علم النفس > الأطفال والمراهقين

تأثير الفقر على نمو أدمغة الأطفال.

يعتقد الباحثون أنَ الأوبئة و الكوارث التي غزت الكثير من البلدان، بالإضافة الى ارتفاع عدد السكان بشكل ملحوظ حول العالم، أدّى بالسياسيين و الاقتصاديين -و لحسن الحظ- العلماء أيضاً إلى مناقشة أسباب تفشي الفقر و ارتفاع مستوياته في العالم و إلى إيجاد الحلول المناسبة للحد منه. إلّا أنّ النتائج السلبية المـتأتيه من عدم التساوي في الدخل والوضع الاجتماعي بين البشر لم تعد مجرّد مسألة بسيطة يمكن تجاوزها، فدراسة حديثة أجريت بخصوص هذا الموضوع بينت أنّ الإختلاف في الدخل المادي و التعليم لدى العائلات في البلد الواحد، مرتبط مباشرة بحجم الدماغ و تطور نموّه لدى الأطفال و البالغين. و بالتالي قد توفر هذه النتائج سبباً جديداً لضرورة مكافحة الفقر واتخاذ إجراءات مبكرة ضده.

لطالما وجد الباحثون أنّ أطفال الأُسر ذات الوضع الإجتماعي و المادي الجيد، يبلون بشكل أفضل في عددٍ من الأمور المعرفية، كالحصول على درجات عالية في اختبارات الذكاء و القراءة و استخدام أدوات اللغة، بالإضافة إلى قدرتهم على توجيه انتباههم الكامل على إنجاز المهمات الموكلة إليهم. و قد بيّنت العديد من الدراسات في الآونة الأخيرة أيضاً أن بعض مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة و المهارات اللغوية لدى الأطفال من ذوي المستوى الإجتماعي و المادي الجيد، تبدو أكبر حجماً أو أكثر تطوراً أو كليهما معاً مقارنةً بمثيلاتها عند الأطفال من العائلات الأقل دخلاً، ولو أن تلك الدراسات افتقرت الى بعض المبادئ، كعدم التمييز بين المستوى الاجتماعي المادي لهؤلاء الأطفال و بين خلفياتهم العرقية. كما أن دراسات قليلة فقط اعتبرت العلاقة بين الدخل المادي ومستوى تعليم الوالدين عوامل مستقلة رغم اختلاف تأثيرها على نمو دماغ الطفل. فالدخل المادي الجيد يعني موارد مادية أفضل كالطعام الصحي و الرعاية الطبية الجيدة. في حين العائلات ذات المستوى التعليمي العالي أكثر قدرة على تعزيز التنمية الفكرية عند أطفالهم.

في الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة 'Nature Neuroscience'، قام فريق من الباحثين برئاسة كيمبرلي نوبل من جامعة كولومبيا وإليزابيث سويل من مستشفى لوس انجلوس للأطفال في ولاية كاليفورنيا، بعمل مسح لأدمغة عيّنة مؤلفة من 1099 من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 20 سنة ومن مختلف الخلفيات العرقية، التعليمية، والاجتماعية باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. بغض النظر على بعض تلك القيود المتعلقة بالمستوى التعليمي و المادي للعائلة. حيث أتاحت فحوصات الرنين المغناطيسي الخاص بأدمغة الأطفال، قياس مساحة القشرة الدماغية المرتبطة بالإدراك المعرفي و المهارات اللغوية و إتمام المهام التنفيذية، والتي تبين أن نموها مرتبط بنمو الدماغ خلال مرحلتي الطفولة و المراهقة، و بالتالي تُعتبر مؤشراً دقيقاً لوضع القدرات الفكرية لدى الأطفال و المراهقين على حدٍ سواء. كما أشارت الدراسات السابقة التي تم إجرائها على كلٍ من البشر والحيوانات، أنّ القشرة الدماغية تنمو بشكل أكبر كنتيجة لتجارب الحياة، رغم أنّه للعوامل الوراثية دورٌ جزئيٌ في نموّها.

- وقد أوضحت نتائج الدراسة التي توصّل اليها الباحثان أنّ المساحة السطحية للقشرة الدماغية مرتبطة بالأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية للعائلة. حيث أشارت الدراسة أنّ المساحة الكلية للقشرة الدماغية واستجابة المراكز الدماغية المرتبطة بمهارات اللغة و القراءة و انجاز المهام التنفيذية عند الأطفال، متعلّقة أيضاً بالوضع التعليمي للوالدين- أي عدد السنوات الدراسية التي قضاها الوالدين في المدرسة-. فبشكل تقريبي، تبين أنّ مساحة القشرة الدماغية عند الأطفال ذوي الوالدين الحاصلين على التعليم الثانوي- أي 12 عام من التعلّم أو أقل- أصغر حجماً بنسبة 3% عن أولئك من ذوي الوالدين أصحاب التعليم العالي- أي 15 عاماً من التعلّم أو أكثر.

علاوة على ذلك، استعرض الباحثون من خلال الدراسة، الإرتباط الوثيق بين معدّل نمو القشرة الدماغية عند الأطفال و مستوى الدخل المادي للأسرة. حيث توصل الباحثان نوبل و سويل إلى أنّ التباين بين مستويات الدخل المادي له تأثير دراماتيكي على نمو الدماغ لدى الأطفال، فعلى سبيل المثال تظهر مساحة القشرة الدماغية عند الأطفال المنتمين الى عائلات أمريكية دخلها المادي 25,000$ سنوياً أو أقل، أصغر بنسبة 6% من أولئك المنتمين لعائلة دخلها السنوي أكثر من 150,000$!

وأما بما يخص الخلفية العرقية للأفراد، فلم تبين الدراسة وجود أي فروقات بين المشاركين في الدراسة، ويقول الباحث نويل تعقيباً على ذلك:

"إنّ معايير الربط بين الوضع الإجتماعي و الإقتصادي لدى الأفراد و بين بنية الدماغ لديهم يمكن تطبيقها على الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية، و بالتالي لا يمكن ربط العرق أو أصل الإنسان بمساحة القشرة الدماغية لديه".

يوّضح الباحثان في دراستهما حول هذا الموضوع، أنّه على الرغم من وضوح العلاقة بين المستوى الإقتصادي و الإجتماعي لدى الأسرة و بين حجم القشرة الدماغية لدى أطفالها، إلّا أنّ الأسباب الكامنة وراء هذا الإرتباط غير واضحة إلى الآن. قد يكمن السبب في أنّ الوضع الإجتماعي و الإقتصادي المتردي للعائلة ينجم عنه تراكم الضغوط الأسرية و زيادة التعرّض للسموم البيئية بالإضافة إلى عدم حصول الأطفال على التغذية المناسبة، مما يمكن أن يحول دون نمو الدماغ بالشكل الطبيعي لدى الأطفال. في حين أنّ الأطفال من ذوي العائلات ذات المكانة الإقتصادية و الإجتماعية الأعلى، قد يكونوا أكثر تعرضأ لمزيد من التحفيز المعرفي من والديهم. كما يركز الباحثون بشكل خاص على أنّ حجم القشرة الدماغية لدى الأطفال ذوي العائلات منخفضة الدخل متدني بصورة خاصة، مما يدل على أنّ كل التدابير التي تتخذها العائلة لزيادة الدخل يمكن أن تُحدث تأثيراً واضحاً في كلٍ من حجم الدماغ و الإنجازات الفكرية عند أطفالهم، حيث تستغرق مرحلة تطور الدماغ عند الأطفال فترتي الطفولة و المراهقة، وإن إثراء بيئة الطفل بالمحفزات الفكرية خلال أي ِّمرحلة من مراحل نمو دماغه، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في قدراته العقلية و الإدراكية.

من جهة أخرى، يشير الباحث ايان ديري و هو طبيب نفسي في جامعة ادنبره في المملكة المتحدة و المعروف باختصاصه في اختبارات الإدراك، إلى أنّ الدراسات الحديثة خَلُصَت إلى أنّ العوامل الوراثية و البيئية ذات تأثير واضح على الوضع الإجتماعي و الإقتصادي للأسرة أيضاً

تقدم هذه الدراسة فوائد عديدة من خلال تأكيدها على أهمية محاربة الفقر والوضع المادي المتدني للأطفال حول العالم في سبيل الحرص على نموهم العقلي والنفسي السليم و تحقيق استثمار أفضل لقدراتهم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

مصدر الصورة:

هنا