الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

هل من علاقة بين الميثان في مياه الشُّرب وعمليّة التكسير الهيدروليكي

قبل البدء بالحديث عن الدراسة لنوضح ما المقصود بالتكسير الهيدروليكي.

يعتمدُ التكسيرُ الهيدروليكي على عمليّة حقن الصخور بضغطٍ عالٍ من الماءِ، الرّملِ وموادٍ كيميائيّةٍ أخرى من أجل إحداثِ تصدّعات دقيقةٍ في التّكويناتِ الصّخريّة، مما يسهلُ عمليّة استخراج النّفط وَالغاز منها. ويستعملُ المصطلح أيضاً بشكل أعمَّ لوصفِ مجموعةٍ من تقنيّات الاستخراجِ غيرِ التقليديّة، كالحفرِ الأفقيّ، الذي ساعدَ على جعلِ الولايات المتحدة أكبرَ منتجٍ للنّفطِ الخامِ في العالم.

وقد كانت التكويناتُ الزيتيّة المارسيلوسيّة (Marcellus Shale formation) أحدَ الأشياءِ الأولى التي استُثمرت باستخدام التكسيرِ الهيدروليكي، هذه التكوينات هي عبارةٌ عن صخورٍ طينيّةٍ غنيّةٍ بالمواد العضويّةِ وتمتدّ من ولايةِ فرجينيا الغربية إلى نيويورك. وقد شابَ عمليّة استثمارها قلقٌ إزاء تأثيراتها البيئية وتأثيراتها على المناخ أيضاً، لأنّ أي ميثانٍ متسرّب سيتَصرفُ كغازِ دفيئةٍ قوي.

توصّلت دراسةٌ جديدة إلى أن التكسيرَ الهيدروليكي والذي يعرف بـ(Fracking) لايسمح للميثان بأن يسبِّبَ تلوثاً خطيراً لمياه الشّرب في ولاية بنسلفانيا وذلك على نقيض البحثِ السّابقِ الشّهيرِ الذي أوحى بوجود علاقةٍ بينهما، إلا أن المؤلفين الرئيسيين لكلا البحثين يتجادلان حولَ صحّةِ نتائجِ البحث الجديد.

وتخلصُ الدّراسة الجديدةُ التي أجريت على 11،309 بئرٍ لمياهِ الشّربِ في شمالِ شرقِ بنسلفانيا، إلى عدم وجودِ علاقةٍ بين مستويات الميثان الأساسيّة في المياه وتوضّع مئاتِ آبارِ النّفط والغاز التي تكسرُ هيدروليكيَّاً التّكويناتِ الصّخريّة، حيث َتوحي النتيجةُ بأن عملياتِ التكسيرِ الهيدروليكي لا تساهمُ بشكلٍ كبيرٍ في تسرُّبِ غازِ الميثان من التكويناتِ الصَّخريَّة العميقةِ التي يتمُّ استخراجُ النِّفطِ والغازِ منها إلى طبقاتِ المياهِ الجوفيّة الأقلّ عمقاً والتي يتم سحبُ مياهِ الآبارِ منها.

تبعثُ هذه النّتيجة الجديدة للشكَّ في الدراستينِ البارزتينِ اللتين أجريتا في عامي 2011 و2013 القائلتين أن الآبار الأقرب من مناطق التكسير الهيدروليكي تمتلك مستويات أعلى من الميثان في مياهها، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الدراستين السابقتين استندتا على عينة ممثلة للآبار المحلية متمثلة ب60 و141 على التوالي.

إن شركة الطّاقة (Chesapeake) التي تملك حصصاً كبيرةً في النّفط وَالغاز في ولاية بنسلفانيا، هي من قامت بتزويدِ الباحثين القائمين على الدراسة في جامعةِ سيراكيوز في نيويورك بقاعدةِ بياناتٍ هي الأكبرُ من نوعها إضافةً لتمويلِ العملِ أيضاً ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة (Environmental Science & Technology) الإلكترونية.

حيث يقولُ الباحث الرئيسي في الدراسة، خبير الهيدروجيولوجيا، دونالد سيجل: "إنّ أكثر من 10،000 موقعٍ لأخذ البيانات تكشفُ في الواقع عن حقيقة الأمر،".

أثيرت بعضُ هذه المخاوف بعد الدّراستين اللتين أجريتا على آبارِ المياه في عامي 2011 و2013، وأُصدِرتا في دوريّة منشوراتِ الأكاديميّة الوطنيَة للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS) . وأوضحت كلا الورقتين البحثيتين أن التكسيرَ الهيدروليكيَّ أدى إلى تراكيزَ متزايدةٍ للميثان في مياه الشّرب وبالرّغم من أن الميثانَ المنحلَّ ليس سامَّاً وأن مياهَ الشّربِ تحتوي غالباً على مستوياتٍ رئيسيّة هامّة للغاز من مصادرَ طبيعيّة، لكن سكّان ديموك في بنسلفانيا لم يجدوا في ذلك أيَّ عزاءٍ لهم، فظهروا في الفيلم الوثائقيِّ (Gasland) يُوقدون غازاً قابلاً للاشتعال كان قد خرجَ مع المياه من صنابيرهم المنزليّة كما نوّه قسم الصّحة في ولاية نيويورك ضمن دراسةٍ مرجعيّة قام بها في كانون الثاني عام 2014 حول آثار التكسيرِ الهيدروليكي؛ إلى البحثِ المنشورِ في دوريّة PANS الذي أجري عام 2011، وتوصّلت هذه الدّراسة إلى وجودِ مخاطرَ محتملةٍ للتكسيرِ الهيدروليكي على جودةِ المياه، دفع ذلك الحاكِم أندرو كومو إلى حَظر العملَ بالتكسير الهيدروليكي ضمنَ الولاية.

ومع ذلك يقول سيجل أن كلَّ هذه المخاوف مبالغٌ فيها وإنه في نتائج دراسته وجدت خلفياتٍ طبيعيّة للميثان في مياه الآبار، فوجود الغاز ليس مرتبطاً باقتراب الآبار المائية من عمليات التنقيب عن النفط والغاز في 661 موقع في المنطقة، ويضيف سيجل قائلاً "لقد وجدنا الكثير من الميثان، وهذا هو المغزى" في إشارةٍ إلى المصادرِ الطّبيعيَّةِ للغاز.

لا ينكرُ سيجل وجودَ مشاكلَ مع بعض الآبارِ ذاتِ الأغطيةِ الفولاذيّة المصمّمة بشكلٍ سيءٍ أو ذاتِ الجدرانِ الاسمنتيّة المتصدِّعةِ والمتردِّيةِ التي من المفترض أن تمنعِ التّسرُّبِ من الآبار، فمن الممكن أن توفّرَ جدرانُ البئرِ المتصدّعة قناةً ينتقلُ خلالها غاز الميثان من التكوينِ الصّخريِّ الزَّيتي الواقعِ تحت الأرض بأكثر من كيلومتر نحوَ آبارِ المياهِ الواقعةِ تحت سطح الأرض بمئةِ مترٍ فقط أو أقل، لكن سيجل يؤكّدُ أنها قضيّةٌ نادرةٌ للغاية كما أظهرت دراسته ويقول: "لم نرَ أيَّ دليلٍ على هجرةِ الميثان فيما عدى القضيَّة المحليَّة أحياناً،" وَيضيف: "أعتقدُ أن ورقتنا البحثيَّة تحسمُ هذا الأمرَ بدرجةٍ كبيرة".

يعتقد سيجل أنّ الدراستين المنشورتين في دوريّة PNAS، واللتان ترأسهما روبرت جاكسون ، خبير الهيدروجيولوجيا في جامعة ستانفورد في بالو ألتو في كاليفورنيا، رسمَتا صورةً أكثرَ مدعاةٍ للقلق لأن مجموعة عيناتهم الصّغيرة كانت تميلُ نحوَ المواقع ذات القضايا المتعلّقةِ بأغطيةِ الآبارِ المعروفة. لذلك يقولُ:"شعرتُ أن دراساتِ مجموعة جاكسون كانت معيبة للغاية/غير دقيقة".

وعلى أية حال يعارضُ جاكسون ذلك التّوصيفَ ويزعمُ أن حجمَ عينةِ سيجل الكبير لا يجعل دراستهُ بالضرورة الدراسة الأفضل. قائلاً أنه من غير الواضح فيما إذا كانت عيناتُ شركةِ Chesapeake قد أُخذت ضمن بئرِ الماءِ ذاته، أم في المنازل بعدَ أن يكونَ الماءُ قد أخذ وقتاً لكي يطلقَ أبخرة الميثان منه، أم بعد مرورها عبرَ أنظمةِ تنقية. كما يشيرُ إلى أن عيناتِ المياه جُمِعَت باستخدام تقنيِّةِ "الزجاجة المقلوبَة" التي تتجنَّبُها الكثيرُ من المختبراتِ الأكاديميّة لكونها تعطي قيماً أقلّ للميثان المقاس في العيناتِ ذات المستويات الأعلى من الغاز، وذلك لأنّها تسمحُ للميثان أن يَرشحَ خارجَ المحلول، ويقولُ جاكسون: "لقد قدّموا سلسلة كاملة من الطّرقِ التي أحدثت تشويشاً في مجموعةِ البيانات،". وأضاف أنّه قد عرضَ على شركة Chesapeake التعاون باستخدام مجموعةِ البياناتِ الكبيرة أثناءَ قيامه برحلةٍ إلى مركزها الرئيسي في أوكلاهوما عام 2011، إلا أن طلبهُ قوبلَ بالرّفض.

بيرت سميث، مؤلفٌ مشاركٌ في الدّراسةِ الجديدة وموظّفٌ سابقٌ في شركةِ Chesapeake، قال أنه قدّم مجموعة البيانات في بداية الأمر للهيئةِ الأمريكيَّةِ للمسح الجيولوجي لكي يتم التعاون بينهم في الدراسة إلا أن اقتراحه قوبل بالرفض، فطلبَ بعدَ ذلك من سيجل أن يتعاون معهُ في الدّراسة.

على الرغم من تعدّد آراء العلماء في موضوع التكسيرِ الهيدروليكي إلا أنهم يتفقون على أن التّصدعاتِ الدّقيقةِ للتكوين الصخري لا تساهم بحد ذاتها في الهجرة الشّاقوليّة للغازات بل إن المشكلة تكمُنُ في الآبارِ سيئةِ التغطيةِ والجدران الاسمنتية غير المتقنة، والخلاف القائم هو على مدى تكرار ذلك في بناء الآبار.

مُستشهداً بدراسةٍ أجريت عام 2014، يقول سيجل إن 0.24% فقط من آلافِ الآبارِ في شمالِ شرق بنسلفانيا قد أعطيت إنذاراتٍ لانتهاكاتٍ متعلّقةٍ بهجرة الميثان ضمن المياهِ الجوفيّة، لكن المهندسَ المدنيَّ أنتوني إنغرافيا من جامعة كورنيل أشار إلى أن هذه الإنذاراتِ المسجّلة للانتهاكات ليست سوى غيضٍ من فيض. وأشارَ إلى دراسةٍ سابقة له موجودة في دوريّة PNAS عام 2014 أن أكثرَ من 9% من الآبارِ غيرِ التقليديّة المحفورة في شمال شرق ولاية بنسلفانيا منذ عام 2009 تعاني من مشاكل مرتبطة بالسّلامةِ الهيكليّة، مضيفاً أن تلك المشكلة ستنمو مع زيادةِ عمرِ الآبار ومع حفرِ عشراتِ الآلافِ من الآبارِ الجديدة مؤكداً: "نحنُ مازلنا في البدايةِ فقط".

ويعلّقُ تيري إنجيلدر، خبير الجيولوجيا في جامعةِ بارك في بنسلفانيا، بأنَّ مجموعات البياناتِ الكبيرة كالتي استخدمت في هذه الدراسة تقدم على الأقل فائدة واحدة على المستوى العام "لقد تعلّمنا عن كيمياءِ المياهِ الجوفيّة في شمالِ شرقِ ولايةِ بنسلفانيا أكثرَ من أيِّ مكانٍ آخرَ في العالم،" ويضيف: "العينات المأخوذة ستكون قيّمة للغاية، ليس لدراسة الميثان فقط بل أيضاً لدراسة مركبات كيميائية أخرى".

المصدر:

هنا