الكيمياء والصيدلة > كيمياء

ألماسٌ صناعيٌّ في بضعة أشهر بدلاً من ملايين السنين

الألماس هو عبارة عن بلّوراتٍ من الكربونِ النقي، تتشكّل تحت ضغطٍ عالٍ جداً وحرارةٍ مرتفعةٍ. وهناك نوعان من الألماس: ألماسٌ طبيعي وآخر صناعي، ويُعدّ الألماسُ الطبيعي من أغلى الأحجار الكريمة في العالم، وتوجد عدّة نظرياتٍ لتشكّله يمكنك الإطلاع عليها في مقالٍ سابق على الرابط التالي: هنا

وبالإضافة لكونه حجراً كريماً ويعتبرُ رمزاً للثّروة والرّفاهية، للألماس خواصٌّ فيزيائيةٌ تجعله مميزاً أيضاً لدى العلماء والصناعيين، حتّى أنه يُدعى "المادة الهندسية المطلقة Ultimate engineering material".

فما هي إذاً تلك الخواص الفيزيائية التي تُميّزه؟

1. الصلابة الميكانيكية: فهو من أقسى المواد المعروفة حتّى الآن.

2. الناقلية الحرارية: يملك الألماس أعلى ناقليةٍ حراريةٍ في درجة حرارة الغرفة.

3. شفاف في مجالٍ واسعٍ من أطوال الأمواج الضوئية (من فوق البنفسجية ultraviolet إلى تحت الحمراء infrared )

4. أقل المواد قابلية للانضغاط.

5. خامل مع جميع المواد الكيميائية تقريباً.

6. عازل جيد جداً للتيار الكهربائي.

تجعل هذه الخواص من الألماس مفيداً جداً في الأبحاث والصناعة، حيث يمكن استعماله في صنع أدواتِ القطع الحادّة أو في الأجهزة الالكترونية البصرية والعديد من التطبيقات الأخرى، لكنّ الكميات القليلة المحدودة من الألماس الطبيعي بالإضافة إلى غلاءِ ثمنه قد حدّت من استخدامه على نطاقٍ واسعٍ، وهذا ما دفع الباحثون إلى تصنيعه. لنرى كيف قاموا بذلك؟

بدأت الأبحاث الأولى بتقليد عملية تشكُّل الألماس الطبيعي في طبقات الأرض، عن طريق تعريض الغرافيت إلى حرارةٍ مرتفعةٍ (حوالي 1700 درجة مئوية) وضغطٍ عالٍ جداً بوجود مُحفّزٍ مناسبٍ، إلا أنّ حبيبات الألماس النّاتجة عن هذه العملية كانت صغيرةً جداً وغيرَ مفيدةٍ في الاستعمال العملي. وقد حاولت مجموعةٌ من الباحثين الألمان مؤخّراً دراسةَ الظَروفِ التي حصلت في طبقات الأرض وأدّت إلى تشكّل الألماس، والعواملِ التي ساهمت في هذا التشكّل مثل الحديد، وحسبما توصّل إليه هؤلاء العلماء، يقومُ الحديد بانتزاع الأوكسجين من الصّخور ليترك الكربون وحيداً، وتحت الضغط والحرارة الهائلين يتشكّل الألماس. وبتقليد الظروف الطبيعية قدر الإمكان تمكّنوا من صنع حُبيباتٍ من الألماس فقط من ثنائي أكسيد الكربون CO2 (ضمن ظروفٍ معينةٍ). ومن المثير للاهتمام أنّهم استطاعوا صُنع حبيباتِ الألماس من زبدة الفول السوداني نظراً لكونها غنيةً بالكربون!، والمشكلة التي ظهرت هنا هي انطلاقُ كميةٍ من غاز الهيدروجين بعد تشكّل الألماس، كما أنّ هذه الطريقة تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ.

ولكي نستطيع الاستفادة من خواصه، كان من الضروري صنعُ طبقةٍ رقيقة ٍمن الألماس بدلاً من الحبيبات الصغيرة، فظهرت طريقة " ترسيب البخار الكيميائي (Chemical vapor deposition CVD)"، حيث يتمّ فيها إضافة ذرات الكربون واحدةً تلو الأخرى عن طريق ترسيب غازات (أو أبخرة محاليل) تحوي الكربون على قالبٍ معيّن. بدايةً استعمل الباحثون سطحاً من الألماس الطبيعي كقالبٍ تتوضّعُ عليه ذراتُ الكربون، ثُم تمّ تطوير قوالبَ مختلفةٍ واستعمالُ غازات (أبخرة مُحلّات عضوية) مختلفةٍ للحصول على أفضل النتائج وبسعرٍ مقبولٍ، وكان من أكثرِ المحاليل المستخدمة: بخار الأسيتون، الميتانول (الكحول الميتيلي) والإيتانول (الكحول الإيتيلي).

كما أجرى باحثون مكسيكيون بحثاً استعملوا فيه التكيلا Tequila (مشروبٌ كحوليٌّ معروفٌ يُصنّع في إحدى قُرى المكسيك المُسمّاة تكيلا) لصُنع طبقاتٍ رقيقةٍ من الألماس! وقد استخدم الباحثون السيليكون والستانليس ستيل كقوالب لترسيبِ الكربون من أبخرة هذا المشروب، حيث وجدوا أنّ التكيلا (40% كحول) تحتوي نسبةً من الأوكسجين والهيدروجين والكربون مناسبةً تماماً لتشكّل الألماس، وأنّ المواد الكيميائية الأخرى الموجودة فيها لم تؤثّر على التفاعل. إنّ استخدام التكيلا بدلاً من المُحلات العضوية، واستخدام السيليكون أو الستانليس ستيل كقالب، جعل تصنيع الألماس بطريقة الـ CVD أرخص ثمناً بكثير من التجارب الواردة سابقاً.

وماذا بعد زبدة الفول السوداني والتكيلا؟

جميع التجارب السابقة كانت بهدف إنتاج ألماسٍ صناعيٍّ للاستفادة من خواص الألماس الفيزيائية المميزة واستعمالها في العلوم المختلفة وخاصّةً الهندسية. لكن مؤخراً انتشرت ظاهرةٌ غريبةٌ أطلقتها عدّة شركاتٍ حولَ العالم، تقومُ بتخليد ذكرى أحبّاءكم عن طريق تحويلِ رمادِ الموتى إلى ألماس!، وكلّ ما تحتاجه هو 250 غرام من رماد الميت أو شعره، وستحصلون على ألماسةٍ من ذكرى الفقيد بالحجم واللّون والشّكل الذي ترغبونه، وتحتاجُ بضعة أشهرٍ فقط. فقد تم تطوير طريقةٍ لاستخلاص الكربون الموجود في الرماد أو الشعر، ومن ثم يتمّ تعريضه لحرارةٍ مرتفعةٍ وضغطٍ عالٍ جداً ضمن ظروفٍ معيّنةٍ مشابهة لظروف تشكّل الألماس الطبيعي في طبقات الأرض.

المصادر: هنا

هنا

هنا

هنا

هنا