الفيزياء والفلك > فيزياء

طريقة جديدة تهدف للتحقق من عدم ثبات سرعة الضوء

سرعة الضوء c هي إحدى الثوابت المشهورة في الفيزياء، والتي تبلغ قيمة تقارب 300 مليون متر بالثانية خلال الفراغ. لكن بعض النظريات البديلة في علم الكونيات تقول إن سرعة الضوء ليست بثابتة؛ فهي متغيرة عبر الزمان والمكان، على الرغم من أنه حتى الآن لا وجود لبيانات رصد تدعم فكرة الاختلاف في سرعة الضوء.

لكن ورقة علمية جديدة أقترح من خلالها عدد من الفيزيائيين طريقة تمكننا من تسجيل التغيرات في سرعة الضوء إن وجدت، وعرضوا تجارب مستقبلية قد تكون قادرة على التحقق من تلك التغيرات لو كانت كبيرة بما يكفي. الفيزيائيون "زلزانو" و"دبروسكي" و"لزكوز" من جامعات اسبانيا وبولندا نشروا ورقتهم المتعلقة بقياس تغيرات سرعة الضوء مؤخراً في مجلة Physical Review Letters.

يقول "زلزانو" بأنه في حال توفر البيانات المحصول عليها من البعثات المستقبلية فإن نموذجهم وطريقتهم المقترحة ستكون قادرة على التحقق من التغيرات في سرعة الضوء بنسبة 1% على أقل تقدير وقد تصل إلى 0٫1% على أفضل تقدير. ويضيف ذلك الفيزيائي بأن طريقتهم الجديدة تتميز عن غيرها بأنها تعتمد على القياس المباشر لسرعة الضوء ضمن المستوى الكوني، مع أقل عدد ممكن من الافتراضات المتعلقة بديناميكيات الكون.

لكن ما هي تلك الطريقة الجديدة؟ إنها طريقة تعتمد على إجراء مراقبة ورصد الذبذبات الصوتية للباريونات، (الباريونات هي جسيمات تتألف من ثلاث جسيمات أولية تدعى الكواركات ومن تلك الجسيمات البروتونات والنيوترونات والتي يتكوّن منها قسم كبير من المادة المرئية المتوفرة في الكون) ويترافق ذلك الإجراء مع استعمال علاقة رياضية سنذكرها فيما بعد. الذبذبات الصوتية الباريونية ترجع لتجمع المادة الباريونية في الكون والتي أدت إلى بُنى ضخمة كالمجرات مثلاً.

لقياس مسافة جسم بعيد في الفضاء على العلماء حساب الانزياح نحو الأحمر (وهو ازدياد طول الموجة الكهرطيسية القادمة من جرم سماوي نتيجة ابتعاده عنا) لهذا الجسم منذ أن بدأ الكون في التوسع، وهم يفعلون ذلك باستخدام مسافة القطر الزاوي(مقياس مسافة مستخدم في علم الفلك) الذي يزداد بازدياد الانزياح نحو الأحمر حتى يصل إلى نقطة دعاها العلماء بالانزياح نحو الأحمر الأعظمي حيث يبدأ بعدها بالانخفاض. لا يُعرف بالضبط قيمة الانزياح نحو الأحمر الأعظمي لأن ذلك يعتمد على النموذج الكوني المستعمل بالقياس، لكنه يتراوح بين قيمتين 1٫4 و 1٫8.

ذكرنا سابقاً أن الطريقة الجديدة تعتمد كذلك على علاقة رياضية، تلك العلاقة الرياضية نستعملها بعد أن نكون قد قدرّنا قيمة الانزياح نحو الأحمر الأعظمي، فعند تلك القيمة سيكون باستطاعة كل من مسافة القطر الزاوي DA وتابع هابل H أن يعطونا سويةً ومن خلال العلاقة الرياضية قيمة سرعة الضوء. العلاقة الرياضية هي: DA . H = C ونلاحظ من هذه العلاقة أن مسافة القطر الزاوي تلعب دور المسافة أما مقلوب تابع هابل فيلعب دور الزمن.

الفيزيائيون كانوا قادرين باستعمال بيانات رصد مسافة القطر الزاوي وتابع هابل من حساب الانزياح نحو الأحمر الأعظمي وذلك فقط من أجل قيمة أقل من 1٫6 تلك القيمة يمكن أن تستعمل في العلاقة الرياضية السابقة ونقدّر من خلالها أي تغير ممكن في قيمة سرعة الضوء.

الأبحاث المتعلقة بتغير سرعة الضوء لم تقتصر على ما سبق، بل إن الفيزيائيون سوف يتحققون أيضاً من احتمالية وجود مثل تلك التغيرات باستعمال تجارب مستقبلية، ومن تلك التجارب مثلا مركبة الفضاء "Euclid إقليدس"، والتي من المزمع إطلاقها في عام 2020، ويتنبأ الفيزيائيون بمقدرة المركبة Euclid على التحقق من وجود تغيرات بمقدار 1% فما فوق وبدقة معقولة. لكن من أجل تغيرات أصغر من النسبة السابقة فإن التحقق من ذلك سيكون اكثر صعوبة، وحتى الآن تشير الملاحظات إلى أن أي تغير مُحتمل في سرعة الضوء سيكون على الأغلب بنسبة أقل من 1% ومع ذلك فإن مركبة Euclid وأبحاث استقصائية أخرى لا تزال لديها فرصة للكشف عن تغيرات أصغر لو كانت أخطاء قياسات الرصد صغيرة بما فيه الكفاية.

يضيف "زلزانو" بأن طريقتهم ستكون مناسبة تقريباً لعمل المركبة Euclid على الرغم من أن الطريقة قد تعطي أفضل نتائجها مع تجربة مصممة كلياً لها، لكن مع ذلك فإن تلك الطريقة ممكن أن نطبقها على بيانات Euclid بشكل واضح جداً.

فريق الباحثين متأكد من الحصول على بعض النتائج، وتلك النتائج إما أن تكون إيجابية بمعنى أنها تؤكد التغير في سرعة الضوء أو أنها تؤكد ثباتها، وكلا الاحتمالين لو جرى التأكد من أحدهما سيكونان على نفس القدر من الأهمية في فهم الكون والتحقق من صلاحية النظرية النسبية لانشتاين.

التحقق من وجود تغيرات واختلافات في سرعة الضوء قد يكون له تبعات مثيرة جداً، فلو كانت سرعة الضوء مختلفة في الماضي البعيد عن ما هي عليه الآن فإن هذا يعني وجود عواقب لذلك على مستقبل الحياة في كوننا. كما أنه قد يتم اكتشاف بعض المناطق الجديدة في كوننا أو حتى أكوان أخرى بخواص فيزيائية تختلف عن ماهي عليه في كوننا، فمثلاً إشارات الراديو والتلفاز والهاتف المحمول قد تكون أبطأ من ما هي عليه على الأرض. ففي تلك المناطق المُفترضة لو كانت سرعة الضوء أقل فإننا سوف نرى أقل عن كوننا، أما لو كانت أكثر فنحن سوف نرى أكثر وأكثر عن كوننا.

المصدر:

هنا

هنا