الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

المذهب العقلي والتجريبي في الطب

إن الجدال العقلي-التجريبي امتد طويلاً في التاريخ، بدءاً من اليونانيين القدماء مركزاً على أصل المعرفة وتعليلاتها. هل هذا المصدر عقلي أم تجريبي في الطبيعة؟ هل يمكن الوصول إلى المعرفة بالاستنتاج والاستدلال من المبادئ الأساسية؟ هل المعرفة نتيجة للملاحظة الدقيقة والتجربة؟ هذه بعض الأسئلة من هذا الجدال إضافة إلى أسئلة تتضمن تعليلات معرفية.

إن أصحاب المذهب العقلي، كسقراط وأفلاطون وديكارت وكانت يدعون إلى المنطق بكونه مصدر المعرفة ومبررها. وعلى هذا النحو، تكون المعرفة بديهية في الطبيعة وعلى نقيض الحواس او التصور، فهي حصراً نتاج العقل. ونظراً إلى قابلية الحواس للخطاً كما يقول العقلانيون لا يمكن لأحد أن يضمن أو يكفل المعرفة الصحيحة إلا من حيث قدرة العقل على اتباع المنطق. بعبارة أخرى، فإن العقلانية توفر أساساً متيناً ليس فقط لمصدر المعرفة، بل أيضاً لضمان صحتها.

بينما أصحاب المذهب التجريبي كأرسطو وابن سينا وبيكون ولوك يتجنبون مخاوف العقلانيين ويمجدون الملاحظة والتجربة مع احترام مصادر المعرفة وتبريراتها. بالنسبة للتجريبيين، فإن العقل هو لوحة بيضاء تقوم الملاحظة والتجريب بتسجيل المعارف عليها. فهنا يدافع التجريبيون عن دور التجربة كمصدر وتبرير للمعرفة.

إن أصل الجدال العقلي-التجريبي يعود تحديداً إلى الطب اليوناني والروماني. فالمدرسة الطبية العقائدية التي أسسها ابن أبقراط وصهره في القرن الرابع قبل الميلاد، تدعي أن المنطق كاف لفهم الأسباب الكامنة وراء الأمراض وبالتالي وراء علاجها. تعتمد المدرسة العقائدية على النظرية وخاصة النظرية الخلطية للصحة والمرض لممارسة الطب.

بينما على الجانب الآخر، فإن المدرسة التجريبية للطب تؤكد أن الملاحظة والتجربة فقط وليس النظرية هي الأساس الكافي للمعرفة الطبية والتطبيق. وكذلك فإن النظرية هي نتيجة للملاحظة الطبية والخبرة، وليست أساسها. إن المدرسة التجريبية تعتمد على أسباب واضحة ملموسة لشرح الصحة والمرض ولممارسة الطب.

ويعود لكل من فيلينوس من كوس، وخليفته سرابيون من الاسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد، الفضل في تأسيس المدرسة التجريبية والتي تضمنت المدرسة الاسكندرية ذات التأثير.

ونتيجة للجدال بين العقلانيين والتجريبيين ظهرت مدرسة ثالثة في الطب، المدرسة المنهجية. فعلى نقيض المدرسة العقائدية ومتفقة مع المدرسة التجريبية أن الأسباب الكامنة ستكون زائدة عن الحاجة في ممارسة الطب، بينما تكون أعراض المريض الفورية جنباً إلى جنب مع الحس السليم كافية لتوفير المعلومات لعلاج المريض. بينما على نقيض المدرسة التجريبية ومتفقة مع المدرسة العقائدية ترى المدرسة المنهجية أن التجربة غير ضرورية لعلاج المريض، حيث توفر أعراض المريض جميع المعارف اللازمة للمارسة الطب.

إن الجدال العقلاني-التجريبي إضافة إلى المدرسة المنهجية كمدرسة ثانوية، احتدم طويلاً واستمر طيلة القرنين السابع عشر والثامن عشر. فعلى سبيل المثال، الطبيب الإيطالي ذو الأصل الأرميني في القرن السابع عشر جيورجيو باغليفي شجب استقطاب الأطباء إلى الحدود العقلانية والتجريبية وأوصى بإنهاء الجدال بدمج هاتين المدرستين. أدرك ناقدو الفلسفة في الطب أهمية الموقفين، واقترح العديد منهم التوفيق بينهما. فعلى سبيل المثال، جان فان جيجن، يدعو إلى "دورة تجريبية" تقود فيها التجربة التفكير الافتراضي، والتي تؤدي بالإضافة إلى نتائج تجريبية.

وعلى الرغم من عدم ظهور أي نتيجة للجدال العقلاني-التجريبي لم ترى في الأفق المنظور، فإن هذا الجدال يعزز الأهمية والحاجة لتحليل فلسفي إضافي للمسائل المعرفية المحيطة بالمعرفة الطبية.

المصدر: 

هنا