علم النفس > القاعدة المعرفية

لماذا نضحك؟

لا ينسى أي منا الوقت الممتع الذي نقضيه مع العائلة و الأصدقاء في متابعة مسرحيات عادل إمام، أو البرامج الكوميدية، أو ربما فيديوهات لأطفال و قطط بمواقف تجعلنا نذرف الدموع من الضحك و المرح. و ربما خطر ببالنا أكثر من مرة هذا السؤال :لماذا نضحك؟ و ما أسباب هذه الظاهرة المشتركة بين أفراد البشر؟

اهتم الباحثون بدراسة هذه الظاهرة معتبرين أنفسهم كائنات غريبة تماماً عنها، محاولين فهم سر الأصوات الغريبة التي يصدرها البشر عندما يضحكون ولما تطوّر هذا السلوك الغريب عندهم؟

في محاولة لفهم هذه الظاهرة اكتشف الباحثون في علم النفس عدة ملاحظات مهمة في دراسة الضحك:

أولاً: الضحك يزداد 30 مرة أكثر في الحالات الاجتماعية أي عندما نكون مع الآخرين. أمّا عندما يكون المرء بمفرده، فإنّه على الأغلب يتكلم إلى نفسه أو يبتسم لكنّه نادراً ما يضحك بصوت مسموع.

ثانياً: نحن في الغالب نعتقد أنَّ الضحك هو رد فعلٍ على ما يقوله الشخص الآخر، ولكنّ الدراسات وجدت أنَّ الشخص المتحدث في الغالب يضحك أكثر من المستمع بنسبة %46

ثالثاً: فقط 10% الى 15% من التعليقات المسببة للضحك هي فعلاً مُضحكة، حيث أنَّ أغلبها مملة مثل "أنا لازم روح هلا!"، أي أنّنا لا نضحك في الغالب بسبب الفحوى الفكاهي لتعليقات الآخرين بل بسبب رغبتنا في مشاركتهم والتواصل معهم.

رابعاً: يستخدم الناس الضحك كإضافة لحديثهم في مواقع صوتية معينة لتثير ضحك المستمعين. وكما يقول المثل "الضحك يعدي"، أي أنَّ الإصغاء لصوت ضحك أحدهم كافي لجعلك تبدأ بالضحك.

ولكن ماذا عن الأصوات التي نُصدرها عند الضحك؟ طبعاً نحن لانضحك كلنا بنفس الطريقة، هناك من يقهقه بصوت عالٍ وهناك من يضحك بصوت خافت وهناك من يضحك بعدّة نغمات، فهل لهذا الاختلاف معنى أو تأثير؟

في دراسة نُشرت عام 2001 في

Psychological Science

طلب الباحثون من طلابهم في الجامعة أن يُقيِّموا خمسين ضحكة مُسجَّلة لنساء ورجال مختلفين.

وجد الباحثون أنَّ كلاًّ من الرجال و النساء المستمعين استجابوا بشكلٍ إيجابي للضحكات ذات الصوت الواضح أكثر من الضحكات المكبوتة أي أنهم استمتعوا اكثر بالإصغاء إليها وكانت برأيهم أكثر ودية و اهتموا بمقابلة صاحب الضحكة.

بحسب رأي الباحثين نحن نستخدم الضحك لنحصل على ردود فعل إيجابية من الآخرين و لنوصل رسالة بأننا غير مؤذين. وتختلف الضحكات في درجة تأثيرها، حيث أنَّ القهقات العالية أكثر إيجابية، ففي دراسة على ضحكات الأطفال لوحظ أن الأطفال الاجتماعيون لديهم تغمات أعلى بضحكاتهم من غيرهم من الأطفال.

والآن قد تسأل نفسك: ما الذي يجعل الدعابات مضحكة؟

يعتقد كتّاب الدعابات في البرامج الكوميدية الشهيرة في الولايات المتحدة أنَّه ليس من السهل تسمية عناصر وجب تحقيقها لجعل الدعابة مضحكة بالإجماع ولكن قد تختصر بالعناصر التالية:

- نظرية المخالفة: يعني أن يكون الشيء مضحك عندما يعارض الطبيعة و حتى اللياقة ولكن في سياق المقبول.

- عنصر المفاجأة : نضحك عندما نتفاجأ و نشعر بشعور إيجابي تجاه أنفسنا .

- الدعابات الحقيقة: وهي التي تجعلنا نرى تفاصيل حياتنا اليومية بطريقة مختلفة وممثلة أمامنا. والمضحك برأيهم أنَّها من الواقع و حقيقة أكثر من كونها قدمت رؤية جديدة له.

الضحك وحس الفكاهة من وجهة نظر التطور:

الضحك هو أمر قديم في مجال الصوتيات الأولية في حين أنَّ حس الفكاهة هو أمر حديث طوّر معرفياً و لغوياَ. حيث كان هنالك ضحكات في وقت يسبق كثيراً ظهور حس الفكاهة كسلوك إنسانيّ.

حاولت العديد من الفرضيات تفسير السبب التطوري لسلوك الضحك والدعابة، لكن معظم هذه الفرضيات كانت تفتقر الى اتساع إطارها التطوري. ولكن معظم هذه الدراسات تتفق

أنَّ تطور سلوك الضحك عند الإنسان جاء موازياً لتطور الدماغ لديه؛ فمنذ قديم الزمان، أصبح الإنسان يميل شيئاً فشيئاً للعيش ضمن جماعات وليس بشكل فردي. وكنوعٍ من التكيف، طوَّر الإنسان اللغة من أجل التواصل مع الآخرين ضمن المجموعة الواحدة وتقوية العلاقات معهم، والأمر ذاته ينطبق على الضحك، حيث يعتقد العلماء أنَّ سلوك الضحك وخصوصاً مع إصدار صوت هو بمثابة إشارة يرسلها الفرد الى المجموعة ليعبرعن رغبته في أن يكون جزءاً منها بشكل ودّي.

وبشكل عام، يمكن القول بأنَّ هناك خمس نظريات أساسية تفسر تطوُّر الضحك عند الإنسان: التلاعب الإجتماعي، والتنشئة المجتمعية، الانتقاء الجنسي، الإشارة الى الصدق، والعدوى العاطفية. وقد لوحظت بعض ظواهر الدعابة بين القرود أيضاً كنوع من مُحفّزات التواصل الإجتماعي، حيث أنَّ القرود تميل الى المبالغة في بعض حركات جسدها والتلاعب بزاوية الفم لإنتاج أشكال مضحكة ترسل إشارات الى الأفراد الآخرين مفادها أنَّ هذا الفرد ودّي ويرغب بالمشاركة. وهذا السلوك يسهل حياة المجموعة ويزيد من فرصتها في البقاء.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا