الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

سكان الأرض قد يتجاوزون الـ 13 مليار نهاية القرن

توصلت دراسة جديدة مستندة على بيانات الأمم المتحدة والتي عملت على تحليل عدة سيناريوهات للتزايد السكاني واحتمالاته لنتيجة فحواها أن عدد سكان الأرض قد يصل إلى الـ 13 مليار نسمة بحلول العام 2100، مخالفةً بذلك النظرية القائلة أن تزايد التعداد السكاني سيتوقف عن النمو في منتصف هذا القرن ليبدأ بالتناقص بعدها.

سيكون توقف التزايد في النمو السكاني أمراً بعيد الاحتمال وفقاً للدراسة، وجديرٌ بالذكر أن 13 ملياراً هو الرقم الأكبر الممكن توقعه تبعاً للإسقاطات المتبعة أي أن احتمال الوصول إليه ضعيفٌ إلا أنه غير مستبعد.

تأتي هذه الدراسة بعد إعلان الأمم المتحدة إعادة النظر بتقديراتها للنمو السكاني، خاصةً بعد أن تجاوزت معدلاته خلال العام الماضي توقعاتها ويرجع ذلك بشكل رئيسي لاستمرار معدلات النمو الكبيرة جداً في أفريقيا. كان العديد من المختصين يعتقدون قبل هذا الإعلان أن تزايد عدد السكان سيقوم بالمحصلة بتصحيح نفسه ذاتياً ونتيجةً لتناقص معدل الخصوبة فإن عدد السكان سيبلغ قيمة قصوى بين العامين 2050 و2100 قبل أن يبدأ التناقص ببطء إلا أن هذا الاعتقاد بدأ يفقد داعميه مؤخراً.

ما تتميز به هذه الدراسة هو قدرتها على إعطاء تقييم احتمالي للنتائج وهو أمر لم يكن ممكناً في الدراسات السابقة التي اعتمدت بشكل أساسي على سيناريوهات لا تدعم هذا النوع من التقييم. يبلغ احتمال وصول عدد السكان إلى (9.6- 12.3) مليار نسمةٍ في العام 2100 نحو 80% واحتمال تجاوز عتبة الـ 12.3 مليار نسمة إلى نحو 10%، أما احتمال تجاوز عدد السكان لعتبة الـ 13.25 مليار نسمة فيبلغ 2.5% . بالتالي فالسيناريو ذو الاحتمال الأعلى هو أن يصل عدد السكان إلى 10.9 مليار نسمة أي ما يقارب زيادة 55% على عدد السكان الحالي.

كان التعداد السكاني يشكل هاجساً عالمياً حتى العام 1990 إلا أنه بدأ بالتراجع على أجندة الاهتمامات العالمية ليحل محله مواضيع أكثر إلحاحاً كالتغير المناخي ومكافحة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). يبدو أن هذا التراجع كان في غير محلّه خاصةً أن التزايد الشديد في عدد السكان يمكن أن يتسبب في تفاقم العديد من المشكلات الأخرى ويحتاج العالم اليوم إلى التركيز مجدداً على السياسات التي يمكن أن تساعد الأسر والحكومات على تخفيض معدلات الخصوبة.

ربما ساهم ترك هذه المسألة خلال العقدين الاخيرين في استمرار الزيادة الهائلة في النمو السكاني في أفريقيا "جنوب الصحراء الكبرى" حيث يبلغ متوسط عدد الأبناء 4.6 للمرأة الواحدة ولا تتوفر آليات تنظيم الحمل في معظم أرجاء القارة.

يبلغ عدد سكان أفريقيا نحو مليار نسمةٍ ويُتوقع أن يزداد هذا العدد في نهاية القرن إلى 3.1 وحتى 5.7 مليار نسمةٍ باحتمال 95% وقيمةٍ وسطيةٍ أكثر احتمالاً تبلغ 4.2 مليار نسمة. وبالرغم من أن هذه القيمة تعتبر كبيرةً جداً إلا أن الكثافة السكانية الناتجة ستكون مقاربة للكثافة السكانية التي تشهدها الصين حالياً.

ما هي التبعات؟

إن تبعات هذا الانفجار السكاني كثيرةٌ ومتنوعةٌ وستطال إنتاج الغذاء، التغير المناخي، سوق العمل والاقتصاد العالمي. صحيحٌ أن الإبداع البشري في البحث والابتكارات في مجالات إنتاج الغذاء، الصحة، النقل والاتصالات سيجعل التعامل مع حالة الوصول إلى هذا العدد الكبير من السكان أمراً ممكناً إلا أن هذا التزايد سيتطلب توفير المزيد من فرص العمل، المساكن، خدمات التعليم والرعاية الصحية، مصادر الطاقة وغيرها من الاحتياجات الاستهلاكية المتنوعة، مما يفاقم ويزيد من صعوبة التعامل مع مشكلات التغير المناخي والقضايا الصحية الكبرى ومكافحة الفقر والتنمية المستدامة.

يأملُ الباحثون أن يكون هذا البحث دافعاً إلى تجديد التركيز على السياسات التي تسرع التخفيض في النمو السكاني للبلدان التي تعاني قيماً كبيرة في معدلاته، مما يساعد على انخفاض النمو السكاني العالمي، إلا أنه يقرّ بأن التعامل مع عدد سكان يتراوح بين 12 إلى 13 مليار نسمة قد يكون ممكناً؛ تضاعف مثلاً خلال الـ 50 عاماً المنصرمة عدد البشر أما الغذاء فقد تجاوزت كميته الضعف خلال نفس الفترة وبالتالي فإن التوقعات بحصول مجاعةٍ عالميةٍ لم تبدأ فعلياً بعد. إلا أن آخرين ينظرون بشكل أقلّ إيجابية إلى هذه الزيادة فحسب دراسةٍ أخرى نشرت في مجلة علم البيئة البشرية Human Ecology، يرتبط تزايد عدد السكان بتهديد عدد من الأصناف الحيوية. إن عدد السكان الحالي لا يمكن دعمه بشكلٍ مستدام وبمعنى آخر فقد تجاوزنا الطاقة الاستيعابية لكوكبنا مما يعني إمكانية دخول العالم في أزمةٍ تهدد بانقراض الجنس البشري لم يسبق لها مثيل منذ عصر الديناصورات.

بُحثت الآثار الكثيرة المترتبة على عدم حصول انخفاض في التزايد السكاني حول العالم في دراسة أخرى نشرت في مجلة البيئة والمجتمع Ecology and Society. من بين النتائج التي طرحتها تظهر العلاقة جليةً بين التغير المناخي الحاصل حالياً والتزايد الشديد في عدد السكان بالرغم من عدم التطرق بشكل كافٍ إلى هذه العلاقة، حيث يشير الكاتب إلى أن كل طفل يولد في الولايات المتحدة الأمريكية يضيف ما يقارب 9.5 ألف طنٍ من ثاني أكسيد الكربون إلى متوسط الإرث الذي يتركه والده وهو ما يقارب 5.7 ضعفاً من الانبعاثات التي يتسبب بها الوالد وبالتالي فإن تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ستصبح عمليةً أكثر صعوبة حتى عند مستوياتٍ متواضعةٍ من النمو السكاني نتيجة تحسن المستوى المعيشي للإنسان والتزايد المتوقع في استهلاك الطاقة.

لقد مر تعداد البشر خلال القرنين الأخيرين بتغيراتٍ ضخمة فإذا فكرنا ملياً بتاريخ الإنسان الحديث على مدى الـ 200 ألف عامٍ السابقة، فإن عددنا لم يتجاوز المليار نسمةٍ خلال 99.9% من تاريخنا، وخلال 0.1% من هذا الزمن قفز عددنا من مليارٍ إلى سبعة مليارات إنسان.

بالنتيجة ووفقاً لمعظم الخبراء فإن المفتاح لتقليل النمو السكاني لن يكون بعد اليوم من خلال القوانين التي تفرضها الجهات الحكومية، بل باتباع الوسائل الأكثر فعالية التي تكمن في تأمين التعليم للنساء ودعم حقوقهن في الصحة الإنجابية والتوعية بأهمية التخطيط العائلي وتأمين مستلزمات التحكم بالحمل.

المصدر:

هنا