منوعات علمية > العلم الزائف

أساطير البيوت المسكونة والأشباح .. حقيقة أم خيال؟

- ما تعريف الشبح؟ وما ماهيته؟

منذ آلاف السنين كانت الأشباح ولا زالت موضوعاً شائعاً ومهماً، وظهرت في قصص لا تُعد ولا تُحصى، حيث يعتبر الشبح من أكثر المفاهيم شيوعاً من بين الظواهر الخارقة للطبيعة، ومع ذلك لا يوجد لدينا تعريف متفق عليه حول ماهيته، حيث أنَّه حتى الآن لم يتم القبض على واحد بعد أو حتى توثيق وجوده علمياً وفحصه للتعرف عليه!

يسود الاعتقاد بأنَّ الشبح هو روح شخص (أو حيوان) ميت تتجول بلا جسد، أي أنَّه ما تبقى من الكيان المادي الذي لم يجتز العالم الوجودي للعالم الآخر، وهي فكرة قديمة ومريحة لبعض الناس الذين لا يريدون تصديق أنَّ أحباءهم المتوفين غادروهم ولا يقومون برعايتهم أو يقفون بجانبهم أوقات الشدة، لذا يجدون فكرة تواجد أحبائهم بعد الموت بشكل طيف "غير مادي" فكرة مريحة ويصعب عليهم نفيها.

وبتعبير آخر، يقول بعض المحققين في الظواهر الخارقة (الذين نادراً ما يدعمون تحقيقاتهم بالأدلة التاريخية الجيدة والدراسات الموثقة والتقنيات المناسبة) إنَّ الشبح هو مظهر من مظاهر "الطاقة" لكائنٍ سابق، وهذا ما يؤمن به الكثير من الناس أيضاً ويؤمنون أنَّ دعم وجود الأشباح يمكن أن يوجد في الفيزياء الحديثة، حيث يُزعم على نطاقٍ واسعٍ أنَّ ألبرت أينشتاين افترض أساساً علمياً لواقعية الأشباح، فإذا لم يكن بالإمكان خلق الطاقة أو تدميرها ولكن فقط يمكن تغيير شكلها، فما الذي يحدث لطاقة الجسد عند الموت؟ هل يمكن لتلك الطاقة بشكل ما أن تتجلى كشبح؟ يبدو ذلك كافتراض معقول إن كانت معلوماتك سطحية في أساسيات الفيزياء. الجواب بسيط جدّاً، فبعد موت الشخص فإنَّ الطاقة في جسده تذهب إلى حيث تذهب طاقة جميع الكائنات بعد الموت أي إلى البيئة، حيث تنطلق الطاقة في الطبيعة وتنتقل للحيوانات التي تأكلنا (الحيوانات البرية إذا لم يتم دفن الجثة، والدود والبكتيريا في حال الدفن) وإلى النباتات التي تمتصنا، أي أنَّه ليس هناك "طاقة" جسدية سحرية أو خارقة للطبيعة وقادرة على التواجد بمفردها.

وبالمقابل، يقول بعض المحققين إنَّ الشبح يمكن أن يكون شكلاً من أشكال الإسقاط النفسي للعقل البشري.. والفرضيتان كلتاهما لا يدعمهما علم الفيزياء والطاقة ولا علم النفس والأعصاب، عدا عن أن من يفترض وجود هذه الطاقة يرفق فرضه دائماً بنفي إمكانية قياسها بالطرق العلمية التجريبية، وهذا أحد أعمدة العلم الزائف: عدم القابلية للقياس وعدم قابلية الدحض.

في الحقيقة فإنَّ الملايين من الناس مهتمون بالأشباح على نطاق واسع، وفي استطلاع لـ Gallup عام 2005 وجد أنَّ 37% من الأمريكيين يؤمنون بالمنازل المسكونة وما يقرب النصف منهم يؤمنون بالأشباح بشكل عامّ.

- ولكن هل رؤية الشيء أو سماعه هي دليل فعلي وحقيقي على وجوده؟

الإجابة هي، ليس دائماً! .. فشهادات الأفراد ليست دائماً موثوقة، حيث يميل الناس أحياناً إلى تخيل أحداث غير حقيقية أو تفسير المشاهدات بطريقة خاطئة لملء الفراغات في ذاكرتهم، وقد يعتقد البعض أنَّ ما يشاهدونه توهماً بين اليقظة والنوم أو في حالات نفسية معينة هو حقيقية مؤكدة في حين أنه قد يكون مجرد خيالات وأوهام.

الكثير من الناس يقومون بتقديم تقارير حول المنازل المسكونة ويُرفقون التقرير بقولهم إنَّهم شعروا بوجود غريب وانخفاضٍ في درجات الحرارة بالإضافة لسماعهم لأصواتٍ غريبة، والحقيقة أنَّ هذه الأحداث موجودة فعلاً في المباني القديمة التي تميل لكونها متهالكة، فالعلماء الذين قاموا بالتحقيق في الأماكن المسكونة حسبوا حسابهم للتغيرات في درجات الحرارة ووجود الأصوات من خلال إيجادهم لمصادر فيزيائية مادية لما يحدث مثل المساحات الفارغة وراء الجدران أو التيارات الصوتية ذات التردد المنخفض. مثلاً، يدعي العديد من الأشخاص أنهم يسمعون أصوات صرير الأبواب، النقر، الارتطام، أو غيرها من الأصوات، وبالطبع فتفسير هذه الظواهر هو مجرد تغييرات فيزيائية حيث يصدر صرير الخشب نتيجة انكماش الخشب الناجم عن تغير درجة الحرارة، أو بسبب الرياح أو فروع الأشجار التي تحتك بالجدران والنوافذ.

من الأماكن المشهورة والتي اكتسبت سمعة سيئة وشهرة سياحية بسبب الادعاء أنها مسكونة نذكر:

Borley Rectory في بريطانيا والذي تمّ هدمه

برج لندن في بريطانيا أيضاً

Waverly Hills Sanitorium في الولايات المتحدة الأمريكية

وغيرها الكثير.

لقد تم الإبلاغ عن الأشباح التي تشبه الناس في فترات زمنية عديدة ولكنَّ أكثر الإبلاغات شيوعاً هي من الماضي القريب أو من وقتٍ تاريخيٍ معروف مثل جنود بزي رسمي ونساء بزي فيكتوري، ولكن لماذا ترتدي الأشباح الملابس إذا كانت أرواحاً بشرية؟ لماذا تظهر مرتدية ملابس واكسسوارات مثل القبعات والعصي؟ ولا يمكننا أن ننسى التساؤل: لماذا توجد أشباح لقطارات وسيارات وعربات وهي لا تملك طاقة حياة؟ ولماذا ترتدي أغلب الأشباح اللون الأبيض؟

يمكننا الإجابة عن السؤال الأخير بأنَّ هذا الاعتقاد سائد بسبب لون الكفن الذي يُغطَّى به جسد الميت ما عدا الوجه، لذا يعكس الناس توقعاتهم المسبقة على المشهد كي تكتمل في أذهانهم صورة "الشبح" النموذجية.

هناك العديد من التناقضات الكامنة في الأفكار المتعلقة بالأشباح، فعلى سبيل المثال ماديتها من عدمها، فهي إمّا أنَّها تستطيع التحرك عبر الأجسام الصلبة بدون التفاعل معها أو أنَّها تستطيع التأثير عليها وصفق الأبواب ورمي الأشياء في أنحاء الغرف، يفترض الناس طبيعة مزدوجة للشبح كي تناسب قصص الأشباح اي أحداث غامضةٍ لا يجدون لها تفسيراً، فيطبقون مغالطة: الحجة من الجهل argumentum ad ignorantiam، وهي في حال عدم توفر أدلة كافية لإجابة سؤالٍ ما، فيقوم أحدهم بتقديم أيّ إجابةٍ يرغبها بالاعتماد على جهل الناس والفجوة في الأدلة، وهكذا فأيّ ظاهرةٍ غير مفسرة وغير موثقة يتمّ نسبها إلى الأشباح.

إذاً فهل الأشباح كياناتٌ مادية قابلة للقياس أم غير مادية؟ كيف يمكن لها إصدار أصوات خطوات على الدرج؟ أو كيف يمكن لكيان دون أعضاء وحبال صوتية أن يُخرج كلاماً أو صرخات؟ وكيف يمكن لأصوات لا يمكننا سماعها أن تسجل على آلة تسجيل؟

للكشف عن هذه الظواهر الليلية يأتي عادة الكثير من المحققين في الظواهر الخارقة إلى الأماكن التي يُقال أنّها مسكونة أو إلى المستشفيات المهجورة والمقابر وغيرها من الأماكن المشكوك بها، مُحمَّلين بفناجين القهوة والكشافات وبمعدات عالية التقنية مثل عدادات جيجر، أجهزة الكشف عن المجال الكهرومغناطيسي EMF وكاشفات الأيونات وكاميرات الأشعة تحت الحمراء والميكرفونات الحساسة، ولكنَّ أياً من هذه المعدات قد كشف عن الأشباح بشكلٍ حقيقي.

يستخدم آخرون المنهج المعاكس تماماً، مُدّعين أنَّ السبب في أنَّ الأشباح لم يتم إثبات وجودها هو ببساطة لأننا لا نمتلك التكنولوجيا "المناسبة" لإيجاد عالم الأرواح والكشف عنه، فكيف يستخدم نفس الأشخاص الذين يقدمون هذه الحجة بعض الصور الغامضة من كاميرات وتسجيلات فيديو كأدلة على وجود الأشباح، وفي ذات الوقت يدّعون أن التكنولوجيا عاجزة عن الكشف عنها؟ إما أنَّ الأشباح موجودة وتظهر في عالمنا المادي الحقيقي وبذلك يمكن كشفها وتسجيلها في الصور والأفلام وأشرطة الفيديو وتسجيلات الصوت، أو أنّها لا توجد.

إذا كانت الأشباح موجودة ويمكن الكشف عنها أو تسجيلها بشكل علمي فإنه علينا إيجاد أدلة أقوى على ذلك، وإذا كانت موجودة ولا يمكن أن يتم الكشف عنها أو تسجيلها بشكل علمي فالنتيجة هي أن كل الصور وأشرطة الفيديو والتسجيلات الأخرى التي يُدّعى أنها دليل على وجود الأشباح لا يمكن لها أن تكون كذلك.

من الجدير بالذكر أيضاً أنَّ إيمان البعض بوجود الأشباح يُعزى لتجارب "غامضة" مرّوا بها ولم تُفسّر منطقياً، كحالة شلل النوم التي نُسبت لشبحٍ شُهر باسم الجاثوم (لجثومه على جسد النائم مما يسبب الشلل)، لكنَّ السبب الحقيقي هو الاستيقاظ المفاجئ من مرحلة النوم ذي حركات العين السريعة!

إنّ الإيمان بالأشباح ليس مثيراً للسخرية بل هو فكرة إنسانية مشتركة، وعندما تلهو حواسنا وعقولنا بتصوراتنا قد يكون ذلك مبرّراً لتصديق التجارب الخارقة للطبيعة، ولكنَّ السيء أنّ معظم الناس لا يستوعبون أنّ حواسنا يمكنها وسوف تخوننا حتماً، فنحن بفضل أدمغتنا قد نًخدَع فنعتقد أننا نرى ونسمع ونشم ونحس بأشياء غير موجودة. وعندما تتم مطاردتنا بوابل من الرسائل الإعلامية عن الأشباح المقدمة على أنّها واقعية فعندها من السهل تصديق الاعتقاد خصوصاً عند تقبل واعتناق المجتمع والثقافة لتلك الفكرة.

حتى الوقت الحالي، فإنَّ الأدلة على وجود الأشباح محصورة في الحكايات والقصص التي يتداولها الناس مفترضين أنّها حدثت لهم أو سمعوها من غيرها، وهذه الحكايات نادراً ما أُكدت من المستمع لأنّها تحدث في محادثة عارضة حيث أنّه من التهذيب قبول ادّعاء الشاهد بصحتها.

ومهما يكن فإنّ البشر يرتكبون عدداً غير معقول من الأخطاء في الإدراك والذاكرة، فدماغنا مملوء بكثير من المعلومات المستندة على اعتقادات أو تجارب سابقة، وذاكرتنا ليست كشريط فيديو، وحواسنا سهلة الخداع، فهذا يؤدّي إلى اعتبارنا كبشر أداة قياس سيئة وغير موثوقة.

والأدلة الأخرى التي نوهنا لها سابقاً والتي تتضمن الصور والأفلام والتسجيلات يتم في أغلب الحالات كشف الخداع والهفوات الحاصلة عند تسجيلها والتقاطها، فهي تعتبر بشكل أشمل للتسلية والترفيه و"الدراما" وليست أدلة. فهل يمكننا الاعتماد على هكذا نوع من الأدلة هشّة الأساس؟ طبعاً لا.

نحن نعلم أنَّ الأدلة العلمية هي التي يمكن أن تعطينا جواباً شافياً، لذا لنأمل أن يجد العلم قريباً تفسيراً وافياً لظاهرة الأشباح المثيرة للاهتمام.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- تشارلز إم وين، آرثر دابليو ويجنز، الطفرات العلمية الزائفة، 2011.

5- هنا