الفيزياء والفلك > فيزياء

ما هي الجسيمات الأولية

كثيرا ما ينسب للإغريق بأنهم أول من قام بتعريف الأشياء التي ليس لها حجم، و القادرة على بناء ما يحيط بنا من مادة عبر تفاعلاتها بين بعضها البعض. و بما أننا أصبحنا قادرين على مشاهدة الجسيمات بأدق التفاصيل من خلال المجاهر ذات القوة المتزايدة، فمن الطبيعي أن نتساءل : مم تتألف هذه الجسيمات ؟

لقد تعرفنا بالفعل على بعض هذه الجسيمات؛ أي الجسيمات دون الذرية أو الجسيمات الأولية، والتي ليس لها حجم ولا يمكن أن يكون لها أية بنية. هنالك نوعان من الجسيمات الأولية: الجسيمات المادية؛ وهي ترتبط مع بعضها لتكوين الأشياء المادية، و جسيمات القوى؛ وهي مسؤولة عن نقل التأثير المتبادل بين الجسيمات المادية. جسيمات المادة هي فيرميونات بينما جسيمات القوى هي بوزونات.

- جسيمات المادة: الكواركات واللبتونات

تنقسم جسيمات المادة إلى مجموعتين : الكواركات واللبتونات. تحتوي مجوعة الليبتونات على ثلاثة أزواج ، و كل زوج عبارة عن جسيم أولي مشحون وآخر غير مشحون من الصعب للغاية كشفه. الأخف وزنا من هذه الأزواج هما الإلكترون، ونيوترينو الإلكترون.

الإلكترون جسيم ذو شحنة سالبة وهو المسؤول الرئيسي عن التيارات الكهربائية في حياتنا اليومية. أما شريكه غير المشحون، فمعروف باسم : نيوترينو الإلكترون، تصدره الشمس بغزارة ويتفاعل بشكل ضعيف جداً مع محيطه، لذلك يستطيع المرور دون عوائق عبر كوكب الأرض. و تمر الملايين منها عبر كل سنتيمتر مربع من جسمك كل ثانية، ليلاً ونهاراً. تنتج نترينوهات الإلكترون بأرقام لا يمكن تصورها خلال انفجارات السوبرنوفا، وذلك بفعل التفاعلات النووية الحاصلة والتي ينتج عنها المواد المنتشرة في الكون؛ كالكربون الذي في أجسامنا، و الأكسجين الذي نتنفسه، و كل شيء آخر تقريبا على وجه الأرض. لذلك، و على الرغم من ممانعة النيوترونات التفاعل مع الجسيمات الأساسية الأخرى، فهي حيوية لوجودنا. ( مقالنا السابق: ماهي جسيمات النيوترينو هنا ) أما الزوجان الآخران من الليبتونات فهما الميون- نيوترينو الميون، و التاو نيوترينو التاو، وهما نسخة عن الزوج إلكترون- نيوترينو إلكترون إلا أن كتلتهما أكبر بكثير.

وبما أن الذرات التي تتألف منها أي مادة نتعامل معها في حياتنا اليومية لا تحتوي على هذه الجسيمات (أي الميونات وجسيمات التاو)، قد يبدو للوهلة الأولى أنها تعقيدات لا لزوم لها، ولكن خلال الثواني العشرة الأولى من عمر الكون، كان لهذه الجسيمات دور حاسم في إنشاء بنية الكون الذي نعيش فيه. تفاصيل أكثر عن الليبتونات في مقالنا: ماهي الليبتونات هنا

أما مجموعة الكواركات فتنقسم أيضا إلى ثلاثة أزواج مع أسماء غريبة : " عُلوي" مع "سُفلي"، "ساحر" مع "غريب"، و "قمّي" مع "قعري". الكواركات العُلوية والسُفلية ترتبط معا لتشكيل البروتونات والنيوترونات الموجودة في نواة كل ذرة. وكما في حالة الليبتونات فالزوج الأخف من الكواركات هو ما نجده في المادة العادية، أما الزوجان: ساحر/غريب و قمي/قعري فيبدو أنهما لا يؤديان أي دور في كوننا الحالي، ولكنها، كما اللبتونات الأثقل، لعبت دورا في اللحظات الأولى من الكون وساعدت على جعله مناسبا لوجودنا. تفاصيل أكثر عن الكواركات في مقالنا: ماهي الكواركات هنا

- جسيمات القوة:

في النموذج المعياري (وهو النموذج الحالي الذي يصف الجسيمات الأساسية والتفاعلات فيما بينها) تتبادل الجسيمات المادية التأثير بين بعضها بتبادلها لجسيمات ندعوها "حوامل القوى"، وهي تتوزع على القوى الأربعة الأساسية: الجاذبية، الكهرومغناطيسية، النووية الشديدة و النووية الضعيفة.

جسيم القوة الكهرومغناطيسية هو الفوتون، و هو جسيم الضوء، و المسؤول عن ظهور الحقول الكهربائية والمغناطيسية نتيجة تبادل الفوتونات بين الجسيمات المشحونة.

أما جسيم القوة النووية الشديدة فهو الغلوون، و يشكل القوة المسؤولة عن ربط الكواركات معا لتشكل البروتونات والنيوترونات، و ربط تلك البروتونات والنيوترونات معا لتشكيل النواة.

أما جسيمات القوة الضعيفة فهي ثلاثة تسمى : W+ و -W و Z0، وهي المسؤولة عن عملية التفكك الإشعاعي و الاندماج النووي الذي تنتج عنه الطاقة التي تسبب تألق الشمس مثلا.

أما الجسيم السادس فهو الغرافتون، والذي يعتقد أنه مسؤول عن قوة الجاذبية، لكن هذه الجسيمات لم ترصد حتى الآن. تفاصيل إضافية عن البوزونات ضمن مقالنا: ماهي البوزونات هنا

- المادة المضادة : واقع الخيال العلمي

تعتبر المادة المضادة من المفاهيم المفضلة لدى الكثير من كتاب الخيال العلمي، لكنها في الحقيقة موجودة، ونحن نعلم بوجودها، وقد تم رصد الكثير من جسيماتها، فلكل من جسيمات المادة السابقة جسيمات شريكة لها نفس الكتلة، إنما بشحنة كهربائية معاكسة. فعلى سبيل المثال، يستخدم البوزيترون (وهو الجسيم المضاد للإلكترون) في الطب لرسم خريطة أجهزتنا الداخلية، باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET). فمن المعروف أنه عند اتحاد الجسيم مع الجسيم المضاد فإنهما يفنيان وتصدر كمية من الطاقة. يستند الـPET في عمله على هذا المبدأ.

- بوزون هيغز الشهير و مصادم الهادرونات الكبير.

أما الجسيم الأخير الذي يكمل مجموعة الجسيمات، ضمن ما يسمى : النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، فهو بوزون هيغز الذي تنبأ بوجوده بيتر هيغز قبل 50 عاما ونال عليه جائزة نوبل مشاركة مع فرنسوا إنغليرت بعد رصده في CERN عام 2012.

يوصف بوزون هيغز بأنه جسيم غريب، فهو ثاني أثقل الجسيمات في النموذج المعياري. وكثيراً ما يقال بأنه منشأ كتلة الجسيمات، ومع أن هذا صحيح، ولكنه مضلل قليلاً، فبوزون هيغز مسؤول عن كتلة الكواركات، والكواركات تشكل البروتونات والنيوترونات، ولكن الكواركات تشكل بمجملها 2٪ فقط من كتلة البروتونات والنيوترونات، أما بقية كتلتها فتنتج عن طاقة الغلوون.

عند هذه النقطة نكون قد مثلنا جميع الجسيمات التي يتطلبها النموذج المعياري : ستة جسيمات حاملة للقوة، 24 جسيم مادي ( 12 جسيم مادة يقابلها 12 جسيم مادة مضادة) بالإضافة لبوزون هيغز، ويصبح المجموع 31 جسيما أساسيا. و برغم ما نعرفه عن هذه الجسيمات، لم نستطع إلى الآن تعرف خصائصها بما فيه الكفاية لنقول بشكل قاطع أن هذه الجسيمات هي كل ما يلزم لبناء الكون الذي نراه من حولنا. من المؤكد بأننا لا نمتلك كل الأجوبة، وعندما يبدأ مصادم الهادرونات الكبير بصدم الجسيمات من جديد، ستتحسن قياساتنا لبعض هذه الخصائص. ولكن هنالك شيء آخر، فالنظرية لاتزال قاصرة برغم جمالها على مجال محدود من الطاقات، ففي مجالات طاقة عالية جداً ،فوق مستوى الطاقات التي تعمل ضمنها مصادمات الجسيمات حالياً، يعطي النموذج المعياري قيما غير ممكنة إطلاقاً من الناحية المنطقية.

لقد عمل الفيزيائيون النظريون كثيراً لإيجاد نموذج نظري يعطي قيماً مقبولة عند مستويات الطاقة العالية جداً وكذلك يعطي نفس القيم التي تم اختبار صحة النموذج المعياري عندها.

فرضية التناظر الفائق هي التعديل الأكثر شيوعا على النموذج المعياري.وتدل على أن هنالك جسيمات كتلتها كبيرة جداً (مقارنة مع كتلة باقي الجسيمات) غير مكتشفة بعد، كتلتها الكبيرة تعني الحاجة إلى الكثير من الطاقة لتوليدها. : نظرية التناظر الفائق، وهي تعني أن جميع الجسيمات التي رأيناها لها نظير أكبر كتلة. مستويات الطاقة التي سيعمل عندها مصادم الهادرونات الكبير عالية بما يكفي للقول بأنه في حال عدم اكتشاف أي جسيمات جديدة فسيكون ذلك ضربة قوية في وجه فرضيات التناظر الفائق.

فلابد أن العامين أو الثلاثة أعوام القادمة ستحمل الكثير من الأحداث في عالم فيزياء الجسيمات.

المصدر:

هنا