الفيزياء والفلك > فيزياء

هل تمكّنت الحضارات الفضائية من بناء مسرعات جسيمات تستمد طاقتها من الثقوب السوداء؟

هل تمكنت الحضارات الفضائية المتقدمة من بناء مسرعات جسيمات تتزود بالطاقة من الثقوب السوداء لدراسة الفيزياء عند سويات طاقة قريبة من "مقياس بلانك" ؟ وإذا تواجد مصادم كوني كهذا في أحد أركان الكون، فهل نستطيع الكشف عنه من الأرض؟

تُشير الحسابات التي أجراها" برايان لاكي" Brian Lacki من معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، نيو جرسي إلى أن وجود مثل هذه المسرِّعات سيُنتج نيوترينوات تحمل طاقة من رتبة يوتا إلكترون فولت (YeV = 10^24 eV )، وهذه النيوترينوات يمكن كشفها من الأرض. وبناءً عليه يدعو "لاكي" الفلكيين المهتمين بالبحث عن وجود ذكاء خارج الأرض للبحث عن مثل هذه النيوترينوات فائقة الطاقة. ويدعم العالم الخبير بالبحث عن الذكاء" بول ديفيس" Paul Davies من جامعة ولاية أريزونا هذا التوجه، إذ يعتقد بأن البحث عن الذكاء يجب أن يتوسع ليتجاوز حدود بحث المقاريب (التلسكوبات) التقليدية.

من المنطقي أن نفترض بأن لدى الحضارات الفضائية المتقدمة حماسةٌ شديدةٌ للفيزياء، الأمر الذي سيدفعها لبناء مسرِّعات جسيمات تبلغ مستويات الطاقة المتزايدة. لكن ارتفاع مستويات الطاقة إلى هذه المراحل تشكل " السيناريو الكابوس" في فيزياء الجسيمات، إذ لا توجد فيزياء جديدة عند مستويات الطاقة التي تتراوح بين تيرا إلكترون فولت ( TeV = 10^12 eV ، وهو مجال طاقات النموذج المعياري) ومستوى 28^10 إلكترون فولت ( وهو مستوى طاقة بلانك )، حيث تُصبح التأثيرات الكمومية للثقالة قويةً. ويُضيف "لاكي" بأن ما هو " كابوس " لفيزياء الجسيمات هو حلم الفلكيين الباحثين عن الحياة الخارجية.

أبرز معضلة تواجه الفيزيائيين الفضائيين هي أن كثافة الطاقة الكهرطيسية اللازمة للوصول إلى مقياس بلانك كبيرةٌ جدًا، إلى الحد الذي سيكون فيه الجهاز واقعًا تحت خطر الانهيار على نفسه والتحول إلى ثقبٍ أسود. غير أن "لاكي" يُشير إلى أنه يمكن من حيث المبدأ الالتفاف على هذه المشكلة عن طريق تصميمٍ ملائمٍ، فالوصول إلى مستوى طاقة بلانك ممكن تقنيًا لكنه صعبٌ للغاية.

من غير المستغرب أن يكون مثل هذا المسرع ضخمًا. إذ يعتقد "لاكي" بأن استعمال الحقول الكهربائية في التسريع سيُحتم أن يكون نصف قطر المسرِّع أكبر بعشر مرات من نصف قطر الشمس. في حين أن مسرعًا مغنطيسيًا، أي المسرع السينكروتروني، يمكن أن يكون أصغر قليلًا، لكن المشكلة هي أن المواد العادية لا يمكنها الصمود أمام الحقول الكهرطيسية القوية، وبالتالي يجب البحث عن مواد ذات كثافة طاقية عالية. أحد الأماكن القليلة التي يمكن أن تتواجد فيها هذه الكثافة من الطاقة هي في جوار ثقبٍ أسود، والذي يُمكن أن يُسخَّر لإنشاء مسرِّع على مقياس بلانك.

-كمية هائلة من التلوث:

يمثِّل تصادم الجسيمات عند سويات طاقة بلانك نصف المشكلة فقط. فمعظم التصادمات في هذا المصادم الكوني لن تكون محط اهتمام الباحثين الفضائيين. وللحصول على معلومات مفيدة حول فيزياء على مقياس بلانك يُقدِّر "لاكي" بأن معدَّل التصادمات في المصادم ستكون حوالي 24^10 ضعف معدل التصادمات في مصادم الهادرونات الكبير، كما أن المصادمات التي ستُبنى للكشف عن الأحداث التي طاقتها ضمن مقياس بلانك ستكون مكلفةً وتُنتج كميات هائلة من "التلوث".

و بالرغم من أن هذا التلوث سيكون عبارة عن جسيماتٍ عالية الطاقة بشكلٍ كبير، وهي التي يمكنها بلوغ الأرض، فإنه من غير الواضح فيما إذا كان بإمكانها النفاذ من الحقول الكهرطيسية الكثيفة ضمن المصادم. وكما هو الحال مع المسرعات المقامة على الأرض، سيكون لدى بناة الآلة نية محاولة وقاية المنطقة المحيطة من الإشعاعات الضارة، لذا تُشير التحليلات إلى أن النيوترينوات هي وحدها التي تستطيع الوصول إلى الأرض.

وستحمل هذه النيوترينوات طاقةً أكبر بمليار ضعف - أو حتى أكثر - من أعلى طاقة سبق وتم كشفها هنا على الأرض. و بخلاف نظيراتها منخفضة الطاقة، سيكون الكشف عن هذه النيوترينوات الصادرة عن المسرعات أسهل بكثير، لأنها تتآثر (تتبادل التأثير) مع المادة بشكلٍ أقوى بكثير. وقد قدَّر "لاكي" أن غالبية هذه النيوترينوات التي ستجتاز المحيطات المائية للكرة الأرضية ستتخلى عن طاقتها على شكل وابل من الجسيمات الثانوية. و بالرغم من أن المحيطات تُعتبر قصيةً على الفيزيائيين لاكتشاف الضوء الصادر عن هذا الوابل، فقد قدر لاكي بأن من الممكن كشف الصوت الصادر عن هذا الوابل من خلال شبكة من لواقط الصوت المائية hydrophones موزعة في الماء. ولأنه من المتوقع أن تكون هذه النيوترينوات نادرة الحدوث بشكلٍ كبير فإن الحسابات تُشير إلى أن الحاجة ستكون لحوالي 100،000 لاقط صوت حتى يكون لدينا فرصة لالتقاطها.

-القمر بتمامه:

يمكن الاستعانة بخيار آخر، وإن كان أقل حساسيةً،وهو استخدام القمر كاشفًا للنيوترينوات. وفي الواقع فإن تجربة MuMoon استعانت بمقرابٍ (تلسكوب) راديوي منصوب على القمر للكشف عن وابل الجسيمات الناتج عن صدم النيوترينوات ذات الطاقة 20^10 إلكترون فولت لسطح القمر.

رغم أن اكتشاف نيوترينوات من سوية طاقة تبلغ رتبة YeV لن يكون دليلًا على وجود مسرِّع لفضائيين، لأن بعض النظريات تقترح أن هذه النيوترينوات يمكن توليدها نتيجة تحلل الأوتار الكونية طبيعيًا، إلا أن "لاكي" يشير إلى أن اكتشاف مثل هذه الجسيمات العالية الطاقة سيكون إنجازًا مهمًا في الفيزياء.

يشتعل "بول ديفيز" حماسةً لتوسيع نطاق البحث عن ذكاء خارج الأرض، لكنه يدرك وجود عائق كبير في البحث عن المصادمات الكونية. فهو يرى أنه بمجرد أن ينجز الفضائيون تجربتهم حتى تزول حاجتهم لإبقاء الأجهزة قيد العمل، وبالتالي إن لم يكن هنالك وجود لمثل هذه الآلات العملاقة في أرجاء الكون فلن يكون هنالك سوى ومضات عابرة.

ويعتقد ديفيز أن من الصعب على الجنس البشري فهم الدافع لدى الحضارات المتقدمة وراء بنائها لمصادمات على مقياس بلانك. فلماذا تقوم بذلك؟ يمكن أن يكون لخلق كون طفل baby universe أو غيرها من المنحوتات الزمكانية الغريبة.

ولم تفعل هذا ؟ يعتقد "ديفيز" أن أحد دوافع هذه الحضارات قد تكون مواجهتها لخطر كونيّ. ولكن ماهي طبيعة هذا الخطر ؟ يُجيب "ديفيز" بأنه لا يملك أدنى فكرة، وعلى أية حال فحضارة تعرف أكثر منا بملايين المرات – افتراضياً - لابد أن تكون مدركة للعديد من الأخطار التي لا نملك أدنى فكرة عنها.

المصادر:

هنا

هنا