البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

تصنيع حبة دواء تحاكي عمل الجهاز المناعي

جسم الإنسان لا يحب الأجسام الغريبة ولا يتقبلها بسهولة، وحين يفلح أحد الأجسام الغريبة كفيروس أو عامل ممرض مثلاً بالدخول الى مجرى الدم، يقوم جسدنا فوراً بإنتاج أجسام مضادة تقوم بالتخلص من هذا الجسم الغريب وتعطيل عمله.

تتشكل هذه البروتينات التي تأخذ شكل حرف "Y" من قبل نوع خاص من خلايا الدم البيضاء تسمى خلايا البلازما، حيث ترتبط بجزيئات تتواجد على الأجسام الغريبة تسمى المستضدات Antigens، الأمر الذي يحفِّز مجموعة أخرى من خلايا الدم البيضاء التي تقوم حرفياً بابتلاع المواد الغريبة والتخلص منها.

منذ سنوات عديدة، يتم استخدام الأجسام المضادة والعلاجات الأخرى المعتمِدة على البروتينات، لمُعالجة مجموعة من الأمراض كالسرطان، الالتهابات وأمراض المناعة الذاتية كذلك، ولكنَّ الأجسام المضادة لها سلبياتها أيضاً، فهي ذات حجم ضخم مما يمنع امتصاصها عبر الجهاز الهضمي، وبالتالي يتم حقنها في الوريد مباشرة. فكيف يمكن الاستفادة من مزايا الأجسام المضادة والتخلص من سلبياتها في نفس الوقت؟ هذا ما فكر فيه الكيميائي David Spiege الذي نشر بحثه في أوائل هذا العام، حيث قام مع زملائه بابتكار أول جزيئات تملك فوائد الأجسام المضادة، آملين الاستغناء عن حقنها بالإبرة.

هذه الأجسام تعمل تماماً كالأجسام المضادة الحقيقية، وتسمى "أشباه الأجسام المضادة المصنَّعة"synthetic antibody mimics أو "SyAMs"، وهي أجسام ترتبط بالخلايا المريضة وكذلك بالخلايا المناعية المكافحة ضد المرض.

وقد تم إنتاج وتصنيع جزيئات SyAMs بحيث تتشابه مع الأدوية التقليدية، وذلك عن طريق استخدام تفاعلات كيميائية لإنتاج بعض الصفات التركيبية التي لا تتواجد في الطبيعة. وبما أنَّ الأجسام المضادة الحقيقية هي عبارة عن بروتينات يتم تصنيعها داخل الجسم، فإن عملية تصنيع هذه البروتينات صعبة ومُكلفة أيضاً. بالإضافة الى ذلك فأنها تسبب رد فعلٍ مناعيٍ غير مرغوب، كما أنّها معرضة للتكتل والتآكل والتلاشي عند تخزينها لفترات طويلة. لذلك يتوقع Spiege أن تكون جزيئات SyAMs أسهل وأرخص للتصنيع بكميات كبيرة، كما أنها أقل قابلية للتسبب بردودِ فعلٍ مناعية. بالإضافة الى ذلك، فإنَّ حجم جزيئات SyAMs تقريبا 1/20 من حجم الأجسام المضادة الطبيعية - وهذا الحجم قريب من حجم معظم الأدوية- وبالتالي يمكن أن يتم إعطاء هذه الجزيئات عن طريق الفم. وهذا سيكون نعمة كبيرة لمرضى السرطان وأمراض المناعة الذاتية الذين يعانون من الذهاب الى المشافي باستمرار لأخذ حقن وريدية من علاجات الأجسام المضادة التقليدية.

من الجدير بالذكر أنَّ فكرة إنتاج "أجسام مضادة مصنَّعة" تعود الى القرن التاسع عشر، حين اكتشف الفيزيائي الألماني Paul Ehrlich أنَّ الجهاز المناعي يملك القدرة على معادلة السموم ومحاربتها عن طريق إنتاج الأجسام المضادة أو "مضادات السموم antitoxins"، وبناءاً على هذه الفكرة ، بدأ Ehrlichوزملاؤه بتطوير أدوية تعمل عمل الأجسام المضادة، ومنها تلك التي تعالج الالتهابات الطفيلية المثقبية Trypanosoma.

وبشكل عام، يتم انتاج الأجسام المضادة الصناعية للأغراض العلاجية بطريقتين: الطريقة الاولى هي تصنيع بروتينات الأجسام المضادة تماماً كالأجسام المضادة الطبيعية، وتسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibodies. حيث يتم إنتاجها بطرق طبيعية في المختبر، وتستخدم في العديد من العلاجات.

أما الطريقة الأخرى فهي التي اقترحها Spiegeوهي إنتاج جزيئات صغيرة الحجم غير بروتينية، تملك خصائص الأجسام المضادة وتعمل عملها.

إن جزيئات SyAM التي عمل Spiege وفريقه على تصنيعها، تستهدف خلايا سرطان البروستات، الخلايا المصابة بفيروس ال HIVبالإضافة الى انواع مختلفة من السرطان وأمرض المناعة الذاتية.

Laura Kiessling من جامعة Wisconsin–Madison والتي تدرس طرقاً جديدة لتوجيه الاجسام المضادة الطبيعية باتجاه خلايا الأورام، علقت على فكرة Spiege بقولها: " من الممكن أن يتم تجنيد هذه الجزيئات لتُحفّز إنتاج نوع معين من الخلايا المناعية بشكل انتقائي لتستهدف الخلايا السرطانية وتعمل على قتلها وتدميرها، وكذلك فإنَّ الحجم الصغير لهذه الجزيئات سيكون ميزة ايجابية للتخلص من الأورام، ولكن ينبغي أولاً التأكد من فعاليتها في الجسد الحي وليس فقط في المختبر".

المصدر

هنا