الكيمياء والصيدلة > صيدلة

فيتامين (د) وأبحاثٌ واعدةٌ لعلاج سرطان البنكرياس

اكتشف علماء ومتخصصون بسرطان البنكرياس في معهد "سالك" للأبحاث مشتقاً اصطناعياً للفيتامين "د" قد يكون سبباً في علاج سرطان البنكرياس الذي عجزوا عن علاجه سابقاً، وذلك من خلال مهاجمة إحدى آليات شفاء الجروح والتي تدعي التليّف. وأدَّى هذا الاكتشاف الذي تمّ نشره في مجلّة الخلية، إلى قيام العلماء بمزيد من التجارب على سرطان البنكرياس، وبالرغم من أن نجاح هذه الآلية عند الإنسان غير واضح إلّا أنَّ نتائج الدِّراسات والأبحاث على الحيوان كانت جيّدة.

لقد بقي سرطان البنكرياس لفترةٍ طويلةٍ غير واضحٍ ومستعصياً على العلماء، فهو يُعتبر واحداً من أكثر أنواع السرطان فتكاً، حيث يتمّ تشخيص 46000 مصاب في الولايات المتحدة سنوياً، ويؤدّي لوفاة 40000 مصاب به، وكان سبباً في وفاة شخصيات معروفة مثل ستيف جوبز وباتريك سويزي، وللأسف فإنّ معدل البقاء على قيد الحياة لخمس سنوات عند مرضى سرطان البنكرياس هو أدنى معدل في جميع حالات السرطان، والمشكلة بسرطان البنكرياس أنَّ قدرته على تطوير المقاومة ضد الأدوية بشكلٍ مستمرٍ أمرٌ غير مفهوم تماماً.

يدرك العلماء أنّ مقدرة خلايا الورم على الاتصال والتأثير على الخلايا النجمية البنكرياسية القريبة منه والتي تدعى "البيئة الميكروية" للورم تعتبر المفتاح الأساسي لنمو الخلايا السَّرطانية حيث ترسل إشارات تجعل هذه البيئة الميكروية ملتهبة وكثيفة مشكلةً حاجزاً حول الورم لا يساعد على نمو السرطان فقط، ولكن يمنع وصول الخلايا المناعية وأدوية العلاج الكيميائي، مما يجعل هذا السَّرطان صعب العلاج على نحوٍ خاص.

ركّز العلماء انتباههم على كيفية عكس حالة الالتهاب في البيئة المكروية بحيث يضعف الجدار المحيط بالورم، ولكنّ المشكلة كانت في غياب المعرفة الدقيقة للعوامل التي تحفّز الالتهاب بحيث يمكن عكسها.

في عام 2013 اكتشف العلماء أنّ الخلايا النّجمية في الكبد يمكن أن تُثبَط بصيغ معدّلة كيميائياً من فيتامين "د"، وهذا أدَّى إلى تساؤل عمّا إذا كانت هذه الصِّيغ لها نفس التأثير على البنكرياس، على الرغم من أنه لم يكن يُعتقد بوجود مستقبلات للفيتامين "د" في أنسجة البنكرياس.

قام الباحثون بدراسة الاختلافات بين حالة التنشيط والتثبيط للخلايا النجمية في البنكرياس، ووجدوا أنَّ الخلايا النجمية المنشَّطة بجانب الورم تملك مستويات عالية من مستقبلات فيتامين "د".

ولكن عندما أضاف الباحثون صيغ فيتامين "د" المعدَّلة للخلايا النجمية المنشَّطة، عادت الخلايا بسرعة إلى حالتها الطبيعية، وتوقفت عن إرسال الإشارات التي تحفّز نمو وتشكّل الالتهابات.

وقد كانت هذه النتائج بمثابة مفاجأة كبيرة لأن الفيتامين "د" جُرِب عدّة مرات كمعالج لسرطان البنكرياس ولكنّه لم ينجح.

وقد تبيَّن أنَّ الخلايا النجمية النَّشطة تحطِم بسرعة فيتامين "د" العادي، ولكن دراسة تحليل نظائر فيتامين "د" سمحت للفريق باكتشاف أشكال مُعدَّلة منه، والتي أثبتت أنها أكثر ثباتاً ومرونةً وفعاليةً في الزجاج.

وقد قام الباحثون بعدها باختبار الشكل المعدَّل الجديد على نماذج من الفئران، واكتشفوا أنَّ مشاركته مع الأدوية الكيميائية أدَّى إلى زيادة معدل البقاء على قيد الحياة بنسبة 50% بالمقارنة مع العلاج الكيميائي التقليدي.

والمذهل في الموضوع أن فيتامين "د" بحد ذاته لا يهاجم الورم، إنِّما يعمل على تغيير بيئة الورم إلى حالة أفضل تسمح للعلاج بأن يعمل.

هذا وقد أظهرت الدِّراسات أنَّ الأشخاص الذين يعانون من عوز فيتامين"د" لديهم خطورة أعلى للإصابة بسرطان البنكرياس، ولذلك يعتقد العلماء أنَّ المستويات الصحية من فيتامين "د" تحافظ على مستقبلاته في الخلايا الطبيعية وتمنع نمو الورم، على الأقل حتّى يقوم الورم نفسه بإجبار الخلايا على العمل.

ويسعى العلماء حالياً إلى مقاربة جديدة في علاج الورم وذلك عبر إعادة برمجة البيئة الميكروية لتعود إلى حالتها الصحية، وهذا يملك تأثيراً مزدوجاً من خلال إيصال المزيد من الأدوية إلى الورم من جهة، بالإضافة إلى تجديد النسج بخلايا سليمة.

وبالتالي فإن هذه الدراسة تفتح طرقاً جديدة نحو علاج سرطان البنكرياس، وربما أنواع أخرى من السَّرطان.

المصدر : هنا