عبقرية الحضارة البشرية تتلخص في اختراعاتٍ عشر ... البارود

يُعتبر البارود أول مادةٍ متفجرة اكتشفتها الإنسانية، ويصنف من بين أهم الاختراعات التي غيرت وجه البشرية وأعادت كتابة التاريخ، فسببت اندثار حضاراتٍ وامبراطوريات و نهوضَ وازدهار أخرى فلنتابع هذا المقال لنتعرف على تاريخ هذا الاختراع الخطير و المدهش. يُنسب اختراع البارود للصينيين و يُصنف من الاختراعات الأربع العظيمة للصين. إنّ أقدم وصفةٍ للبارود تعود إلى سلالة سونغ الصينية في القرن الحادي عشر الميلادي حيث انتشرت الأخبار عن هذا الاختراع عبر حروب المغول في القرن الثالث عشر ولكن لم يتم استعمال البارود في الحروب حتى أواخر القرن الرابع عشر واختراع المدفع في القرن الخامس عشر .

(سلاح يدوي صيني من سلالة يوان)

تطور البارود عبر العصور الوسطى :

الصين :

في أوائل سنة 492 ميلادية لاحظ الكيميائيون الصينيون مادة الملح الصخري و الذي يحترق بنار أرجوانية والذي يُعتبر المكون الأساسي للبارود. تُعد بعض الوثائق العسكرية الصينية و التي تعود لعام 1044 أقدم وصفة للبارود والذي احتوى على نسبةٍ قليلةٍ من الملح الصخري لجعله متفجراً. والجدير بالذكر أيضاً أن الألعاب النارية اختُرعت في الصين في القرن العاشر لإبعاد الأرواح الشريرة. ومنذ أوائل القرن العاشر استُعملت الأسلحة التي اعتمدت على البارود كالمنجنيقات النارية أو (Huo Pao) في الحروب العديدة التي شهدتها الصين في العصر الوسيط وقد استعملت أيضاً خلال غزو المغول لأوروبا.

الحضارة الإسلامية:

اكتسب المسلمون المعرفة عن البارود عام 1240 بعد أن كتب حسن الرماح أول وصفة عربية للبارود، ويُعتقد أن هذه الوصفة وصلت للبلاد الإسلامية عن طريق الصين والهند وما يدعم هذا الاعتقاد هو تسمية الرماح للملح الصخري بالثلج الصيني والألعاب النارية بالأزهار الصينية .

استُعملت المدافع التي تعتمد على البارود في إشبيلية الأندلسية سنة 1248 ، و يزعم عدد من المؤرخين أن المدفع قد استعمل لأول مرة من قبل المماليك في معركة عين جالوت ضد الجيوش المغولية، و لكن المغول يزعمون أيضاً أنهم من ادخل البارود إلى الشرق الأوسط .

تضمّن كتاب (الفروسية و المناصب العسكرية ) -و الذي كتبه حسن الرماح- 107 وصفات للبارود منها 22 وصفة للصواريخ كما تضمن الكتاب أول وصف للطوربيد .

كانت الإمبراطوريات الاسلامية العثمانية و الصفوية و الموغالية تدعى إمبراطوريات البارود لأن قوتها العسكرية اعتمدت على استعمال الأسلحة البارودية .

(مدفع الدردنيل البرونزي ، و الذي استعمله العثمانيون في حصار القسطنطينية 1453)

الهند :

انتقلت تكنولوجيا البارود الصينية إلى الهند في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي إلا أنه من الممكن أن تكون قد دخلت الهند قبل ذلك بقرنٍ كامل وذلك بسبب احتلال المغول للهند في أواسط القرن الثالث عشر، ولكن بغضِّ النظر عن ذلك فحتى البارود الذي استعمله المغول في حروبهم كان صينيّ المنشأ . ويعتقد بعض المؤرخين أن الملح الصخري و الذي يُعتبر المكون الرئيسي للبارود كان يحضر إلى الصين من الهند .

العصر الحديث المبكر :

شهِدت الفترة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر تطوراً وانتشاراً كبيرين للبارود في العالم القديم ففي القرنين الخامس والسادس عشر كانت الهند متقدمةً في مجال صناعة البارود أكثر من أوروبا، ولكن في القرن السابع عشر تطورت صناعة البارود في أوروبا بشكل كبير حتى أصبح لديها التأثير الكبير في المجالين العسكري والهندسي وبقي الأمر على هذه الحال حتى ستينيات القرن التاسع عشر عندما احتلت مكانه مواد متفجرة أخرى .

الهند الموغالية :

كانت الهند في القرن السادس عشر المُصنِّع الأكبر للأسلحة البارودية، حيث صنع الهنود أنواعاً مختلفة من الأسلحة وخصوصاً الكبيرة منها. فقد وجدت مدافعٌ مصنوعةٌ من البرونز في كل من كلكتا و بيجابور. وقد زودت الهند الجيوش الهولندية و البرتغالية و الفرنسية و الإنكليزية بالأسلحة البارودية .

أوروبا :

تقول إحدى النظريات أن البارود دخل أوروبا عبر طريق الحرير، ويعتقد اّخرون أن سبب دخوله كان الغزو المغولي لأوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي . وإنَّ أقدم الإشارات لوجود البارود في أوروبا كانت في كتاب رسالة أسرار الأعمال الفنية و الطبيعية (Epistola de secretis operibus artiis et naturae) لروجر بايكون سنة 1267 ، و لكن أقدم الوصفات الأوروبية للبارود سُجلت تحت اسم ماركوس غريكوس أو مارك اليوناني بين عامي 1280 و 1300 ، و لكن استعمال البارود في الحرب في القارة العجوز كان عندما حاصر الملك ألفونسو العاشر مدينة نيبلا واستخدم سكان المدينة العرب نوعاً من البنادق البدائية ضد الإسبان.

استُعمل البارود في العديد من المجالات في العصر الحديث المبكر في أوروبا و منها :

1- المجال العسكري :

ساعدت المهارة الهندسية في أوروبا على اختراع الأسلحة البارودية المتحركة و سمحت بتطوير الأسلحة المحمولة باليد كالبنادق. وتفوقت الدول الأوروبية على الصين بنوعية الأسلحة المصنّعة وكميتها و أصبحت المدرستان الألمانية و الإيطالية رائدتان في صناعة هذه الأواع من الأسلحة.

(مدفع فرنسي من القرن الثامن عشر)

2- المناجم :

قبل اختراع البارود كان على عُمّال المناجم تسخين الصخور الكبيرة والقاسية بنيرانٍ ضخمة قبل تحطيمها ثم دخل البارود الأسود في أعمال حفر المناجم في أوائل القرن الخامس عشر وقد اتّسمت عمليات الحفر باستخدام البارود بغاية الخطورة .

3- حفر الأقنية :

إنّ أول استعمال هندسي للبارود في أوروبا كان من خلال إنشاء قناة ميدي سنة 1681 (canal du Midi) والتي وصلت بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي .

الولايات المتحدة الأمريكية :

الثورة الأمريكية :

حُفرت عدد من المناجم أثناء الحرب الثورية الأمريكية للحصول على الملح الصخري لصناعة البارود عندما انقطعت الإمدادات من أوروبا و قد صدرت عدد من الوثائق في تلك الفترة حول كيفية صناعة البارود.

الحرب الأهلية :

كانت الهند البريطانية المصدر الأساسي للملح الصخري لجنود الاتحاد، و قد هُدد هذا المخزون بالانقطاع عندما أسرت البحرية الاتحادية عدد من دبلوماسيي الكونفدرالية وقد كان رد الحكومة البريطانية بوقف تصدير الملح الصخري لحكومة الاتحاد ولكن تم حل هذا الخلاف و حُرر الدبلوماسيون مما أدى إلى عودة التصدير وساعد هذا المخزون الشمال على الفوز بالحرب.

المراجع:

هنا