البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

النملة الخارقة والتلاعب في العوامل فوق الوراثية

تُعتبر الصفات الكمّيّة المعقدة للكائنات الحيّة كالشكل والحجم والسلوك صفات مميّزة لكل كائن، ويعود الاختلاف في هذه الصفات بشكل أساسي إلى الاختلاف في العوامل الوراثية والعوامل البيئية التي تؤثر على الكائن الحي وتمنحه صفاته المميزة. ولطالما درس العلماء دور العوامل الوراثيّة والبيئية لكنّهم لم يستطيعوا حتى الآن فهم الطريقة التي تتفاعل بها هذه العوامل معاً للوصول الى النتيجة النهائية.

ويعتقد العلماء بأنّ تحديد الجين المسوؤلة عن كل صفة من صفات الكائن الحي وكيف تتأثر بالعوامل فوق الوراثية (العوامل البيئية) قد يمكنهم من معرفة كيف تتأثر الصفات ومدى ظهورها. واليوم في دراسةٍ حديثة نُشرت في 11 مارس 2015، تمكًّن الباحثون في جامعة McGill من التوصل إلى الآلية التي تؤثر بها العوامل البيئية (فوق الوراثية) على التعبير الوراثي لبعض الصفات ومدى ظهورها في الكائن الحي، حيث استطاعوا في هذا الدراسة استغلال هذه الآلية (وهي التعديل الكيميائي للـ DNA الخاص بالكائن الحي) لمُضاعفة حجم بعض أنواع من النمل.

أجرى الباحثون تجاربهم على نوعٍ من النمل وهو Camponotus floridanus عن طريق زيادة مَثيَلة الـ DNA؛ وهي عملية بيوكيميائية تتحكّم في التعبير الجيني لجينات معينة (مثل جهاز يخفف الإضاءة أو يزيدها عند الحاجة)، وتمّت مَثيَلة الـ DNAلجين مسؤول عن عملية النمو يسمى Egfr حيث استطاع الباحثون إنتاج مجموعة من النمل العامل والذي يختلف في الحجم برغم عدم وجود أي اختلاف جيني بينها. ووجدو أنَّه كلما زادت مَثيَلة الجين كلما ازداد الحجم أكثر. وبالتالي فإنَّ هذا العمل يفسر الى حدٍ كبير اختلاف أحجام النمل في مستعمرات النمل بالرغم من التشابه الجيني الكبير جداً بينها، فمن خلال عملية مَثيَلة الـ DNA التي تمت لجين Egfr أمكن التأثير على كل الجينات الأخرى المشتركة في عملية النمو الخلوي.

هدف البحث يكمن في إيجاد الجين الصحيح للصفة المطلوبة والعمل عليها: في حالة النمل كان Egfr الجين المسؤول عن النمو الذي تم التأثير عليه وزيادة تعبيره الوراثي وبالتالي زيادة حجم النمل، لكن في حالة الصفات الأخرى الأكثر تعقيداً سواءاً المشتركة في نمو الخلايا السرطانيّة وانتشارها في الإنسان أو الخلايا الدهنية في الدجاج، تبقى الخطوة الأهم هي تحديد الجين الذي يتأثر بالعوامل فوق الوراثية ويعطي هذه الصفة، ومن ثم يمكن تقليل أو زيادة التعبير الجيني له بالطريقة ذاتها. ويقول الدكتور إيهاب أبو حيف Ehab Abouheif المؤلف المشارك في الدراسة: "لقد غيّر هذا الاكتشاف كلِّياً من فهمنا لاختلاف الصفات بين البشر، فالعديد من الصفات البشرية كالذكاء، الطول، أو القابلية للإصابة بالأمراض كالسرطان، تتتواجد بشكل تسلسلي. فإذا كان بالإمكان التحكم بالتعبير الوراثي للجينات المسؤولة عن كل هذه الصفات، فهذه ستكون ثورة كبيرة في العلم ولا يمكن أن نتخيل كيف سيكون تأثيرها على الأبحاث العلمية القادمة".

المصادر:

هنا

هنا