الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

الساعة الأكثر دقة في العالم ج1

سنعرض في ثلاثة أجزاء آخر ما توصل إليه العلماء في عملهم المتواصل منذ سنوات طويلة لاختراع الساعة الأكثر دقة في العالم.

سنتحدث في الجزء الأول عن الساعات الذرية باعتبارها أكثر الساعات الدقيقة انتشاراً تابعوا معنا هذا المقال ...

المقدمة والبدايات

حصل في عام 1967، انزياح دراماتيكي للوقت حيث زاد بمقدار ثانية واحدة. فتم إيجاد تعريف أكثر استقراراً ودقة للثانية بأنها الفترة اللازمة لتسعة مليارات و‏‏192 مليوناً و631 ألفاً و770 (9192631770) ذبذبة كاملة (دورة) من الإشعاع الذى ‏يصدره انتقال الإلكترون بين مستويين معينين للطاقة في ذرة السيزيوم-133. [2]

هذا التغيير الذي تم اعتماده بشكل رسمي من قبل النظام العالمي لواحدات القياس يعود للقفزة التقنية التي تم الوصول إليها في تلك الفترة، حيث كان يتم ضبط الوقت في وقت سابق منذ عام 1910 وحتى أواسط الخمسينيات بالاعتماد على مزامنة ساعات كوارتز (quartz) مع حركة الأرض حول الشمس باستخدام التلسكوبات وأدوات أخرى لإجراء قياسات دورية لحركة النجوم عبر السماء. لكن في عام 1955، استطاعت أول ساعة ذرية يتم بناؤها في مختبر الفيزياء الوطني في المملكة المتحدة، باستخدام ذرة السيزيوم أن تعطي نتائج دقة أفضل بكثير من الساعات المعروفة.

تطورت دقة الساعة الذرية منذ الستينات حتى اليوم، فقد كانت نسبة الخطأ فى الستينات ‏من القرن الماضي 1 ثانية كل 300 سنة [2] لتتحسن مع مرور الوقت، وزادت دقتها عشرات المرات بحيث أصبحت دقتها اليوم تصل لحدود خطأ 0.02 نانو ثانية في اليوم، أي أننا إذا أردنا حساب الخطأ في التوقيت الذي حدث منذ نشأة الأرض (منذ حوالي 4.5 مليار عام) فإنه يكون حوالي 30 ثانية تقريباً فقط !!!

رغم أن هذه الدقة تبدو ممتازة، لكن العلم استطاع الوصول إلى ساعات ذرية أفضل وأكثر دقة من ذلك باستخدام أشعة الليزر بدلاً من الأمواج الميكروية، حيث قام مجموعة من الباحثين منذ ستة أعوام بإنجاز أول نموذج لساعة ضوئية (Optical Clock) تعتمد على أيون واحد من الألومينيوم (Aluminum) أو الزئبق (Mercury) واستطاعت التفوق على ساعات السيزيوم.

نشأ اليوم فرع جديد منبثق من هذه التقنية يعتبر الأفضل ويسمى الساعة الضوئية الشبكية (Optical Lattice Clock OLC)، حيث تستطيع قياس آلاف الذرات الموجودة في مكان واحد بنفس الوقت باستخدام حزمة ليزر مركزة شديدة على عكس الساعة الضوئية وحيدة الأيون التي تستطيع في وقت معين إجراء قياس وحيد لتردد ما يخفض حالة عدم اليقين الإحصائي. استطاعت هذه الساعات الضوئية الجديدة في العام الماضي تجاوز الساعات الضوئية السابقة بدقتها واستقرارها، ومن المتوقع بمزيد من التطوير أن تصل دقة هذه الساعة إلى معدل خطأ لا يتجاوز ثانية واحد كل 13.8 مليار سنة !!!!!!!!!

بحسب قواعد ميكانيك الكم (Quantum Mechanics) فإن طاقة الإلكترون ضمن الذرة إضافة إلى أن طاقة الذرة ككل تكون محددة الكم، وبالتالي يستطيع الالكترون أن يُشغل مدار محدد حول نواة الذرة، ويمكن للالكترون أن يقوم بالقفز من مداره إلى مدار قريب أو أبعد عن النواة عن طريق إصدار أو امتصاص طاقة على شكل إشعاع كهرومغناطيسي (Electromagnetic)، وبما أن الطاقة مصانة فإن إصدار أو امتصاص الطاقة لا يحدث إلا إذا كانت طاقة الإشعاع عند تردد معين تكافئ فرق الطاقة بين المدارين الذين سيحصل بينهما الانتقال. وهذا يعتبر جوهر وأساس عمل الساعات الذرية التي تعمل على ذرات السيزيوم، حيث يتم معالجة الذرات بحيث تشغل الالكترونات المدارات ذات الطاقة المنخفضة، ثم يتم قذف الذرة بتردد محدد من الإشعاع الكهرومغناطيسي فيقفز الكترون إلى مدار ذو سوية طاقية أعلى وتسمى بحالة الساعة المُثارة (The excited clock state)، ويعتمد احتمال هذا التحول على مدى قرب تردد الإشعاع الذي يتم قذف الذرة به من التردد اللازم لتحقيق عملية القذف.

لا يمكن اعتبار ذرة السيزيوم 133 مثالية في أدائها، حيث يمكن أن يتغير أداؤها بتأثير دوبلر فيما لو تمت مقارنة التجربة في الفضاء أثناء الحركة وفي المخبر (وهو التأثير الذي يسبب اختلاف سماع صوت صافرة سيارة الإسعاف عند اقترابها وابتعادها نتيجة الانزياح الذي يطرأ على التردد)، كما يساهم التفاعل بين الذرة وغيوم الالكترونات في الذرات المجاورة في التأثير على الطاقة المددة لحالة الالكترون إضافة لتأثير الحقول الكهرومغناطيسية الخارجية.

تُقلل هذه التأثيرات من دقة الساعات، ويتعلق الأمر بمقدار الانزياح الحاصل على التردد المتوسط للذرة عن قيمته الطبيعية، لكن يمكن إحصاء عدد هذه الإزاحات مما مكن العلماء من إجراء تعديلات على تصميم الساعة ساعد على تقليل هذه الإزاحات. وقد تم تطوير ساعة في أوائل التسعينات تستخدم أشعة الليزر في عملية تنشيط ذرات السيزيوم المُبردة ودفعها للأعلى وسميت بساعات النافورة (The Fountain Clock) بسبب تشابه حركة الذرات المندفعة بحركة قطرات الماء في النافورة، مما ساهم في حذف تأثير دوبلر المذكور سابقاً.

حالياً، لم يعد من الممكن تطوير ساعات السيزيوم بشكل أكثر، وأي عملية تطوير ستسبب تحسناً طفيفاً لا يتناسب مع الوقت الطويل اللازم لإنجازها. حيث أن ضبط دقة هذه الساعات ممكنة من خلال إجراء سلسلة من الاختبارات، لكن كل عملية قياس تحتاج لوقت طويل جداً حيث يتم خلالها توليد كم هائل من البيانات التي تعالَج لتقليل التقلبات العشوائية التي تحصل من قياس لقياس، إن سلسلة الاختبارات هذه يمكن لها أن تحسن الدقة بمقدار جزء من 1017(10 بالقوة 17) أي تحسيناً بمقدار 20 ضعف، لكن عملية القياس هذه تحتاج إلى قرابة العام !!!!

* 1 femtosecond = 10¬¬¬¬-15 second

المراجع:

[1] هنا?

utm_source=feedburner&utm_medium=feed&utm_campaign=Feed%3A+IeeeSpectrum+%28IEEE+Spectrum%29

[2] هنا

مصادر الصور:

هنا

هنا

هنا