الفنون البصرية > فن وتراث

معركة شانسلّورسفيل - عِندَما تُروى معركةٌ في لوحة..!!

في هذه اللوحة التي بين يدينا والمرسومة بريشة "كروز آند أليسون" في عام (1889-1890) قصّة قائدٍ أكثر منها قصّة معركةٍ. نُحن هنا لنعرّفكم على هذا المُقاتل الذي خلّده تاريخ أميركا كواحدٍ من القادة العُظماء.

ولِدَ "توماس جاكسون" - أحد أبطال الحرب الأهليّة الأميركيّة - في عام 1824 في كلارسبورغ، فيرجينيا (غرب فيرجينيا حالياً). توفّيَ والداه عِندَما كان طفلاً، فعانى من وحدته وربّاه أحد أعمامه.

خجولٌ، منطوٍ، مُنغلقٌ إجتماعيّاً، نظرُه ضعيف، سمعُه قليل، وقدماه خرقاوتان، هكذا يُمكن أنّ نُلخّص وضعه أثناء نشأته.

التحقَ بالأكاديميّة العسكريّة الأميركيّة عام 1842 في ويست بوينت، حيثُ أبلى بلاءً حسناً هُناك على الرّغم من قلّة عدد أصدقائه.

قاتلَ "جاكسون" في المكسيك كصفِّ ضابطٍ، ما لبث أنّ لفَتَ انتباه الجنرال "روبرت إي لي" الذي أصبحَ فيما بعد القائد العام للقوّات المُسلّحة الكونفدراليّة.

في عام 1851 دَرَس بطلُنا في المعهد العسكري لولاية فيرجينيا، إلّا أنّ دِراسته هذه لم تكُن هي سرُّ قوّته.

عِندَما بدأت الحرب بين الولايات في عام 1861 كان قد ترقّى إلى رتبة عقيد، وقاد لواء المُشاة في ولايته. وقد حصل على لقبه هذا في أوّل معركة بِحلول تمّوز عِندَما واجه "جاكسون" ورجاله صعوبات جمّة حيثُ كان اللواء المُعادي يُسمّى"النحلة" Bee، وقد قال قائد هذا اللواء حينها: "وقف جاكسون هُناك وكأنّهُ جدارٌ حجريٌّ"، وذلك آخر ما كان يذكرُه ذاك القائد.

في وقتٍ لاحقٍ من عام 1862 تمّت ترقية "جاكسون" ليُصبح القائدُ العام، حيثُ أوكَلَ إليه "لي" قيادةَ الفيلق الثاني الكونفدرالي كمُلازمٍ عامٍّ.

سجّلَ نجاحاتٍ عدّةٍ في مُعظم المعارك، وكان محطّ إعجاب رجاله على الرّغم من كونه صارماً فيما يتعلّق بالإنضباط، (بالرغم من أنّهُ لم يكُن ينصاع لأوامر الآخرين).

كان يُفاجئ عدوَّه دوماً قبل أنّ يتخّذ احتياطاته، وكان يُميل لأنّ يُبقي قراراته سريّة حتّى عن ضباطه إلى اللحظة الاخيرة.

في نيسان من عام 1863 بدأ هجوماً ضدَّ المُقاتل "جو هوكر" في ولاية فيرجينيا الذي كان ضمن جيش الإتّحاد البالغ قوامه ضعفي جيش "لي".

كان من المُقرّر أنّ ينقل "جاكسون" هذه المواجهة إلى الجناح الأيمن لجيش الإتّحاد في حين أنّ بقيّة القوى الكونفدراليّة كان عليها وضع جيش الإتّحاد في زاويةٍ حرجةٍ بغية مُحاصرته. كانت هذه الحيلة جريئةٍ ومحفوفةٍ بالمخاطر ولكن "جاكسون" باشرَ بالخطّة فتمركزت مجموعته في الصباح الباكر واستغرقَ الأمر حتّى فترة بعد الظهيرة من ذات اليوم ليتحرّك 28000 رجلٍ من رجاله ليصلوا حيثُ أنهم مرّوا من منطقةِ غاباتٍ كثيفةٍ.

وصلت المجموعة إلى الجانب الغربي لجيش الإتّحاد الذي لم يكُن لديه أدنى فكرة عمّا يحصل، وفوجئَ بهروب قطعانٍ كبيرةٍ من الغزلان، الأرانب، والسناجب، ليتبعهُم فيما بعد ظهور الآلاف من جنود الكونفدراليّة بِبنادقهم وحِرابهم، صارخين بوجه جيش الإتّحاد صُراخاً يَشبه "غضب عاصفةٍ باردةٍ عظيمةٍ" حسب وصف أحد قادة الإتّحاد. فأُصيب الرجال بالرعب و بدأوا بالفرار.

تقدّمَ "جاكسون" إلى الأمام مع مجموعة من رجاله الضبّاط العاملين لتنظيم الخطوة اللاحِقة، ولكن خِلال الظلام الحالك، ارتكب رجال الكونفدراليّة خطأً فادِحاً شنيعاً، حيثُ أطلقوا النار على بعضهم في منطقة شانسلّورسفيل فأُصيبَ "جاكسون" بعيارين ناريين واحدٌ بيده اليُسرى والآخر بيده اليُمنى، ونزف بِغزارة إلى أنّ وصلَ إلى المشفى حيثُ تمَّ بتر ذِراعه ليتعافى بعد ذلك ويُنقل إلى منزله.

إلّا أنّهُ أصيب بالتهابٍ رئويٍّ وتوفّيَ في أيّار عن عمر 39 سنة تاركاً أرملته وطفليه. أُقيمت له جنارة بمراسم عسكريّة مؤثرة في ريتشموند ودُفن في ليكسنغتون أو ما يُعرَف الآن بِمقبرة "ستونوول جاكسون".

آخر كلماته على فراش الموت كانت:

"لنقطع النهر ولِننعم بِظلال الأشجار"

فأصبحت هذه الجملة أيقونة حيثُ استخدمها الكاتب الشهير "إرنست هيمنغواي" عنواناً لراويته "عبر النهر نحوَ الأشجار" عام 1950، والتي تحدّث بها عن مواجهة الموت.

جديرٌ بالذكر أنّ "كلارك ويسلي" وهو جنرال أميركي حالياً في العصر الحديث يعتقد أنّهُ لو قُدّر لـ"جاكسون" أنّ يعيش ليقود القوات في غينتسبورغ عام 1863 لكانت الكونفدراليّة تستمتع باستقلاليّتها اليوم.

المصادر:

هنا