الطب > علوم عصبية وطب نفسي

ما أهمية التمارين الرياضية لمرضى داء باركنسون؟

التمارين الرياضية هامّة للجميع لتحقيق حياة صحية، والأشخاص الذين يمارسون الرياضة بشكل مكثّف كركوب الدراجة أو الجري تقلّ لديهم التغيرات التي تصيب الدماغ مع التقدّم بالعمر، أمّا بالنسبة للمرضى المصابين بداء باركنسون فالتمرين ليس هامّاً فقط للصحة وإنّما يشكّل عنصراً حيويّاً لتحقيق التوازن والفعالية الحركية والقيام بالنشاطات اليومية، كما يُصبح المريض نشيطاً ورشيقاً ويتحسّن التوازن والتنسيق الحركي لديه.

أجمعت كُل مراكز الأبحاث على أهميَة التمارين الرياضية وتحقيقها فوائد جمّة للمرضى بداء باركنسون، فممارسة التمارين مُرتبط بتحقيق إحساس أفضل لدى المريض عبر مراحل المرض وقساوتهُ، ويوجد إجماع مُتزايد بين الباحثين حول الفوائد القريبة والبعيدة للرياضة على المرضى، والتي تتجلى بناحيتين رئيسيتين:

أولاً: تدبير الأعراض، فالتمرين يُحسّن المشي والتوازن والرعاش والمرونة وقوة قبضة اليد والتنسيق الحركي لدى المرضى.

أظهر كل من استخدام جهاز المشي وركوب الدراجة فوائده هامة، وكذلك ال tai chi واليوغا (اللتان لا تزالان تتطلبان المزيد من الأبحاث) فهما يعززان التواصل العقلي- الجسدي.

ثانياً: إمكانيّة إبطاء تقدّم المرض، فهناك إجماع قوي بين الأطبّاء والمعالجين الفيزيائيين بأنّ تحسين الفعالية الحركية يقلّل من خطر السقوط ومن الأعراض الأخرى للمرض، وبتجنّب الأعراض يمكن تجنّب بعض الأمور التي يمكن أن تجعل حالة المريض أسوأ.

وبناءً على ذلك يوصي العديد من أطباء الأعصاب في مركز NPF مرضاهم بالتمرين بشكل كثيف، وليس فقط للمرضى وإنّما أيضاً للأصحّاء الذين لديهم أقارب مُصابون حيث للعامل الوراثي دورٌ في حدوث المرض.

يقول أحد أطباء الأعصاب أنّه يطلب ممن لديهم قريب مُصاب بالمرض بأن يتمرَنوا 300 دقيقة في الأسبوع وأن يكون نصف هذا الوقت - على الأقلّ - جري شديد أو ركوب دراجة.

والجدير بالذكر أنّه من خلال الدراسات على الحيوانات المصابة بداء باركنسون تبيّن أنها أيضاً تتحسّن بممارسة التمارين.

_كيفيّة الاستفادة من التمرين بالشكل الأمثل:

الطريقة المُثلى لتحقيق الفائدة هي ممارسة التمارين بأسس ثابتة وفق برنامج معيّن، فالمرضى المُلتحقون ببرامج التمارين لأكثر من ستة أشهر - بغض النّظر عن كثافة التمرين - حققوا مكاسب كبيرة بالتوازن الوظيفي والفعالية الحركية لديهم مقارنةً بالملتحقين بالبرامج الأقل مدّة.

ولكن، عندما يتعلّق الأمر بالتمارين وداء باركنسون فكثافة أكبر في التمرين تعني فوائد أكثر، حيثُ يوصي الخبراء الأشخاص المصابين بالمرض - وخاصة المرضى من فئة الشباب أو الذين بالمراحل الأولى للمرض- بالتمرّن بكثافة لأطول مدّة ممكنة وكلّما كان ذلك ممكناً، ويُقصد بالتمرين المُكثّف التمرين الذي يجعل معدّل نبضات القلب يزداد والتنفس ثقيلاً.

ربما يقترح عليك الطبيب ساعة من التمرين يومياً لثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، لكنّ يعتقد معظم الباحثون أنّك كلما تمرّنت أكثر كلما استفدت أكثر.

_كيف تستطيع التمارين إحداث التغيّر على الدماغ؟ وماذا يحدث للدماغ حتى تنتج هذه الفوائد الواضحة؟

راقب باحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية (Fisher et al) أدمغة الفئران التي تم تمرينها، فوجدوا أن التمرين لم يغير كميّة الدوبامين ولا كميّة الخلايا العصبيّة في دماغ هذه الحيوانات، بل أصبحت خلايا الدماغ تستخدم الدوبامين بكفاءة أكبر، كما لاحظوا أن التمارين طوّرت هذه الكفاءة بتعديل المناطق الدماغية حيث تُستقبَل إشارات الدوبامين (المادّة الرمادية والعقد القاعدية).

ووجد العلماء في جامعة "Pittsburgh" من خلال أبحاثهم على الحيوانات أنّ التمرين الحثيث وزيادة عوامل عصبية مفيدة وبخاصة GDNF (عامل النمو المستمدّ الدرقي) يٌقلَلان من حساسية وقابلية الخلايا العصبية - التي تستخدم الدوبامين - للتخرُّب.

تحدث ظاهرتان على الأقلّ على المستوى الجزيئي تجعلان استخدام الدوبامين أكثر كفاءة:

ينتقل الدوبامين عبر منطقة بين خليتين دماغيتين قريبتين تدعى "المشبك"، وعمليّة الانتقال هذه تُدعى "الإشارة" وهي ضرورية للوظيفة الطبيعية، ومن ثمّ ولإنهاء الإشارة يقوم بروتين معقّد يدعى "ناقل الدوبامين" باسترجاع الدوبامين من المشبك.

في البداية وجد باحثوا جامعة (Fisher et al) أنّ الحيوانات التي تم تمرينها تمتلك كمية أقل من ناقل الدوبامين، وذلك يعني بقاء الدوبامين في المشابك لمدّة أطول وبالتالي استمرار إشارات الدوبامين لمدّة أطول.

ومن ناحية أخرى، وجدوا أن مناطق ربط الدوبامين في الخلية - والتي تُدعى مُستقبلات الD2 - أصبح عددها أكبر لدى الحيوانات المُدرّبة وفي هذه المُستقبلات يتمّ استقبال إشارة الدوبامين وبالتالي أصبح يمكن استقبال إشارة أكبر.

ثمّ قاموا بدراسة مستقبلات الD2 على مجموعة من البشر المرضى - الذين كانوا خلال السنة الأولى من التشخيص ولا يأخذون أي دواء - وباستخدام تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)، وجدوا أنّ التمرين لدى البشر أيضاً يزيد من مستقبلات الD2.

_من الأفضل القيام بالتمارين قبل حدوث الأعراض الحركية الكبرى للمرض، لأنّ هناك نوع معين من الخلايا العصبية المُنتجة للناقل العصبي "الدوبامين" تتخرّب وتتبدّد، ولكن تكمن المشكلة بوجود تأخر زمني بين موت الخلايا العصبية وبدء ظهور الأعراض الحركية للمرض، لذلك ينصح الأطباء الجميع سواء من المرضى أو الأصحّاء بممارسة الرياضة بشكل منتظم.

معظم المرضى يتم تشخيص المرض لديهم بعد موت حوالي 40-60 % من الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين، ويعود سبب عدم ظهور الأعراض الحركية لدى المرضى حتى هذه المرحلة إلى أنّ الدماغ يعوّض هذا النقص بالخلايا العصبية الدوبامينية عن طريق التأقلم التدريجي مع الوضع، ففي الحقيقة يستطيع الدماغ التغيير والمعاوضة خلال الحياة استجابةً للظروف، ويدعو العلماء هذه القابلية للتغير والتعويض - بحسب الظروف - بالمرونة العصبية.

إنّ كُل أنواع التمارين مفيدة مهما كانت، وأيّ تمرين تقوم به بدون أذيّة نفسك سيكون مفيداً، ولكن من الضروري أن تأخذ مشورة طبيبك الاختصاصي وتقوم بالفحوص اللازمة وأن تبدأ بشكل بطيء وخفيف أولاً، ولعلّ السباحة والجري والرقص والملاكمة وركوب الدراجة من الأنواع التي أثبتت فوائدها على المرضى، كما تدعم بعض الأدلّة فكرة أن ركوب الدراجة يحمل منافع خاصة لمرضى باركنسون.

إنّ برامج التمرين تهدف لتحقّق توازن العديد من معايير اللياقة البدنية المختلفة، مثل: القوّة، التوازن، التنسيق، المرونة والقدرة على التحمّل، والعديد من هذه البرامج تستهدف تحقيق المكاسب السريعة من خلال التركيز على تطوير القدرات الوظيفية والفعالية الحركية، وكما تتنوّع هذه البرامج بحسب الأنشطة المكونة لها.

قد تتضمن برامج التمرين: استخدام جهاز المشي ودعم وزن الجسم، تمرين رياضي مكثّف، الآيروبيك واليوغا، ممارسات استراتيجيات الحركة ومشاركة التمرين مع الآخرين، حيث وجد العديد من الأشخاص أنّهم يُحقّقون نجاحاً أكبر عندما يتمرنون مع شخصٍ آخر، لذلك من الأفضل للمرضى المصابين في المراحل الأولى أن يتمرَنوا في جو جماعي حيث يمكن تقديم المساعدة لهم إنْ احتاجوها، أمّا الذين أثّر المرض كثيراً على حركتهم فالعمل مع الطبيب هو الأمثل بالنسبة لهم لممارسة برنامجهم الرياضي.

*Tai Chi : فن حربي وهو أحد الفنون القتالية المشهورة في الثقافة الصينية، ويعود هذا الفن إلى عهد قديم وهو مشابه لملاكمة الظل.

المصادر:

هنا

هنا

حقوق الصورة:

هنا