الفنون البصرية > فن وتراث

الحقيقةُ وراءَ ارتداءِ ثوب الزّفاف الأبيضْ

يعود تقليد ارتداء العروس فستاناً أبيضَ إلى الحقبة الفيكتورية، و بعبارة أدقّ إلى الملكة فيكتوريا نفسها التي تزوجت الأمير ألبرت قبل 175 عاماً. وفي ذلك الوقت كان اختيارها فستاناً مصنوعاً من الساتان الحريري الأبيض أشبه باختيار كاثرين ميديلتون أن تتزوج الأمير ويليام بفستان أحمر! وكان اللون الأحمر شائعاً فعلاً مثل العديد من الألوان الأخرى كالرمادي والأزرق والبني، وكانت الفتيات يخترن أفضل فستان لديهن لارتدائه في يوم زفافهن بغض النظر عن لونه. ولكن الملكة الشابة كسرت القاعدة وأصرت على ارتداء فستانها الأبيض. وعلى الرغم من أنها لم تكن أول شخصية ملكية تُزف بفستان أبيض، فقد نسب إليها فضل تغيير القاعدة.

كانت الأعراس في ذلك الوقت تعبّر عادة عن التحالفات السياسية وتظهر ثراء العائلات أكثر من تعبيرها عن الرومانسية ،ولذلك كان فستان العروس طريقة أخرى لإظهار ثراء وثقافة عائلة العروس. وكانت الفساتين إحدى الطرق الهامة للتفاخر بالثراء.

وقبل اختراع تقنيات التبييض الفعالة كان اللون الأبيض لوناً باهظ الثمن بسبب صعوبة الحصول عليه وصعوبة المحافظة عليه، لذلك كانت الفتيات الثريات يرتدين اللون الأبيض ليظهرن ثراءهن لا طهارتهن، كما راج بين النبلاء في ذلك الزمن ارتداء النسيج المحاك بالمعادن، فما الذي يعبر عن الثراء أكثر من ملابس محاكة بالذهب والفضة! لذلك زُفت العديد من عرائس العائلة الحاكمة بفساتين محاكة بنسيج معدني، مثل الأميرة تشارلوت ابنة عم فيكتوريا والكثير غيرها من بنات العائلات المالكة لقرون قبلها.

إذا كانت معظم فتيات العائلات المالكة في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى قد ارتدوا فساتين محاكة بالذهب والفضة في زفافهن، فلماذا كسرت الملكة فيكتوريا العادة ولبست فستاناً أبيض؟حسناً، لأن فيكتوريا لم تكن عروساً عادية، كانت الملكة، رأس الدولة، وكان عليها أن تبعث برسالة باعتبارها حاكمة البلاد لا مجرد وريثة للعرش أو الأم المستقبلية لملك البلاد. لذلك لبست فستاناً يوصل رسالة سياسية، فستاناً يظهر واجبها اتجاه مملكتها أكثر من ثراءها وجمالها.

أرادت فيكتوريا أن تحفز وتدعم الصناعة المحلية فاختارت لفستان زفافها مواد بريطانية الصنع. اختارت قطعة كبيرة من دانتيل هونيتون يدوي الصنع، وأصبح ما تبقى من الفستان وسيلة لإبراز الدانتيل، فوقع الاختيار على اللون الأبيض لأنه الأنسب لهذا الغرض. فبالنسبة لفيكتوريا، يرمز اللون الأبيض إلى العملية والوطنية وليس للطهارة.

ولأن زفاف فيكتوريا اشتهر كثيراً وسعى الكثيرون لتقليده ازداد عدد الفتيات اللاتي ارتدين اللون الأبيض في زفافهن والعرائس اللائي لبسن الدانتيل بنسبة كبيرة، مما أدى إلى رواج دانتيل الهونيتون، تماماً كما أرادت فيكتوريا. ولكن هذا لم يكن كافياً لجعل الأبيض هو اللون السائد لكل العرائس. فبسبب غلاء الأقمشة البيضاء لم تستطع ارتداءه إلا نساء الطبقة الثرية. أما بعض الفتيات من غير الأثرياء ممن استطعن تحمل تكلفة الفستان الأبيض فقد أعدن صباغته بلون أغمق ليخفوا البقع ويتمكنوا من ارتدائه مرات أخرى. مما يعني أنه هناك فساتين زفاف بيضاء أقل بكثير مما نعتقد.

أما السبب الأكبر وراء رواج الفستان الأبيض فهو التغيير الذي طرأ على الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

فقد شهد القرن التاسع عشر ارتفاع المستوى المعيشي للطبقة المتوسطة. وطالما سعى أبناء الطبقة المتوسطة إلى تقليد أزياء الطبقة الثرية وكانت لديهم لأول مرة الوسيلة لفعل ذلك. وأية عائلة تجسد الطبقة الأرستقراطية أكثر من العائلة الملكية؟ فمن زفاف الملكة فيكتوريا عام 1840 والإمبراطورة يوجين عام 1853 إلى زفاف الأميرة فيكتوريا عام 1857 وأعراس بنات الملكة فيكتوريا الخمسة اللاتي قلّدن أمّهن بارتداء فساتين بيضاء، أصبح اللون الأبيض هو الأشهر والأنسب لكل عروس. إن استطاعت تحمّل تكلفته.

وبالرّغم من ارتفاع مستوى معيشة الطبقة المتوسطة ،لم تستطع الكثير من الفتيات تحمل تكلفة شراء فستان لليلة واحدة فقط ،إلى أن انتشرت وسائل التبيض الفعّالة رخيصة الثمن مما جعل ارتداء فساتين بيضاء لأي مناسبة أمرًا شائعاً جداً بحلول القرن العشرين.

هل من الممكن أن تؤثّر إحدى مشاهير عصرنا تأثيراً مماثلاً على فساتين الزفاف؟ ممكن، ولكن من الصعب تخيل من ستكون...

المصادر :

هنا

هنا

مصدر الصورة :

هنا