علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

من المُمكِن إِقناع البَشَر بارتكابِهم جرائم لم تَحدُث أساساً!

تشير أدلة من بعض حالات الإدانة الخاطئة، أنه من المُمكن استجواب المشتبه بهم بطرق معينة تؤدي في النهاية إلى إيمانهم واعترافهم بارتكاب جرائم لم يقوموا بارتكابها حقيقةً. قدّم بحث جديد الأدلة التجريبية لهذه الظاهرة، وتبيّن أن المشاركين الأبرياء وبعد خضوعهم لتدريب استمرّ بضع ساعات، من الممكن أن يقتنعوا بأنهم ارتكبوا جرائم خطيرة مثل الاعتداء المُسلّح في سن المراهقة.

الدراسة التي نشرت في مجلة العلوم النفسية، تشير إلى أن المشاركين وصلوا إلى مرحلة تداخلت لديهم القصص التي أُخبروا بها مع ذكرياتهم الحقيقية وقدم المشاركون معلومات وأوصاف دقيقة وغنيّة لأحداث لم يسبق حدوثها.

كما تقول العالمة النفسية جوليا شوJulia Shaw من جامعة بيدفوردشير في المملكة المتحدة أنّ النتائج التي توصلنا إليها تٌظهر أنّ ذكريات مزيفة لارتكاب الجرائم انتهت بطلب الشرطة، يمكن وبشكل مدهش أن تولد بسهولة، ويمكن أن تمتلك نفس أنواع التفاصيل المعقدة الموجودة في الذكريات الحقيقية.

قام الباحثون من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، بالحصول على إذن للاتصال بمقدمي الرعاية للطلاب المشاركين في الدراسة. وطلبوا منهم ملء استبيان حول أحداث معينة قد اختبرها الطلاب عندما كانت أعمارهم بين 11 إلى 14 عام، وأن يقدموا أكبر قدر ممكن من التفاصيل، وطلبوا منهم عدم مناقشة الأسئلة مع الطلاب.

وحدد الباحثون 60 من الطلاب الذين يستوفون معايير الدراسة، والذين لم يشاركوا في أيّة جريمة من الجرائم المعدّة كأهداف الذاكرة المزيفة في الدراسة، تم إحضار هؤلاء الطلاب إلى مختبر لإجراء ثلاث مقابلات، مدة كل واحدة 40 دقيقة، خلال فترة أسبوع. وعلى جميع المشاركين توليد تفاصيل غنية لذكريات مزيفة خلال 3 ساعات في بيئة مقابلة وِديّة.

في المقابلة الأولى، قام الباحث بإخبار الطلاب حول حدثين اختبروهم في مرحلة المراهقة، واحد فقط حدث بالفعل. كان الحدث المزيف بالنسبة للبعض متعلق بجريمة انتهت بطلب الشرطة مثل (الاعتداء المسلح أو السرقة). وللبعض الآخر كان الحدث المزيف عاطفياً، مثل (الإصابة الشخصية، التعرض لهجوم كلب، أو فقدان مبلغ كبير من المال).

والجدير بالذكر أن قصص الأحداث المزيفة، اشتملت على تفاصيل حقيقية لتلك المرحلة من حياة الطلاب، حيث تم أخذ هذه التفاصيل من الاستبيان.

طُلِب من المشاركين أن يشرحوا ما جرى في كلا الحدثين. وعندما كانوا يواجهون صعوبة في شرح الحدث المزيف، كان المشرف على المقابلة يشجعهم على محاولة الشرح بأي طريقة، موضحاً أنه إذا استخدموا استراتيجيات معينة للذاكرة، قد يستطيعون تذكر مزيد من التفاصيل.

في المقابلات الثانية والثالثة، طَلب الباحثون مرة أخرى من الطلاب استرجاع تفاصيل بقدر ما يستطيعون حول الحدثين الحقيقي والمزيف. ووَصَف الطلاب أيضاً بعض الملامح لكلا الحدثين، مثل كم كان الحدث مفعماً بالحيوية وكم كانوا واثقين من أنفسهم.

وكانت النتائج مدهشة حقاً.

من أصل 30 مشارك قِيلَ أنهم قد ارتكبوا جريمة عندما كانوا مراهقين، 21 مشارك (أي 71%) منهم طوروا ذاكرة خاطئة حول الجريمة، ومن بين ال20 الذين قيل أنهم قد قاموا بالتَهَجُّم تحت تهديد السلاح أومن دونه، أعطى 11 مشارك منهم بدقة تفاصيل غير حقيقية حول تعاملهم مع الشرطة. نسبة مماثلة من الطلاب (76.67%) شكلت ذكريات خاطئة حول الحدث العاطفي الذي أُبلِغُوا عنه.

والمثير للاهتمام، أن أحداث الجرائم المزيفة بدت معقولة بنفس درجة الأحداث العاطفية. حيث كان الطلاب يميلون إلى تقديم نفس العدد من التفاصيل، والإبلاغ عن مستويات مماثلة من الثقة والحيوية، والتفاصيل الحسيّة لهذين النوعين من الأحداث. ويتوقع الباحثون بأن إدراج التفاصيل الحقيقية، مثل اسم صديق حقيقي أعطت الحدث المزيف ما يكفي من الإلفة لكي يبدو معقولاً.

تقول الباحثة جوليا شو "في مثل هذه الظروف، الذاكرة بطبيعتها الترميمية والقابلة للخطأ، يمكن لها بسهولة جداً إنشاء ذكريات زائفة وبواقعية مُذهلة، حيث كان بعض المشاركين يقدمون تفاصيل حَيّة بشكل لا يُصدق ويقومون بإعادة سرد جرائم لم يرتكبوها مُطلقاً".

ومع ذلك، ظهرت بعض الاختلافات بين ذكريات الطلاب للأحداث المزيفة وذكرياتهم عن الأحداث الحقيقية. على سبيل المثال، أفادوا بمزيد من التفاصيل وبمزيد من الثقة حول أوصاف الذكريات الحقيقية.

تُظهر النتائج التأثير الواضح لعمليات الاستجواب الجنائي وجوانب أُخرى للإجراءات القانونية، مؤثرةً على المشتبه بهم والشهود، وأولئك الذين يشاركون في تطبيق القانون والاستشارة القانونية. بل أنها قد تُطَبّق أيضا على المقابلات الأُخرى، بما فيها العلاجية.

تقول الباحثة شو أيضاً "إن فهم وجود هذه الذكريات المزيفة المعقدة، وأن الأفراد ' العاديين ' يمكن أن يساقوا إلى توليد تلك الذكريات بسهولة تامة، هو الخطوة الأولى في منعها من الحدوث " ومن خلال البرهنة تجريبياً حول مدى الضرر الذي يمكن أن تحدثه التقنيات السيئة للمقابلة –المعروفة أنها تسبب ذكريات خاطئة – يمكننا بسهولة إقناع المقابلين تجنب هذه التقنيات، واستخدام تقنيات ' جيدة ' عوضاً عن ذلك." ويختتم الباحثون أنّ التحرّي عن خصائص القيمين على المقابلات ونهج المقابلة التي تُسهم في توليد الذكريات المزيفة، يمكن أن يساعد في تحسين إجراء المقابلات، والتقليل من مخاطر توليد ذكريات خاطئة.

المصدر:

هنا