الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

بعيدا عن تأثيره على العظام هل لفيتامين D تأثير على الدماغ

عند الحديث عن الفيتامين D فإن أول ما يتوارد إلى الذهن هو صحة العظام، حيث ينصح عادةً بتناول مكملات من الفيتامين D والكالسيوم لتجنب الإصابة بالكسور والهشاشية العظمية، لكن في السنوات الأخيرة تم التوجه إلى دراسة فعالية هذه المكملات وفوائد فيتامين D على الجوانب الصحية الأخرى كصحة القلب والوقاية من السرطان لكن هذه الدراسات لم تستطع إيجاد علاقة وثيقة بين فيتامين D وهذه التأثيرات الصحية، بينما ومن جانب آخر استطاعت بعض الدراسات الحديثة إيجاد علاقة بين هذا الفيتامين وإنتاج السيروتونينserotonin مما فتح آفاقاً جديدة للبحث في هذا المجال.

هناك العديد من الحقائق تثبت أن فيتامين D، الموجود في بعض الأغذية أو الناتج عن التعرض لأشعة الشمس، ينظم عمل الإنزيم المسؤول عن تحول الحمض الأميني التربتوفان tryptophan إلى سيروتونين. ويعتبر السيروتونين ناقلاً عصبياً يساعد على تحسين المزاج وينظم تطور دماغ الجنين في الرحم، حيث يعد توجيه الخلايا العصبية إلى مكانها في الدماغ وتوضعها بالشكل المناسب مهماً جداً لضمان بنية سليمة للدماغ وعدم توفر الكمية المناسبة من السيروتونين خلال تطور الجنين يؤدي إلى عدم تطور دماغه بشكل طبيعي وسليم كما أشارت الباحثة Rhonda P. Patrick في دراسة أجرتها في معهد أبحاث الأطفال التابع لمشفى أوكلاند Children’s Hospital Oakland Research Institute، والتي تركزت حول تأثير الفيتامين D على إنتاج السيروتونين.

حيث أكدت الباحثة أن الدرجة التي يساهم بها فيتامين D في تنظيم السيروتونين في الجسم ليست واضحة تماماً حتى الآن ولكن أطباء النفس والأعصاب درسوا دور الكميات المنخفضة من السيروتونين على صحة الدماغ عند الإنسان من خلال تناول حمية غذائية منخفضة المحتوى من التربتوفان، حيث عانى الأشخاص متبعي هذه الحمية من صعوبة في اتخاذ القرارات طويلة الأمد والتسرع والعدوانية وسرعة الغضب وقلة السعادة هذا بالإضافة إلى الصعوبة في تفسير تعابير الوجه عند بقية الأشخاص.

هذا ويتواجد فيتامين D بشكل طبيعي في العديد من الأغذية مثل الأسماك الدسمة كالماكريل mackerel والسلمون والتونا، كما يوجد بكميات قليلة في الجبنة وصفار البيض وكبد الأبقار، إلا أن أغلب الكمية التي يتناولها الإنسان تأتي من الأغذية المدعمة بالفيتامين D مثل الحليب وعصير البرتقال وحبوب الفطور.

ينظم الفيتامين D أكثر من 1000 نوع مختلف من الجينات في جسم الإنسان –أي حوالي 5% من مجمل الجينات- ولذلك تعتقد كل من الباحثتين Patrick و Bruce N. Ames (باحثة أيضاً في معهد أبحاث الأطفال التابع لمشفى أوكلاند) أن هذا الفيتامين له دور كبير في صحة الإنسان أكثر بكثير مما هو مثبت في الأبحاث السابقة، كما أيدهما في هذا عدد آخر من الباحثين مثل الدكتور Walter Willett، رئيس قسم الأغذية في جامعة هارفارد للصحة العامة (Harvard School of Public Health)، والأستاذ هوسلر Mark R. Haussler وهو أستاذ في كلية الطب البشري في جامعة أريزونا (University of Arizona College of Medicine) والأستاذ جوروتكا Peter Jurutka وهو أيضا أستاذ مساعد في جامعة أريزونا.

حيث قام هوسلر وجوروتكا بإجراء سلسلة من التجارب على DNA مصنع ومن ثم على خلايا من كلية الإنسان وبعدها على خلايا دماغية للجرذان والإنسان، وبينت هذه التجارب أن تناول الفيتامين D يزيد من قدرة الدماغ على إنتاج السيروتونين من ضعفين إلى ثلاثين ضعفا وهذا يتطابق مع نظرية Patrick و Ames.

ويؤكد هوسلر أن الفهم الدقيق لتنظيم إنتاج السيروتونين قد يكون له تأثير كبير على حياة الإنسان، حيث أن تنظيم إنتاج السيروتونين خلال مراحل تطور الدماغ قد يؤثر على ظهور مرض التوحد أو اضطراب قصور الانتباه الناتج عن الفرط الحركي.

إن بعض فوائد الفيتامين D عرفت منذ القدم على الرغم من أنه قد تم وصفها بعبارات مختلفة، كأن يقال لك اخرج وتعرض للشمس كي تشعر بالتحسن وبالفعل فإن التعرض للشمس يعطي شعورا بالتحسن ولكن لماذا نشعر بتحسن عندما نخرج إلى الشمس؟ للشمس دور مساعد كبير في عملية تصنيع فيتامين D في الجلد ولكن لابد من التنويه إلى أن الإفراط في التعرض إلى الشمس يؤدي إلى الإصابة بسرطان الجلد، كما أن كمية الفيتامين D المصنعة تعتمد على كمية أشعة الشمس المتوفرة، فمثلاً تكون أشعة الشمس في الشتاء ضعيفة وغير قادرة على اصطناع الفيتامين D بكميات كافية لتلبية حاجة الإنسان، لذلك ينصح الأطباء والباحثون الأشخاص القاطنين في المناطق قليلة الشمس أو خلال فصل الشتاء، أن يتناولوا مكملات من الفيتامين D.

إلا أن طرق استخدام هذه المكملات والأدوات المستعملة لقياس عوز هذا الفيتامين كانت متناقضة، ففي السنوات الأخيرة كثرت الدراسات العلمية والأصوات التي تنادي بإيقاف هدر الأموال على مكملات الفيتامينات والمعادن والتي على حد تعبيرهم لا تقي ولا تقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

كما أكدت الأبحاث التي دعمت هذه الفكرة أن استعمال مكملات فيتامين D لا يزال مجالاً مفتوحاً للبحث وخاصة عند الأشخاص الذين يعانون من نقص الفيتامين، كما أوضحت أن الاستعمال الحالي الواسع لمكملات فيتامين D لا يستند إلى دلائل قوية تثبت أن فوائد هذا الاستعمال تفوق مخاطره.

ففي دراسة أجريت السنة الماضية في المشفى العام لمدينة ماساشوستس (Massachusetts General Hospital)، وجِد أن 70% إلى 90% من الأفارقة الأميريكيين المشخص لديهم حالات نقص فيتامين D قد يملكون في الواقع مستويات طبيعية من الفيتامين (أي أنهم لا يعانون من عوز) ويفسر ذلك بأن مورثاتهم تجعل أجسامهم تحوي الشكل الحر من الفيتامين والذي لا يمكن كشفه بالطرق التجريبية المتبعة.

لكن ومن الناحية الأخرى فإن الدكتور Willett من جامعة هارفارد للصحة العامة يؤكد أن المقالات التي دعت إلى الابتعاد عن المكملات الغذائية هي في الواقع غير دقيقة لأنها جمعت بين مجموعة واسعة من الجرعات والشروط، كما أن الأميركيين لا يحصلون على كمية كافية من الفيتامين عبر الوارد الغذائي اليومي والتعرض لأشعة الشمس لذا لابد لهم أن يتناولوا المكملات الغذائية. وهذا يشمل الأفارقة الأميركيين، ويكمل الدكتور Willett أن العلم لم يحدد حتى الآن الشكل الأكثر فائدة من الفيتامين D لكل عضو من أعضاء الجسم، كما أن الشكل الحر للفيتامين قد لا يكون مفيداً في العديد من الحالات.

بشكل عام لا يوجد اتفاق حول الجرعة اللازمة من الفيتامين إلا أن الدكتور Willett ينصح البالغين بتناول 1000 وحدة دولية في اليوم (وحدة دولية واحدة تعاد بيولوجيا 0.025 ميكروغرام كوليكالسيفيرول Cholecalciferol vitamin D3/إركوكالسيفـرول Ergocalciferol vitamin D2). كما تؤكد الدكتورة Patrick على ضرورة إجراء الفحوص المناسبة واستشارة الطبيب قبل تناول المكملات الغذائية.

المصدر:

هنا