الفنون البصرية > فن وتراث

لوحةُ الغولكوندا - إنها تمطرُ رجالًا

استمع على ساوندكلاود 🎧

لقد كان لظهورِ الحركةِ السُّرياليّةِ في الفنِّ التشكيليّ أثرَ التيارِ الكهربائيّ في تاريخ الفنّ، فمن جهةٍ كانت أعمالُ "سيلفادور دالي" قريبةً من الأحلام وخياليّة، ومن جهةٍ أخرى جاءت أعمال "ديشيريكو" ذات البعدِ الميتافيزيقيّ السّاحر، في حين عمل "رينيه ماغريت"(1898-1967 بلجيكا) على رسمِ الأشياءِ العاديّة في سياقٍ غيرِ اعتياديّ، وبذلك يكون "ماغريت" قد اخترعَ شكلاً شاعريّاً خاصّاً به، ليعبّرَ عن لا وَعيِه بطريقةٍ أكثرَ فلسفيّةٍ وتصويريّةٍ من زملائِه السُّرياليين السّابقين. فـ"ماغريت" وبخلاف الفنّانين الآخرينَ كان شخصاً فوضوياً عاماً، يرتدي بذلةً وربطةَ عنقٍ. لوحاتُه تصوّر أشياءَ ووجوهاً يوميّةً اعتياديةً.

وقد كانت أشياؤه المفضّلة في الرسم هي غليون، آلاتٍ موسيقيّة، ملابس، إضافةً إلى البشر. كان التوجّهُ السُّرياليّ عند "ماغريت" يتمثّل في جلْبِ هذه العناصر العامّة سويّةً، فهو يقول بأنّ رسوماتِه هي فقط صورٌ لا تحمل أيّ شيءٍ ولكنّها تستدعي الإستغراب، وإذا ما أبديتَ دهشتَك حيالَ معنى لوحاتِه سيجيبُك بأنّها لا تعني شيئاً لأنّ الغرابة تعني اللاشيء أيضاً .

"الغولكوندا" (69*69 سم_ زيت على قماش _1953) هي إحدى أهمُّ لوحاتِ "ماغريت"، وهي لوحةٌ مركّبةٌ تَظهرُ فيها خلفيّةُ مبانٍ سكنيّةٍ بجدرانَ بيضاءَ عاريةٍ وأسقفَ قرميديةٍ حمراءَ، يهطل عليها رجالٌ متشابهون بقبّعاتٍ ومعاطفَ داكنةٍ، والسماءُ زرقاءَ باهتة.

يشبه منظرُ المباني أحياءً سكنيّة عاديّة في بروكسل حيث عاش "ماغريت" .

وبالرّغم من أنّ هؤلاء الرجالَ الأنيقين يبدونَ كمطرٍ يهطل بطريقةٍ ساحرة، إلّا أن الشخصيات هي فقط سابحة في الفضاء نظراً لعدم وجودِ أيّ مؤشرٍ على الحركة.

أمّا الملابسُ التي يرتديها هؤلاء الرجال فقد كانت شائعةً لدى رجال الأعمال وموظفي البنوك.

ويعود اسم اللوحة إلى مدينةٍ في الهند كانت معروفةً بثرائها، وكان الإسم من اقتراح صديق "ماغريت" الشاعر "لويس سكوتنر" ،والذي - و كنوعٍ من الشكر- قام "ماغريت" برسم وجهِه على أحدِ وجوه هؤلاء الرّجال (ذلكَ القريبُ من المدخنة على اليمين(

هذه اللوحة الزيتية على القماش التي تمّ ابتكارُها من وجهةِ نظرٍ سُرياليّةٍ خلقَت تصويراتُها القويّة تأثيراتٍ حقيقيةٍ جداً، أحدُ هذه التأثيرات هو السؤالُ عن سبب تموضع هؤلاء الرّجال بطريقةٍ غير اعتياديّة كهذه.

وإذا كان كلٌّ من أصلِ تسميةِ اللوحة وحقيقةِ كونِ الشخصيّات المرسومة تمثّل رجالَ أعمالٍ يدعواننا إلى ترجمةِ اللوحة بطريقةٍ معيّنة كظروف الحياة في القرن العشرين، ورمزِ فقدان الهويّة الفرديّة والرّتابة اليوميّة المملّة، فإنّ هذا التأويلَ سيكون مرفوضاً من قِبَل "ماغريت" الذي يعلّل ذلك بكون رؤيته لتقديم البشر والأشياء بطريقةٍ غرائبية ولا أكيدة تُرينا أنّ الحقيقة قد تختلف باختلاف الطريقة التي يَنظر بها الفرد إليها، وهذا هو الشيء الذي يجعل اللوحة أكثر غموضاً و إثارة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا