الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

بحر قزوين، الموقع والأهمية الحيوية والاقتصادية

بحر قزوين Caspian Sea هو أكبر مساحة مياه مغلقة على سطح الأرض، حتى إن مساحته تفوق مساحة أكبر البحيرات الأمريكية العظمى وبحيرة فيكتوريا شرق إفريقيا. يقع البحر حيث يلتقي جنوب شرق القارة الأوروبية بالقارة الآسيوية، يطل البحر على كل من أذربيجان، إيران، كازاخستان، تركمانستان، وروسيا. يبلغ طوله حوالي 1030 كم وعرضه بين 435 كم و196 كم. ليس لدى قزوين أي اتصال مع محيطات العالم ويبلغ منسوب مياهه حالياً 26.5 متر تحت سطح البحر. يبلغ إجمالي طول سواحله عند هذا المنسوب حوالي الـ 7000 كم طولاً كما تبلغ مساحة سطحه الـ 386400 كم مربع وحجم مياهه حوالي 78700 كم مكعب.

بحر قزوين أقل ملوحة من المحيطات إذ أن المحتوى الملحي لمياهه يقارب ثلث المحتوى الملحي لمياه المحيطات. يعود سبب مستوى الملوحة ذاك إلى بقايا المحيط القديم المدعو بـ Tethis، أو بصورة أدق إلى خليج المحيط القديم المدعو Paratethis. كان محيط Tethis قبل حوالي 50 - 60 مليون سنة متصلاً بالمحيطين الأطلسي والهادي، لكنه فقد هذا الاتصال بسبب التحول التدريجي للصفائح القارية. لاحقاً، جفّ الخليج المذكور Paratethis بسبب تعاقب المناخات الحارة والجافة، تبخرت المياه وازدادت الملوحة وبنفس الوقت انعزل قزوين عن المحيطات الأمر الذي أدى إلى انخفاض ملوحته لاحقاً بفعل الأمطار خلال الفترات المناخية الرطبة والباردة يضاف إلى ذلك ذوبان الأغطية الجليدية المحيطة.

أما عن عمق البحر فالأجزاء الشمالية منه ضحلة جداً مع متوسط عمق لا يزيد على الخمسة أمتار، بينما يبلغ العمق في وسطه أكثر من 500 متر، ثم يزداد العمق إلى 1025 متر نحو الجنوب. يتدفق ما يقارب الـ 130 نهراً كبيراً وصغيراً ليصب في قزوين أغلبها شماله وعلى سواحله الغربية وأكبرها الفولغا Volga. تزود الأنهار الخمس الكبرى التي تصب في قزوين البحر بـ 90% من مياهه العذبة وهي بعد الفولغا؛ كورا Kura، تيريك Terek، أورال Ural، وسولاق Sulak، وتتكفل الأنهار الإيرانية الصغيرة بتزويد البحر بباقي المياه.

يتكون المحيط الحيوي حول قزوين من منطقتين إحيائيتين رئيسيتين هما الصحراوية القارية الباردة بالإضافة إلى شبه الصحراوية شمالاً وشرقاً، ونظم المرتفعات الأكثر دفئاً في الجنوب والجنوب الغربي. أدى هذا التباين إلى تنوع بيولوجي كبير حول البحر خصوصاً إذا ما أضفنا إليه ما تقدمه دلتات الأنهار التي تصب فيه.

في البحر أكثر من 400 نوع مائي مستوطن و115 نوعاً من الأسماك أهمها الحفش Sturgeon. من بين الأسماك ما يهاجر صعوداً عبر الأنهار التي تصب في البحر للتكاثر. وعلى الضفاف، جذبت المياه الضحلة الطيور التي تزداد أعدادها بشكل كبير في مواسم الهجرة.

إضافةً إلى أهميته البيئية، جعلت الشواطئ الرملية وافرة الإشعاع الشمسي من قزوين مقصداً للسياح ناهيك عن موقعه على مفرق طرق مسارات التجارة العالمية. كما توجد على سواحله أنواع الحجارة المستخدمة في البناء خاصةً الثمينة منها إضافةً إلى بعض الأملاح. اكتسبت أسماك الحفش والتي تعد أحد أشهر الأنواع المحلية مع الزمن مقاومة للأمراض البكتيرية والفيروسية، كما تم استنباط دواء لأمراض القلب منها مما يؤكد على أهميتها الوراثية والبيولوجية. يعد بحر قزوين الحوض الوحيد في العالم الذي تم فيه حفظ قطيع من الحفش قادر على التكاثر، ويشكل القطيع 90% من مجموع هذا النوع في العالم. والكافيار الأسود ما هو إلا بيض هذا النوع من الأسماك والذي ينتج من بحر قزوين ليصدر إلى كل أنحاء المعمورة بوصفه غذاءً فاخراً.

يعد قزوين من بين أقدم المناطق المنتجة للنفط على الأرض، وتتركز ودائعه إما تحت البحر نفسه أو في الحقول البريّة على ضفافه. أهملت موارد البحر هذه فيما بعد وبقيت غير مستغلةً حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، واليوم يسبب عدم التعاون الإقليمي بين الدول المطلّة على البحر وقلة خيارات التصدير تباطؤ سرعة تطور هذا القطاع سيما إذا ما أضفنا صعوبة نقل ما يتم استخراجه وعدم وجود استثمارات كافية للمشاريع الكبرى فيه.

احتياطي النفط والغاز كبير حول قزوين، إذ يقدر احتياطي النفط بـ 18 - 35 مليار برميل والذي يعادل تقريباً ما تملكه الولايات المتحدة (22 مليار) وبحر الشمال (17 مليار)، أما احتياطي الغاز فهو يفوق ذلك أيضاً.

يشكل الوضع البيئي في بحر قزوين مشكلة متفاقمة حيث باتت بعض مناطقه ميتة وفقد جُرف البحر صلاحيته لوضع بيض الأسماك كما تراجع إنتاج الكافيار. وهكذا انخفض الإنتاج البحري من 30 ألف طن سنويا عام 1985 إلى 2100 طن عام 1994.

يتعرض البحر باستمرار إلى مصادر تلوث عديدة، منها مياه الصرف الصناعي والمحلي إضافةً إلى استخراج النفط على ضفافه؛ حيث أدى ارتفاع منسوب مياه البحر إلى غمر آبار النفط وازدياد انتشار التلوث. يعاني قزوين أيضاً من الصيد الجائر والبراكين الطينية التي تؤدي إلى نشوء جزر جديدة على ضفاف البحر. وتعتبر هذه البراكين مصدر تلوث طبيعي.

لا يسعنا أخيراً إلا أن نعرّج على وحش بحر قزوين الذي يتداوله الكثيرون كلّما ذكر اسم البحر. يمكنك رؤية هذا الوحش بالبحث عن caspian sea monster والذي ليس إلا طائرة روسية عملاقة أقلقت الخبراء الأميريكيين بين عامي 1964 و1965 عندما شاهدوها بحجمها الهائل تحوم فوق البحر.

قد يكون موقع بحر قزوين المركزي سبباً في تمتع بيئته ومحيطه بثروات باطنية وتنوع بيئي لا مثيل له، لكن هذا الموقع ذاته قد يسبب يوماً ما دماره لضعف الجهود الرامية لإنقاذه من قبل الدول المحيطة به.

المصادر:

هنا

هنا

هنا