كتاب > مفكرون وكتّاب

عميد الأدب العربي... طه حسين

استمع على ساوندكلاود 🎧

"ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه"!

في قرية صغيرة تُدعى الكيلو القريبة من مدينة مغاغة التابعة لمحافظة المنيا، وُلد طه حسين في 15 تشرين الثاني 1889، في أسرة كبيرة مؤلفة من أحد عشرة طفلاً لأب موظفٍ في شركة السكر. لم تكن طفولة حسين لتعتبر بالمثالية، وخاصة بعد ما فقد بصره في الرابعة من عمره كنتيجةٍ لمرض أصابه، و زاد عليه الطب الشعبي الخاطئ!

بدأ الدراسة في جامع القرية (الكتّاب) ليكتسبَ أساسيات الحساب والعلوم الدينية. دخل طه حسين الأزهر عام 1902 ليتخصص في علوم اللغة العربية، ولكنه أثار زوبعةً كبيرة نتيجة لانتقاداته الصريحة لنظام التعليم القديم في الأزهر. وعندما تم افتتاحُ الجامعة المصرية عام 1908 انتقل طه للدراسة فيها، فدرس العلوم العصرية والحضارة الإسلامية و عدداً من اللغات، و قدَّم رسالته الدكتوراه عام 1914، والتي تعلقت بالفيلسوف السوري الكفيف «أبو العلاء المعري»، و تمت مهاجمته بسببها في الأوساط العامة بسبب ما حملته من أفكارٍ و التي اُعتبرت مخالفة للكثير من التقاليد والمبادئ الدينية.

وفي عام 1916، تم إيفاده من الجامعة المصرية إلى فرنسا، فبدأ في مونبيلييه وتابع الدراسة في باريس ليحصلَ على الدكتوراه الثانية عن أطروحته «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون». وخلال وجوده في فرنسا قام بتوظيف طالبة فرنسية شابة تُدعى «سوزان بريسو» لتكونَ مساعدةِ له و قارئة للكتب، فكان لها دور كبير في تعريف حسين بالثقافة الغربية بشكل أكبر من خلال القراءة من جهة وتزويده بالكتب المكتوبة بطريقة «بريل» لتصبح فيما بعد شريكة حياته ولينجبا طفليهما «أمينة» و«مؤنس».

العودة إلى مصر...

بعد حصوله على شهادة الدكتوراه عاد حسين إلى مصر عام 1919، ليصبحَ مُحاضراً بالتاريخ القديم في الجامعة المصرية. وعندما تم تأميم الجامعة في عام 1925، تم تعيينه كأستاذٍ في قسم الأدب العربي، وثم عُيِّن كعميد لكلية الآداب ليكون أول مصري يشغلُ هذا المنصب. ولكن المفارقة في أنه استقال من هذ المنصب بعد يوم واحد! في عام 1930، أُعيد تعيين طه حسين كعميدٍ لكلية الآداب، ولكن بسبب معارضته لمنح الدكتوراه الفخرية لعددٍ من السياسيين، نُقل إلى وزارة المعارف والتي رفضها بدوره أيضاً ليتم احالته للتقاعد عام 1932. تفرغ بعدها للكتابة في عددٍ من الصحف والمجلات، ونتيجةً لدوره الكبير في إنشاء جامعة الإسكندرية، تم تعيينه كمديرٍ لها حتى عام 1944. ولكن في عام 1950، تم تعيينه وزيراً للمعارف و ترأس مجمع اللغة العربية، كما حصل أيضاً على لقب الباشا إضافة إلى العديد من الجوائز المحلية والأجنبية. وبعد تقاعده عام 1952، كرَّس طه حسين حياته كلها للكتابة حتى وفاته في عام 1973.

ساهم طه حسين خلال مسيرته الأدبية بالكثير من الإبداعات التي وضعته في طليعةِ النهضة الأدبية المصرية في القرن العشرين. ولعلَّ أكثر ما ميَّـز مسيرته أنها احتضنت الكثير من الأفكار التي دعت إلى النهضة الفكرية والانفتاح على ثقافاتٍ عديدة، فعمل كثيراً على النصوص والشعر العربي القديم. ومن الجانب الآخر كان له دوره في ترجمةِ كلاسيكيات الأدب اليوناني القديم والأدب الفرنسي الحديث للغة العربية.

من ناحية الدراسية الأدبية، قدمَ إسهاماتٍ كثيرة، فمن ناحية الشعر العربي القديم قدم لنا كتاب مع المتنبي (1937)، والذي استعرض فيه حياة المتنبي وعلاقته بسيف الدولة.

كان للشعر الجاهلي النصيب الأكبر من اهتمام طه حسين في مسيرته الأدبية، بالإضافة إلى أن آراءه الخاصة في هذا المجال ساهمت بالكثير من الجدل الذي أدى بدوره إلى شهرته، فقد قام طه حسين بتأليف كتابه المثير للجدل «في الشعر الجاهلي» في 1926 كما ذكرنا، و كان يحوي الكتاب في أجزائه استنتاجاتٍ و تحليلاتٍ لطه حسين قام ببنائها باستخدام مبدأ ديكارت، وخَلُص فيها إلى أن الشعر الجاهلي تمت كتابته بعد الإسلام وتم نسبه إليهم. أدى هذا الرأي بالطبع إلى زوبعة من الاحتجاجات و الانتقادات، وقام بالرد عليه العديد من العلماء والكُتّاب والشيوخ كمصطفى صادق الرافعي والشيخ محمد الخضري و غيرهم، بل وزاد على ذلك أن قام عدد من علماء الأزهر بمقاضاةِ طه حسين، ولكن المحكمة قامت بتبرأته لعدم قصده الإساءة المتعمدة للدين، ولكن تمَّ تعديل الكتاب وحُذفتْ منه المقاطع المثيرة للجدل و أصبح يسمى «في الأدب الجاهلي».

من جانب آخر، كان له رؤية نقدية أخرى في الكتاب، تخص اللغة العربية التي تحدث عن أنها انحدرت و أُصيبت بالشيخوخة، ويعود ذلك إلى أن الأدب العربي يجب أن يعتمد في دراسته على إتقان جميع اللغات السامية والاحتكاك بها، فالأدب الذي كان محصوراً على الشيوخ والذي يندر أن يوجد من بينهم قد قرأ الإلياذة أو الإنيادة يستحيل أن يأتي بجديد!

أما فيما يخص الشعر العربي الحديث، فقدمَ لنا كتابه حافظ و شوقي (1933) و هو كتابٌ نقدي بيّن لنا المقدرة الكبيرة لطه حسين في النقد الأدبي مهما كان الاسم!

أما من الجانب الروائي فتضمنتْ مسيرة طه حسين العديدَ من القصص القصيرة والروايات، فقدَّمَ سلسلته «على هامشِ السيرة» بين 1933-1943 على ثلاثة مجلدات، والتي قدم فيها الكثير من القصص المأخوذة من كتب السيرة النبوية بطريقته الأدبية المميزة.

من جانب آخر قدَّمَ مجموعةً قصصية تضمنت رائعته «دعاء الكروان» عام 1934، والتي أبدع فيها بالتصوير في الرواية لدرجةِ أنه ترك القراء حائرين من أين لرجل كفيف هذه القدرة على التصوير؟!

ومن ثم قدم روايته الرائعة أيضاً «شجرة البؤس» عام 1944.

استخدم طه حسين الرواياتِ في كثير من الأحيان كوسيلةٍ لمهاجمة النظام المصري ومشاكله. وكان أحد أهم أعماله المتعلقة بالسياسة التعليمية والثقافية هو الدراسة التي قام بها بعنوان «مستقبل الحضارة في مصر» ( 1938)، والتي قام بها بتطوير أطروحته عن الحضارة المصرية التي كانت جزءاً من ثقافة البحر الأبيض المتوسط، وأكد على أن الحضارة المصرية هي حضارة غربية و أن أي محاولة «لتشريق» هذه الحضارة يعتبر خطأً كبيراً!

وأخيراً فقد قدم طه حسين إضافةً كبيرة في مجال السيرة الذاتية من خلال كتابه «الأيام» ( 1929-1955)، والذي يُعتبر كسيرة ذاتيه لحياته أعاد من خلاله رواية قصته بلغةٍ بسيطة، انطلاقاً من حياة القرية والإصابة بالعمى في طفولته مروراً بالتجارب التعليمية والنضج. وتكمنُ قيمة وجاذبية هذا العمل في حقيقة أنه قد تم ترجمته إلى تسعِ لغات على الأقل! بما في ذلك الصنيية والإنجليزية والعبرية والروسية.

--------------------------------

المصدر الرئيسي:

Encyclopedia of World Biography

هنا

مصادر ثانوية:

مصدر 1

هنا

مصدر 2

هنا