البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

التعديل الوراثي لأجنة البشر يقرع جرس الإنذار عند العلماء

مقدمة: أصبحنا نسمع كل يوم عن التقنيات الحديثة المستخدمة في تعديل الجينات وكيف نستطيع تغيير الأجنة البشرية وطلب الصفات التي نريد في ابننا المستقبلي. ولكن هل هذا فعلاً حقيقي؟ وما رأي العلماء فيه.

تحرك العلماء مؤخراً للمطالبة بوقف استخدام تكنولوجيا التعديل الجيني في الخلايا التناسلية. وسط انتشار اشاعات كثيرة حول استخدام هذه التقنيات لتعديل الأجنة البشرية. وفي تعليق نشره إدوارد لانفير(مدير تجمع الطب التناسلي في واشنطن) بالاشتراك مع أربعة كتاب آخرين في 12 آذار/مارس في مجلة Nature ، مطالبين فيه بعدم الموافقة على تعديل أجنة البشر. حتى لو كان لأغراض بحثية لأنّ مثل هذه الأبحاث قد تُستخدم لتعديلات غير علاجية. حيث عبر لانفير وزملاؤه عن شدة قلقهم من الاحتجاجات العامة للخروقات الأخلاقية لمثل هكذا أبحاث والتي قد تعيق أبحاثاً واعدة لتطوير العلاج.

ويضيف فيدور أورنوف أحد زملاء لانفير وهو عالم في تقنية التعديل الجيني وباحث في شركة سانغامو للعلوم البيولوجية(Sangamo BioSciences) بأنّه ثمّة الكثير من الشركات والمعاهد منها شركة سانغامو التي تستخدم حقيقة أدوات التعديل الجيني لتطوير علاجات جديدة تُصحّح عيوب جينية في البشر ( مثلاً عبر تعديل كريات الدم البيضاء). ولكن يتخوف العالماء من إنتاج أطفال مصنعين بالكامل عبر تطبيق هذه الطرق على الأجنة مما سيؤدي لردود أفعال عنيفة ضد أي استخدام للتكنولوجيا. والتي تُعرف بــ" تعديلات النسل".

لقد حاز تعديل الأجنة الذي يحدث على البويضات أو النطاف اهتماماً كبيراً، لأنّه يحدث على المادة الجينية للفرد دون موافقته. إضافة إلى أنّ هذا التعديل سينتقل لنسله القادم.

وعن هذا الموضوع يقول لانفير مدير شركة سانغامو لفريق مجلة Nature الإخباري: بأنّه علينا أن نتوقف عن أي عمل يتعلق بالتعديل الجيني على الأجنة البشرية.

وبالمقابل ، يوجد هناك علماء يختلفون مع هذا الموقف ويعللون ذلك أنّ هذه الطرق أوجدت إمكانيةً للقضاء على بعض الأمراض الوراثية، بالرغم من إقرارهم بالحاجة لإجراء نقاشات مطولة حول مستوى الأمان والبعد الأخلاقي للتعديل على الأجنة والخلايا التناسلية.

فعلى سبيل المثال قام العالم Xingxu Huang (الاختصاصي في علم الوراثة بجامعة شنغهاي بالصين)، بعدة تجارب للحصول على الإذن من لجنة الأخلاق للمؤسسة التابع لها. من أجل تجارب للتعديل الجيني على بعض الأجنة البشرية المهملة. وفي شباط/فبراير 2014 استطاع إجراء التعديلات على أجنة تمّ تطويرها في القرود الحية. ولكن الأجنة البشرية لم تتمكّن من التطور الكامل في هذه التجارب. مع ذلك فقد صرح بأنّ هذه التقنية ستكون واعدة تعطي نتائج جيدة عند تطبيقها على البشر .

وبالإضافة إلى ذلك فقد قام خوان كارلوس بيلمونت خبير البيولوجيا التطورية في معهد سالك للدراسات البيولوجية في لاجولا _كاليفورنيا، باستخدام تقنية التعديل الجيني لاستبعاد أمراض تسبب ظهور طفرات في المتوكوندريا (المُتقدِّرات أو الصانعات) والتي تُعتبر وحدة إنتاج ومعالجة الطاقة في الخلية. حيث تركز عمل بلمونت على البويضات الأنثوية غير المُلقَّحة التي يمكن فيما بعد إجراء إخصاب صناعي لهذه البويضة المُعدَّلة بطريقة طفل الأنبوب In Vitro Fertilization . لمنع انتقال هذا المرض الوراثي إلى الأبناء.

تحوم الشكوك اليوم حول استخدام العلماء لهذه التقنية في خلق أجنة بشرية تحمل تعديلات وراثية. وقد صرَّح عدد من الباحثين (الذين رفضوا ذكر أسمائهم) لفريق مجلة Nature الإخباري، أنّ هناك أوراقاً علمية أعدَّها بعض العلماء في هذا المجال وهي في طريقها للنشر.

في كانون الثاني/ يناير الماضي قامت مجموعة من العلماء بالاجتماع في مدينة نابا في كاليفورنيا لمناقشة الاستخدامات المحتملة لتقنيات التعديل الجيني على النسل البشري. وقاموا بوضع ورقة عمل توضح وجهة نظرهم ومخاوفهم من انتشار مثل هذا التقنيات وقد قامت المجلة العلمية Science بنشر هذه الورقة فيما بعد. وتقول دانا كارول اختصاصية علم الوراثة في جاومعة يوتا_ مدينة سالت ليك وإحدى المجتمعين في نابا : بأنها ستدعو إلى مباحثات مطولة حول أخلاقيات وأمان استخدام مثل هذه التعديلات على الأجنة البشرية وتستطرد كارول فتقول: إنّ التعديلات على الجينوم البشري هي تعديلات دائمة وموروثة عبر الأجيال لذلك فإنّها تطلب الكثير من الحذر في استخدام مثل هذه التطبيقات.

وفي دراسة أجراها العالم الياباني Tetsuya Ishii المُتخصِّص في أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة هوكايدو في اليابان. والتي أشارت إلى أنّ التعديلات على الجينوم البشري فُعّلَ في العديد من البلدان حيث وجد أنّه من بين 39 بلداً شملته الدراسة، هناك 29 بلداً لديها قوانين أو إرشادات تمنع مثل هذه الإجراءات. ولكن مع التطور الحاصل في إيجاد تقنيات تعديل دقيقة بالسنوات الأخيرة عادت هذه القضية للواجهة مجدداً.

تعتمد تقنية التعديل الجيني على استخدام أنزيمات قطع نيوكليزيز nucleaseas تقوم بقطع المادة الوراثية الــDNA في أماكن محددة تمثل الطفرات أو العيوب لتقوم بحذفها أو إعادة كتابة المعلومات الجينية مجدداً في هذه المواقع. وتعد هذه الطرق بسيطة بدرجة يمكن استخدامها في وحدات إخصابية تجريبة عادية ولكن مايزيد المخاوف من إمكانية تجريب هذه الطرق على الإنسان قبل إنهاء دراسة معايير السلامة ينبع مما يلي :

- يكمن أحد المخاوف على سبيل المثال في أنّ أنزيمات القطع يمكن أن تقطع الــDNA في أماكن أخرى غير أماكن العيوب مما يؤدي لحدوث طفرات غير محسوبة. ويقول Guanghui Liu الباحث في مجال الخلايا الجذعية في معهد العلوم البيوفيزيائية في بكين. أنّ تعديل جين واحد في الخلايا الجذعية أنتج أقل مستوى من الطفرات الغير مطلوبة، ولكنه حذر بأنّها تبقى حالة خاصة ومن الصعوبة بمكان تعميمها على الحالات الأخرى.

- أما جينفير دودنا أخصائية الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا فتقول: إنّ كل تطبيق لاستخدام تكنولوجيا التعديل الجيني بهدف المعالجة، بحاجة للتأكد من صلاحيته بشكل مستقل كعلاج فعال وآمن. وبالتالي فإنّه من الضروري تقييم ما إذا كانت المخاطر تفوق الفائدة للمريض لكل حالة على حدى.

- ويظهِر Tetsuya Ishii (الذي قام بالدراسة الإحصائية سابقاً) قلقه تجاه بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنّ التعديل الجيني فيها ليس ممنوعاً بالقانون ولكنه يحتاج إلى موافقة حكومية. ولكن حتى مثل هذه القيود قد سبق التحايل عليها مسبقاً، كما في حالة وجود علاجات غير مثبتة بالخلايا الجذعية. ويمتد قلق العالم الياباني إلى الصين؛ التي تمنع التعديل على الأجنة لكنها لا تعمل بقوة لفرض هذه القواعد والقوانين كما حدث في المحاولات الفاشلة في استخدام الأمواج فوق الصوتية لاختيار الجنس، وكذلك الفشل في إيقاف عيادات الخلايا الجذعية غير المُرخّصة. وتُعتبر الصين من الدول التي تطورت فيها تقنيات التعديل الوراثي للأجنة بشكل مخيف. كما أنّه يوجد الآن العديد من عيادات الإخصاب الموثوقة حول العالم.

وفي الختام .. نرى أنّ التكنولوجيا سلاحٌ ذو حدين .. لكننا في مراحل مفصلية يجب أن نقرر ما هو الأفضل لمستقبل أبنائنا؟ هل فعلاً يمكن أن نصل لمرحلة وجود أطفال مصنعين بالكامل؟ سؤال برهن المستقبل الذي نصنعه نحن .. ما رأيكم أنتم بذلك أصدقاءنا؟

المصدر

هنا