الفيزياء والفلك > فيزياء

الأمواج الثقالية للنجوم النيوترونية

حتى الآن لم يتمكن العلماء من قياس الأمواج الثقالية التي تنبأت بها نظرية النسبية العامة لآينشتاين، تلك الأمواج ضعيفةٌ جداً لدرجة أنها تضيع بسبب تداخل موجات أنظمة القياس. لكن الآن وبفضل عمليات محاكاة لاندماج أنظمة ثنائية Binary systems من النجوم النيوترونية -النجوم التي طالما شكلت لغزا محيراً- فقد نجح فريق من علماء الفيزياء الفلكية الألمان واليابانيين في معرفة بعض خصائص الأمواج الثقالية الناتجة عن هذه الأنظمة، وذكر العلماء أن هذه الأمواج الثقالية لها طيف مميز مشابه لشكل الخطوط الطيفية للذرات.

يذكر أن النجوم الثنائية هي أنظمة يتكون كلٍ منها من نجمين يدوران حول بعضهما البعض، النجم الأكثر لمعاناً، يُصنف عادة بالنجم الرئيسي، أما الاخر فيدعى النجم الثانوي، ولتلك النجوم الثنائية نماذج عدة منها مثلاً النجوم الثنائية القريبة، وفيها يقوم النجم الرئيسي باستهلاك كتلة الثانوي واحيانا يمارس عليه قوة جذب هائلة كافية لجذبه إليه والتحامهما سوية.

وبالعودة للامواج الثقالية فهي تنشأ عندما تتسارع كتلة جسم ما، أول دليل غير مباشر على وجود مثل تلك الأمواج كان عام 1974، عندما اكتشفت المنظومة الثنائية من النجوم النابضة المعروفة باسم " PSR B1913+16 " في كوكبة العقاب. والنجم النابض هو عبارة عن نجم نيوتروني شديد الكثافة يتميز بالحقل المغناطيسي المحيط به و سرعة دورانه الكبيرة حول نفسه مترافقا ذلك بإصداره لأمواج راديوية، فالنجمان النابضان المكونان للمنظومة المذكورة يندفعان باتجاه بعضهما البعض، أي كل منهما يتجه نحو الآخر بشكل لولبي، وهذا ما فسره العلماء بأن كلا النجمين يخسران طاقة، ويرافق خسارة الطاقة هذه إصدار للأمواج الثقالية، تجدر الإشارة أن كلا العالمين "Russell A. Hulse" و "Joseph H. Taylor" نالا جائزة نوبل في الفيزياء عام 1993 لاكتشافهما ذاك النوع الجديد من النجوم النابضة، الذي فتح المجال لدراسة الأمواج الثقالية.

في وقتنا الحالي هناك العديد من التجارب يتم إجراؤها على نطاق واسع حيث تسعى للكشف عن تلك الأمواج الثقالية بشكل تجريبي مباشر، كتجربة LIGO الأمريكية وتجربة Virgo الأوربية، والكاشف KAGRA الياباني. ويقدّر الخبراء أن الإشارات الصادرة عن اندماج الأنظمة الثنائية للنجوم النيوترونية سيتم التقاطها خلال الخمس سنوات القادمة. البروفيسور Luciano Rezzolla من معهد الفيزياء النظرية في جامعة Goethe صرّح بأنه " ليس من السهل تعقّب هذه الإشارات،لأنها ذات مدى تردد منخفض جداً، ولكن بالرغم من هذه الظروف الصعبة، يمكننا إيجادها إذا عرفنا مسبقاً مالذي نبحث عنه تماماً". تمت دراسة الأنظمة الثنائية للنجوم النيوترونية بمساعدة أفضل تقنيات المحاكاة والتي انتهت الى أن اندماج تلك النجوم يصدر أطياف أمواج ثقالية مميزة، تلك الاطياف تقابل -على الأقل من الناحية المنطقية- الخطوط الطيفية الكهرومغناطيسية المنبعثة من الذرات أو الجزيئات، وبالتالي فإننا قد نتمكن بواسطتها من معرفة معلومات عن خصائص تلك النجوم .

كما أظهر الفيزيائيون الفلكيون في منشورين يتحدثان عن الأمواج الثقالية، الأول في مجلة Physical Review Letters في عدد شهر تشرين الثاني من عام 2014، والثاني في الإصدار الحالي من مجلة Physical Review D (إصدار شهر آذار لعام 2015)، بأن طيف الأمواج الثقالية هو خاصة مميزة للمنظومة الثنائية، فإذا تمكن العلماء من تفسير تلك الأطياف، فسوف يكونون قادرين على معرفة ما يتكون منه النجم النيوتروني، وماهي "معادلة الحالة" المعبرة عنه، والتي لا تزال حتى الآن مجهولة. (معادلات الحالة) تعني وصف الخصائص الثرموديناميكية لنظام ما بدلالة عدد من المتغيرات كالضغط، الحرارة، الحجم، أو حتى عدد الجسيمات.

يضيف العالم Rezzolla معلقاً على ما سبق، إنها احتمالية مشوقةٌ جداً، لأنه قد نتمكن عندها من حل لغزٍ كان عصيّاً عن الحل لمدة 40 عاماً، ذلك اللغز الذي يتلخص في مايلي: مما تتكوّن النجوم النيوترونية؟ وماهي بنيتهم النجمية؟، فإذا كانت الإشارة قوية وبالتالي البصمات واضحة جداً، عندها ستكون عملية قياس واحدة كافية لإنجاز العمل.

إن آفاق حل لغز النجوم النيوترونية لم تكن أبداً بهذا الإشراق، فالأمواج الثقالية التي نتطلع إلى اكتشافها في السنوات القادمة، هي الآن في طريقها إلينا من أقاصي الكون.

المصدر: هنا

البحث المنشور:

K. Takami، L. Rezzolla، and L. Baiotti، "Constraining the Equation of State of Neutron Stars from Binary Merger،" Phys. Rev. Lett. 113، 091104 (2014). DOI: 10.1103/PhysRevLett.113.091104

هنا

حقوق الصورة: NASA