الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

الساعة الأكثر دقة في العالم ج2

سنعرض في ثلاثة أجزاء آخر ما توصل إليه العلماء في عملهم المتواصل منذ سنوات طويلة لاختراع الساعة الأكثر دقة في العالم.

تحدثنا في الجزء الأول عن الساعات الذرية باعتبارها أكثر الساعات الدقيقةانتشاراً ، نتابع في الجزء الثاني حديثنا عن الساعات الضوئية، تابعوا معنا هذا المقال ...

ما أهمية الحصول على ساعات تملك دقة عالية جداً ؟؟؟

بدأ في الوقت الحالي استخدام هذه الساعات الضوئية من قبل العلماء في عدة مجالات كالقياسات الفيزيائية الأساسية، وإجراء قياسات أفضل وأدق للاختلافات في السرع بين عدة نقاط على سطح الأرض وتأثير تغيرات الجاذبية على الزمن كما وصفها أينشتاين في النظرية النسبية العامة (Theory of general relativity). إن القدرة على قياس مثل هذه التشوهات والاضطرابات تبدو محدودة، لكن من المتوقع أن تملك تطبيقات أكثر أهمية في المستقبل القريب لعل من أهمها إمكانية إعادة تعريف الوقت.

تعتبر إمكانية العمل عند ترددات عالية من أهم ما يميز الساعات الذرية الضوئية لأن هذا المجال يقلل من حالة ضجيج الإسقاط الكمي (Quantum Projection Noise QPN) ويقلل أيضاً من عدة عوامل تسبب حالة انزياح تردد الساعة كتأثير الحقول الكهرومغناطيسية الخارجية المتولدة من الأرض والمعادن القريبة، وقد تم تطوير أولى هذه الساعات في بدايات الثمانينات وصولاً إلى يومنا هذا حيث أصبح بالإمكان بناء هذه الساعات باستخدام عدة عناصر في حالتها الطبيعية أو المتأينة مثل الزئبق (Mercury) والسترونيوم (Strontium) والكالسيوم (Calcium) واليتربيوم (ytterbium) والألومنيوم (Aluminum)، حيث تشترك جميع هذه العناصر المذكورة بامتلاكها ترددات تجاوب (Resonance Frequencies)عالية نسبياً وأكبر بحوالي 10 آلاف مرة من تردد رنين السيزيوم، ويعتبر استخدام الأيونات في بناء الساعات الضوئية مفضلاً لأنه يساعد في الحد من أثر دوبلر.

تملك الساعات الضوئية عدداً من العوائق بسبب طبيعتها، فعندما تكون جميع المعايير متشابهة عند المقارنة بين الساعات الضوئية وساعات السيزيوم يجب أن تقوم الساعات الضوئية بتخفيض نسبة QPN بحدود 0.01% أفضل من السيزيوم، لكن تصمم العديد من الساعات الضوئية على أساس الأيونات (مثل ساعات السيزيوم الذرية) وبسبب امتلاك الأيونات لطاقة فإن من السهل التقاطها لكن من السهل أيضاً أن تتصادم مع بعضها البعض عندما تكون المسافات الفاصلة بينها صغيرة جداً، مما يولد حركة يصعب التحكم بها وتسبب ظهور انزياح في التردد من جديد بتأثير دوبلر، ونتيجة لذلك، يتم في هذه الساعات عادة استخدام أيون واحد فقط مما يعطيها حالة استقرار تزيد 20 مرة عن استقرار أفضل ساعات سيزيوم، ودقة بحدود 25 مرة أكثر من أفضل ساعات سيزيوم.

وللاقتراب أكثر من عامل 10000 في الاستقرار المتوقع من الساعات الضوئية يجب علينا أن نجد طريقة لزيادة عدد الذرات في الساعات الضوئية بحيث تتجاوب عديد من الذرات في وقت واحد بطريقة تساهم في جعل القيمة الوسطى للضجيج QPN غير موجودة.

ويطمح العلماء باستخدام الساعة الضوئية الشبكية (Optical Lattice Clock OLC) لإمكان قياس ليس فقط عدة ذرات، وإنما حتى 10000 ذرة في وقت واحد، وهو أمر بالغ الصعوبة، حيث يتوجب العثور على طريقة تمكننا من تحقيق هدفين: جمع طاقم الذرات هذا بشكل محكم لتقليل تأثير دوبلر، والحصول على كثافة منخفضة جداً لتقليل حالة تفاعل الحقل الكهرومغناطيسي بين الذرات. تتحرك الذرات في شكلها البلوري بسرعة عالية جداً وترتبط بقوة مع بعضها، لذلك فإن أفضل طريقة للعمل هي خلق مواد اصطناعية شعرية خاصة.

يتم عند بناء الساعة الضوئية الشبكية OLC اتباع طرق مشابهة لتلك المتبعة في العديد اختبارات الذرة المُبَردة، حيث يتم تبطيء حركة هذه المجموعات وتبريد الذرات المحايدة بالليزر، ثم توضع في أنبوب مفرغ من الهواء (Vacuum Vessel) تمر فيه حزمة واحدة من الليزر تنعكس على نفسها فتحصل حالة من الازدياد في نموذج التداخل في مناطق الانعكاس فتتشكل شبكات ضوئية (Optical Lattice) مولدة آلافاً من الأضواء المسطحة الرقيقة والدائرية الشكل والتي تشبه شكل الفطيرة المسطحة (Pancakes)، حيث تتواجد الذرات ضمن الشبكة بسبب القوة الكبيرة التي تسحبه إلى تلك النقطة التي تملك كثافة ضوئية عظمى، ويمكن تشبيه الشكل الناتج بتوضع البيض ضمن الصندوق الكرتوني، وعند استقرار الذرات في مكانها يتم استخدام ليزر ساعة (Clock Laser) منفصل بقصد إثارة الذرات وبذلك يمكن قياس التردد الخاص بـ (Clock Transition).

تكمن الصعوبة في هذه التقنية بأنه من غير السهل إجبار الذرات على التوضع ضمن الشبكة، فالليزر الشائع رخيص الثمن يملك استطاعة تقدر بالميللي واط، في الوقت الذي نحتاج فيه لتشكيل شبكة قوية قادرة على التقاط وإمساك الذرات المحايدة إلى ضوء يملك استطاعة بعدة واطات، وبالتالي نحن بحاجة لاستخدام حزمة من أشعة الليزر ذات طاقة مرتفعة لكن مثل هذا الليزر قد يتسبب في حصول انزياح لتردد تغيير الحالة بعيداً عن حالته الطبيعية، وتتناسب قيمة هذا الانزياح مع كثافة الضوء اللازم للالتقاط، وهذه الكثافة من الصعب التحكم بها أيضاً حتى لو قمنا بمعايرة دقيقة، ويمكن الممكن أن تتسبب الإزاحة الكبيرة في التردد إلى جعل الساعة تفقد دقتها بشكل كبير بحيث تصبح أسوأ من أول ساعات سيزيوم تم اختراعها.

لاحظ عالم الفيزياء هيديتوشي كاتوري (Hidetoshi Katori) من جامعة طوكيو في عام 2000 أن كل مدار حول الذرة يستجيب بشكل مختلف لانزياحات الطاقة اعتماداً على طول موجة الضوء المستخدم في الالتقاط، وفي حال طول موجة محدد سمي بطول الموجة السحري (Magic Wavelength) تحصل حالة من الانزياح المتماثلة عند جميع المدارات وبالتالي يصبح اختلاف الطاقة بين أي مدارين متماثل، ويكون طول الموجة السحري الذي من أجله يصبح تردد الساعة ثابت للذرة التي تلتقطها الشبكة أو التي تبقى حرة، مختلف من عنصر لآخر، فعلى سبيل المثال: يكون في السترونميوم (Strontium) 813 nm (نانو متر) في مجال الأشعة تحت الحمراء للطيف الترددي، ويكون في اليتيربيوم (Ytterbium) 759 nm، وفي الزئبق (Mercury) 362 nm وهو يقع ضمن مجال الأشعة فوق البنفسجية للطيف الترددي.

يعتبر تطور الليزر المستخدم في الساعات من أهم عوامل زيادة دقة الساعات الضوئية الشبكية خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح طيفه الترددي أقل عرضاً بكثير (very narrow spectra) ويعتبر بشكل أساسي بمثابة شوكة صغيرة (Small Spike) عند تردد العمل، حيث نحتاج لمثل هذا الطيف الضيق لعملية البحث في المنطقة المحيطة بتردد الانتقال (transition Frequency) (الإزاحة) للساعة الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على معرفة تفاصيل عملية الانحراف التي تحصل لتردد الساعة والتي تؤثر علىى احتمالات الانتقال.

إن أفضل طريقة للحصول على طيف ضيق لأشعة الليزر تكون من خلال تمرير الأشعة في حجرة (Chamber) من المرايا، وتسمى تجويف فابري – بِروت (Fabry-Pérot cavity)، وبعد عدة ملايين من الارتدادات للشعاع ضمن هذه الحجرة، يتصادم الضوء الناتج عن الأطوال الموجية الدخيلة مع نفسه مما يؤدي لفناءه وحذفه، في حين يبقى ضوء الليزر الذي يملك طول موجة من مرتبة وحدة كسر (a unit fraction) طول الحجرة المميز، لكن هذه الطريقة ليست مثالية بسبب إمكانية تأثرها بالتقلبات الحرارية التي تتسبب بها الحجرة، لكن استطاع الباحثون في السنوات الأخيرة من إيجاد طرق تقلل من هذا التأثير من خلال زيادة طول الحجرة وتخفيف الارتجاجات وإجراء عملية تبريد للحجرة، فكانت النتيجة الحصول على ساعات ليزر أكثر استقراراً.اليوم أصبح بالإمكان خلال بضعة ثوان من تحضير وفحص ذرات الساعة،توليد تردد ساعة ليزر بحدود 429 THz (تيرا هيرتز) من خلال تدفق 40 ميلي هيرتز تقريباً عند استخدام حجرة نموذجية.

وبالتالي حالة الاستقرار التي كانت تتطلب يوماً كاملاً للتحقق في ساعات السيزيوم الذرية وتم تخفيضها لحدود عدة دقائق في الساعات الضوئية المتأينة (Optical-Ion Clocks)، أصبح من الممكن تحقيقها خلال ثانية واحدة فقط في الساعات الضوئية الشبكية OLC، في الحقيقة، فإن الأمر لم يتطلب أكثر من ثلاث سنوات منذ أول تطوير لاستقرار التردد في الساعات الضوئية الشبكية في المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا (U.S. National Institute of Standards and Technology) حتى أصبحت هذه الساعات تتصدر قائمة الدقة. وأكثر الأرقام المنشورة دقة يعود لساعات سترونميوم (strontium OLCs) التي حققت دقة تصل إلى 6.4 جزء من 1018.

* 1 femtosecond = 10¬¬¬¬-15 second

لمتابعة باقي الأحزاء:

الساعة الأكثر دقة في العالم ج1 r.syr-res.com/6081

المراجع:

[1] هنا?

utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A+IeeeSpectrum+%28IEEE+Spectrum%29

[2] هنا

مصادر الصور:

هنا

هنا

هنا

هنا