البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

تناقُصٌ ملحوظٌ للتنوُّع الجيني لدى الذكور، فما علاقة الثروات والحضارة بذلك؟!

كنا قد سمعنا بأن البقاء يكون للأصلح، و لكن ماذا لو تغير المفهوم إلى البقاء للأغنى مثلاً ! قامت دراسات بالكشف عن تراجع تدريجي في التنوع الجيني ضمن الحوض البشري اعتمد على انتقاء مجموعة معينة من الذكور بناءاً على صفات اعتقد أنَّها الأمثل "اجتماعيا" و سمح لها بالتكاثر، فهل هذه الصفات هي "الأصلح" حقاً؟

بالعودة 4 أو 8 آلاف عام إلى الوراء، عندما بدأ أجدادنا بالاستقرار على الأرض و ممارسة الزراعة، على الأغلب لم يكونوا يعرفون أنَّهم على وشك بداية فصلٍ جديدٍ من فصول تاريخ علم الوراثة. ومع كل الازدهار، و الثروات التي بدأت بالتوسع، كان في الجهة المقابلة تراجع كبير لنوعٍ آخر من "الثروة" و هي ما نطلق عليه التنوع الجيني، و على وجه التحديد و بتعبير أكثر دقة كان التقلص محصوراً بالتنوع الجيني لدى الذكور.

ما ذكرناه سابقاً هو نتيجة بحث قام به مجموعة من العلماء في جامعة أريزونا، جامعة كامبردج و جامعة تارتو بالمشاركة أيضاً مع المركز البيولوجي في أسيتونيا. حيث تم الكشف عن تناقصٍ كبيرٍ في التنوُّع الجيني ضمن الخط التطوري الذكري و الذي بدأ بالظهور منذ منتصف إلى أواخر العصر الحجري الحديث. و يمكننا القول بأنَّ التنوع الجيني الذكري قد بدأ بالتراجع تزامنا مع ازدهار الثروة المادية، مع العلم أنَّه لم يتم ملاحظة أي تراجع مشابه عند الإناث في الوقت ذاته، بل على العكس، كان التنوُّع الجيني للإناث في تزايد مستمر.

البروفيسورة المساعدة

Melissa Wilson

علقت قائلة: " بدلاً من أن يكون البقاء للأصلح بحسب التعريف البيولوجي، كان لازدهار الثروات و انتشار القوة دوراً كبيراً في انتقاء النسل "الأنسب" من ذكور المجتمع للتكاثر."

إنَّ تناقص التنوع الجيني لدى الذكور في بداية العصر الحجري الحديث لم تكن الحالة الأولى التي سُجِّلت في هذا المجال. فمنذ ما يقارب ال 50000 عام عندما قام مجموعة من سكان أفريقيا بالهجرة و التوزع إلى باقي أنحاء العالم، سُجِّلت ظواهر للتقلص في التنوع الجيني عند السكان غير الأصليين لأفريقيا. سواء كانت الصفة المورثة من كلا الأبويين أو بما يتطابق مع هذه الفرضية، صفات موروثة عبر الخط التطوري من ناحية الأب فقط دون الأم.

نُشِر البحث في صحيفة Genom تحت عنوان: "تناقُص حديث في التنوُّع الجيني للصبغي الذكري Y و ذلك تزامناً مع التغيرات الاجتماعية عالمياً". اعتمدت الدراسة على تحليل عينات من ال DNA للكشف عن أماكن التراجع بالصفات الوراثية. حيث تم جمع عينات من الDNA الموجود في اللٌّعاب أو الدم و ذلك عند 456 ذكر يعيشون في 7 مناطق في 5 قارات مختلفة، كان التركيز في الدراسة على الصبغي الذكري Y و هو المسؤول عن تحديد الذكورة و بالتالي يتم توريثه عبر الخط التطوري الذكري، بالإضافة إلى الميتوكوندريا التي تورَّث من جهة الأم. كانت نتيجة البحث تشير الى أنَّ التنوع بين الذكور يعتمد بشكل أساسي على تغييرات تحدث في المحيط الاجتماعي وتؤثر على مدى نجاح الذكور في عملية التكاثر.

إنَّ التنوع الوراثي في الحوض البشري يعد من العوامل الهامة جداً و ذلك لأسباب تتعلق بالبقاء، فكلما كان التنوع أكبر كانت قدرة الجماعة على البقاء و التكاثر أكبر و خاصة في مجال مقاومة الأمراض. بالإضافة الى ذلك، فإنَّ التنوُّع الجيني الكبير يعمل كعائق أمام انتقال المورثات غير المرغوب بها في الجماعة المحددة و التي من الممكن أن تُضعف النوع مع الزمن وتقلل من فرصه في البقاء.

إنَّ من شأن هذه الاكتشافات أن تفتح أفقاً جديداً فيما يتعلق بصحة الإنسان. فمن المعروف أنَّ العديد من الأمراض الوراثية مرتبطة بجماعة معينة. و لهذا السبب يتم السؤال عن التاريخ الطبي للمريض، أسلوب الحياة و البيئة التي يعيش ضمنها للوصول الى تشخيص أكثر دقة وعلاج أكثر فعالية.

و لهذا، و حتى نفهم الصحة البشرية لا بد من فهم صحيح للصحة على الصعيد العالمي، و لا بد من معرفة التاريخ الجيني للعالم. و هو ما يعتقد العلماء أنَّه يتم عن طريق البحث في أنماط التنوع الجيني ضمن الحوض البشري و التعرف على مدى ارتباط ذلك بالاضطرابات و الأمراض المختلفة.

المصادر

هنا

هنا