البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

هل يمكن أن يفقد البعوض شهيّته لدمائنا؟

وجدت دراسة جديدة أجريت في جامعة روكيفيلر، بأنّ توق أحد أخطر أشكال البعوض فتكاً إلى الدم البشري يعود إلى اختلافٍ وراثي مايجعله أكثرَ حساسيةً لرائحة الدم البشري. حيث نشر باحثون في مجلة Nature أن بعوض الحمى الصفراء يملك مورثة تعقّب للرائحة في قرون استشعاره حساسة جداً لرائحة السولكاتون؛ وهو مركب دائم موجود في الدم البشري. وجد الباحثون أن المورثة المسماة AaegOr4 أكثر شيوعاً في البعوض المنزلي المحب لدماء البشر منها في بعوض الغابات المحب للدماء غير البشرية.

ينتشر بعوض الحمى الصفراء في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حول العالم وهو الحامل الرئيسي لمسبِّبات الحمى الصفراء وحمى الضنك الشبيهة بالحصبة والعدوى المؤلمة المعروفة بالشيكونجونيا. وتقتل الحمى الصفراء سنوياً عشرات الآلاف من الناس حول العالم وخاصةً في أفريقيا، في حين تصيب حمى الضنك مئات الملايين.

تقدِّم هذه الدراسة لمحةً نادرةً عن التغيرات الوراثية التي تسبب تطوُّر سلوكيات البعوض مما يساعدنا على فهم منشأ هذا السلوك. كما قد يساعد البحث في تطوير طرق أفضل لتعليل شهيَّة بعوض الحمى الصفراء تجاه الدم البشري، كما تشير إلى وجود منشأ وراثي لتفضيل البعوض للرائحة البشرية عند أنواع أخرى من البعوض كبعوض الملاريا رغم اختلافه الشديد عن بعوض الحمى الصفراء.

وكلَّما ازدادت معرفتنا بالمورثات والمركبات التي تعين البعوض على استهدافنا، كلما تحسنت فرصتنا في التلاعب باستجابته لرائحتنا، وقد أجرى الباحثون هذه الدراسة في سلسلة من ثلاث مراحل تجريبية لاكتشاف سبب تفضيل بعوض الحمى الصفراء لدماء البشر، حيث وُضِعَت أعدادٌ من هذا البعوض بشكليه المنزلي وقاطن الغابات مع السماح لها بالتغذي إما على خنزير غينيا أو على دماء ذراع أحد الباحثين. ثم سُمِحَ للبعوض بالاختيار ما بين تيار هوائي يحمل رائحة بشرية أو رائحة خنزير غينيا، وأخيراً وبهدف إلغاء أثر وجود مواد جاذبة للبعوض في كلا التيارين الهوائيين كثاني أوكسيد الكربون، تم استبدال التيار الهوائي بقفازات نايلون تحمل إحدى الرائحتين آنفتي الذكر.

في كل التجارب الثلاث السابقة ظهر ميلٌ واضحٌ للبعوض المنزلي إلى الرائحة البشرية، في حين اختار بعوض الغابات خنزير غينيا. ثم قرر الباحثون البحث عن اختلافات في هوائياتها (قرون الاستشعار) والتي تقابل الأنف عند البشر، فهجنوا البعوض المنزلي مع بعوض الغابات ثم هجّنوا النسل الناتج ليحصلوا على جيل هجين ثانٍ، فكانت جينومات هذا الجيل الثاني من الهجن كاملة الاختلاط مع بعضها (إعادة التوزيع والخلط الوراثي) بحيث توقع الباحثون عند مقارنتهم بين قرون الاستشعار الخاصة بالأفراد المفضلة للبشر وتلك المفضلة لخنزير غينيا أن يروا اختلافات وراثية عائدة للسلوك.

ووجد الباحثون 14 مورثة اختلفت ما بين هجن البعوض المحبة للبشر وتلك المحبة لخنزير غينيا ، وكانت اثنتان من هاتين المورثتين هما مورثتا مستقبلات الرائحة Or4 و Or103. اختار الباحثون دراسة المورثة Or4 بتعمق، حيث وزَّرعوا المورثة في عصبونات ذبابة الفاكهة ولاحظوا أن العصبونات تبدي دفقة من النشاط العصبي عند تعرضها لمادة السولكاتون، في حين لا يبدو أي تغير عليها عند تعريضها لرائحة خنازير غينيا.

تكشف هذه الدراسة كيف تَطوَّر بعوض الحمى الصفراء المنزلي عن سلفه المحب للحيوانات الأخرى إلى بعوض متخصِّصٍ بلدغ البشر بفضل إعادة توليف طريقة التقاط الروائح بواسطة هوائيَّي (قرنا الاستشعار) البعوضة، وربما مكننا فهم هذه الأسباب الوراثية من التلاعب الوراثي بالبعوض لإفقاده قدرته على تقفّي أثرنا والخلاص من الأمراض الناتجة عن لدغته.

المصدر

هنا