجينات لدى البالغين: يتم الآن إجراء التجارب على البشر

الإيجابيات: يمكن استخدامها لعلاج كافة أنواع الأمراض. السلبيات: : يمكن أن تؤدي إلى جعل الخلية سرطانية إذا تم تعديل الجزء الخطأ من الـDNA.

2- - الوقاية من الأمراض عن طريق تدمير الميتاكوندريا الطافرة: التجارب على البشر على وشك البدء

الإيجابيات: يمكن أن يقي من الأمراض المتعلقة بالميتاكوندريا بدون الحاجة لمتبرع.

السلبيات: الآثار سيتم توريثها، وهو لذلك مثير للجدل الأخلاقي.

3- الوقاية من الأمراض عن طريق تعديل الجينات لدى الأجنة: الاختبار تجري على الأجنة البشرية.

الإيجابيات: يمكن أن يقي من الكثير من الأمراض الجينية

السلبيات: حالة مجهولة علمياً وأخلاقياً، ولا يزال الطريق طويلاً قبل استخدامه في العلاج

المصادر

هنا

هنا