البيولوجيا والتطوّر > التطور

العلماء يحلون لغزاً قديماً من ألغاز شجرة العائلة التطورية

منذ أن نشر داروين كتابة (أصل الأنواع) الذي شرح فيه نظريته، خصص (وبكل شفافية علمية) باباً كاملاً من الكتاب تحت عنوان "الصعوبات التي تواجه النظرية"، وعبّر عن أمله في الأجيال القادمة لتجاوز هذه الصعوبات وحل ألغازها.. مذ ذاك الحين وحتى اليوم ما زالت هذه الألغاز تُحل تباعاً.. ومنها اللغز الذي واجه داروين عندما أمريكا الجنوبية في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، حيث اكتشف مستحاثّاتٍ لعدة ثدييّات ضخمة تحدّت التصنيف، كالـ"ماكراوتشينيا" (Macrauchenia) الذي بدا كجملٍ عديم السنام بخرطومٍ طويل، والتوكسودون (Toxodon) الذي له جسم وحيدات القرن، ورأس فرس النهر، وأسنان القوارض، ولهذا يعتبر أحد أغرب الحيوانات المُكتشفة إطلاقاً! وتُعدُّ الحيوانات آنفةُ الذكر مع حيواناتٍ أُخرى جزءاً من مجموعةٍ تضم أكثر من 250 من الثدييّات المعروفة باسم "ذوات الحوافر" المنتمية لقارة أمريكيا الجنوبية.

"ذوات الحوافر" المنتمية لقارة أمريكا الجنوبية هي حيوانات عاشت على اليابسة لحوالي 60 مليون سنة قبل أن تنقرض قُبيل 12 ألف سنة. في عهد داروين لم يستطع أحدٌ أن يضع هذه الحيوانات الغريبة في مكانها الصحيح في شجرة عائلة الثدييّات، وبقي موقعها لغزاً حتى عهدٍ قريبٍ نظراً لسجلها الأُحفوري المُكسّر، ولعدم قدرة الباحثين على عزل الـDNA من هذه الأحافير، حيث تتفكك جزيئاته بسرعة في جو القارة الحار، لذا، عالم البيولوجيا الجزيئية التطورية "لان بارنيز" و عالم البيولوجيا الأُحفورية "ماثيو كولينز" وفريق دولي من العلماء الآخرين حاولوا اتخاذ مسعىً آخر؛ استخلاص الكولاجين (بروتين يوجد لدى الحيوانات فقط وهو المكوّن الأساسي للنُسج الضامّة كالعظام والجلد ...إلخ، وهو البروتين الأكثر وفرة لدى الثدييّات، حيث تبلغ نسبته 25% إلى 35% من مجموع بروتينات الجسم).

قام العلماء أولاً ببناء شجرة عائلة كولاجينية للثدييّات (أي حسب تسلسلات الكولاجين بدلاً من تسلسلات الـDNA)، مما أظهر تسلسلات الكولاجين لثدييّات مختلفة وفقاً لقرابتهم، وقد احتاجت هذه العملية استخلاص وسَلْسَلَة الكولاجين لكل من السناديات، وحيوانات فرس النهر، وحيوانات خنازير الأرض (آكل النمل)، وبحصولهم على تلك المعلومات قاموا بِسَلْسَلَةِ الكولاجين من 4 عيناتٍ لذوات الحوافر حُصل عليها من متحفين مُختلفين في الأرجنتين وهي: عيّنتان للـ"توكسودون" بعمر يقارب 12 ألف سنة، وعيّنتان للـ"ماكراوتشينيا" يمكن أن لم ينتهِ عمر الكربون فيهما (لتفاصيل أكثر عن التأريخ باستخدام الكربون يمكنكم قراءة مقالنا عن الموضوع هنا: هنا )، ثم قارنوا هذه البروتينات القديمة من المستحاثات مع شجرة العائلة التي وضعوها).

كشفت سَلسَلة بروتين الكولاجين عن أن العينات التي أُخذت من المتاحف أقرب بشدّة لـ"مفردات الأصابع" (رتبة من الثديات تضم الأحصنة والتابيرات ووحيدات القرن)، خلافاً لما كان قد اقتُرح سابقاً أن تكون "ذوات الحوافر" المنتمية لجنوب أمريكا جزءاً من "الوحشيات الأفريقية" (التي تضم الفيلة وخِرَاف البحر...إلخ).

يعتقد العلماء القائمون على هذا العمل أنه بمثابة ثورة في دراسة الأحياء المنقرضة منذ أمدٍ بعيد، حيث يكشف أسرار مستحاثاتٍ أقدم بملايين السنين من المستحاثات التي يمكن دراستها باستخدام الـDNA بسبب بقاء بروتين الكولاجين في المستحاثات أكثر من بقاء الـDNA بـ10 مرات، كما أنه مركب أساسي للبنى العظمية، ويوجد منه الأطنان مقارنةً بالـDNA.

المصادر

هنا

هنا