الفنون البصرية > فن وتراث

فنُّ المُنمنمات

إنّها التّزاويق، أو المُنمنمات كما تُسمّى اليوم، هي لونٌ فريدٌ من ألوان فنّ التّصوير، وهي فنّ قام بتطويره فنّانو العصر الإسلامي بعد أن ورثوه عن الحضارات الّتي سبقتهم، وعلى وجه الخصوص الحضارات الهندية والفارسية منها.

أتاحت لنا هذه الرسومات المُنمنمة فرصة للتعرّف على عادات وتراث المجمتع الإسلامي سابقاً، العربي وغير العربي، ووثّقت لنا بأسلوبٍ فنيّ تفاصيلَ حياته اليومية التي لم تُؤرّخ في الكتب في مامضى – فاعتُبرت لذلك وثائق مهمة جداً – .

للخطوطِ فيها فلسفةٌ معماريّةٌ خاصة، مرتبطة بالزّمان والمكان معاً، فحركة النّقطة من مكانها تلعبُ دوراً زمانيّا ومكانيّاً، فهي مستقيمة على سبيل المثال في السّقيفة، أو منحنية كما في "القبّة" وراقصةً كما في الزّخارف .

كان فنّ المنمنمات - ومازال - مُثابراً على تطوّره، على يد العديد من الفنّانين ذوي الأصول الفارسية غالباً، أشهرهم الفنان "بهرزاد" الذي رسم العديد من الكتب وكان أهمّها وأشهرها ملحمةُ " الشاهنامة" للفردوسي، وكذلك الفنان يحيى الواسطي الذي اعتُبر أيضاً من أشهر رسّامي المنمنمات بوصفه رساماً لدى الخليفة العباسي المُستنصر بالله 1242 – 1258 حيث زوّق عدّة نسخ من مقامات الحريري .

كان أوّل كتاب عربي جسّدته المنمنمات هو كتاب "كليلة ودمنة" وهو في أصله كتاب هندي قام بترجمتِه ابن المُقفّع إلى اللّغة العربيّة . أما من أشهر الكتب الّتي احتوتْ على المنمنمات أيضاً، كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، وكتاب الكواكب الثّابتة لعبد الرّحمن الصّوفي، وعلميّاً : كتاب خواصّ العقاقير لـِ ديوسقوريدس .

لفنِّ المنمنمات مدارسُ إقليميّة متعددّة كما أيّ مذهب فنيّ آخر، تأثّرت بالموروث المحلّي وتركت أثراً كبيراً، وأشهرها عشرُ مدارس سنستعرضها بإيجاز :

• المدرسة العراقية أو مدرسة بغداد :

استمرّتْ حتى بعد سقوط بغداد عام 1258 وكانتْ المدرسة الرائدة والأكثر دلالة في فنون المنمنمات وأصل المدارس اللّاحقة، أهمّها وأكثرها شهرة "مقامات الحريري" ليحيى الواسطي الّتي سبق ذِكرها. ميّزها جُنوح فنّانيها إلى عدم عنايتهم بالنّزعة التشريحية وبالنّسب الخارجية للأشكال المرسومة، وإهمالِهم للبُعد الثّالث، حيثُ اكتفوا ببُعدي الطّول والعرض وأهملوا العُمق، فظهرت وكأنها مُسطّحة.

• المدرسة المصريّة :

شملتْ مصر وبلاد الشّام، تصاعدتْ بشكل إبداعيّ في إنتاجها الفنّي حتى أُجهضتْ على يد الأيّوبيين بعد سلوكهم المنحى الفقهي السَّلَفي المُتشدّد في التعامل مع الفنون التّصويرية، وانتقلتْ بعدها مصر من المنمنمات إلى الخزف تاركةً لنا رصيداً فنيّاً موزّعاً على متاحف العالم .

• المدرسة الإيرانيّة :

ورثِتْ مدرسة بغداد ، واستفادت جدّاً من هروب الفنانين وهجرتهم بعد حرب بغداد، وتفرّدت باحتوائها على المؤثّرات الواقعيّة في المناظر المرسومة.

• المدرسة التَّيمورية في آسيا الوسطى :

تطوّرت هذه المدرسة في عهد تيمورلنك في مُدن عديدة أهمها تبريز وسمرقند، وأهمّ إنتاجها كان تصوير "الشّاهنامة" وشعر الغزل الصّوفي .

• المدرسة الأفغانيّة أو مدرسة "بهرزاد" :

نسبةً إلى كمال الدّين بهرزاد (معجزة العصر الفنية بما أدخلهُ على فن المنمنمات من تطويرٍ ولاسيما في التعبير التقني ومزج الألوان ) .

• مدرسة بخارى :

كثرت فيها الموضوعات العاطفيّة والشّاعرية .

• المدرسة التّركية :

ورثتْ أسلوبها من الشرق الإسلامي ونهضت جداً خلال عهد سليمان القانوني في القرن السادس عشر، ومن أهم ما تركتْ كتاب "زبدة التّواريخ" لمؤلفه سيّد عاشوري، ومن ثمّ اندثرت هذه المدرسة واختفتْ، بسبب تأثّرها بفنون الرسم الأوروبية وخاصّة بفناني عصر النهضة الإيطالية .

• المدرسة المغولية الهندية :

عاصرت صعود نجم المغول في الهند، حيث اهتمّ الهنود وقتها برسم المتصوّفين والمتعبّدين الهنود .

• المدرسة الأندلسيّة :

تفرّدت عن باقي المغرب العربي الذي لم تنشأ فيه فنون المنمنمات، أثّرت جداً في المنمنمات الأوروبيّة وبقيتْ آثارها حتى بعد سقوط الأندلس، كان لها تأثير كبير في الحركة الفنية الإسبانيّة، حيث تركت لنا مخطوطة لـ بياتوس في "سفر الرّؤيا" .

ولابدّ أن ننوِّه بأنّ السبب الذي يجعل من سوريا و العراق وإيران من أهم البلدان التي أنتجت هذا النوع من الفنون، هو تُراثها الوافر في اختصاصيّ النحت والتصوير الفني، وبالرّغم من التحريم الديني الذي مُورِس ضد العمل في فنّ التصوير خوفاً من الحنين إلى الوثنيّة، حافظ هذا الفن على حياته في يومنا هذا وخاصة في إيران والعراق، فإيران لاتزال تستخدم فنّ المنمنمات بعد أن حدّثته بإدخال البُعد الثالث عليه .

** مُلاحظة: لوحة التصميم الخاص بالمقال هي منمنمة من عمل الفنان بهرزاد .

المصادر :

- مجموعة مواد صفحية ومناقشات منشورة عن الفعاليات الفكرية بالدورة الرابعة عشرة من مهرجان الفنون الإسلامية “منمنمات 2011م”

- محاضرة لـ محاضرة للدكتور عبد العزيز حميد الجبوري الخبير بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” بعنوان “المنمنمات في الحضارة الإسلامية”

في كلية الفنون والتصميم في جامعة الشارقة .

مصادر الصور المرفقة :

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا