الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

كيف يحدد عقلنا السعر الذي يستحقه المنتج؟

فكر في آخر مرة ذهبت فيها للتسوق، غالبا عندما تذهب للتسوق يكون في ذهنك بضائع معينة قد قررت شراءها مسبقا وتعرف كم تكلفتها، لكن ياترى هل قرارك بشراء السلعة راجع لسعر السلعة؟ أم للسلعة ذاتها؟ من له الأثر الأكبر على قرارك؟

هذا هو السؤال الجوهري في البحث التجريبي الذي يستخدم أدوات علم الأعصاب لتسليط الضوء على كيفية اتخاذ أدمغتنا لقرارات الشراء، والذي عنوانه: "الوعي للتكلفة؟ التأثير العصبي والسلوكي لأولوية السعر على اتخاذ القرار".

يقول Uma R. Karmarkar وهو عالم أعصاب وأستاذ مساعد في وحدة التسويق بجامعة هارفرد للأعمال، والذي قام بإجراء البحث مع Baba Shiv وهو أستاذ في التسويق وخبير في علم الاقتصاد العصبي في ستانفورد:" كنا مهتمين بمعرفة ما إذا كان السعر هو من يلعب الدور الأساسي في اتخاذ قرارات الشراء، وما إذا كان له أثر على طريقة تقييم الدماغ للمنتج، إن امتلاكنا للأدوات اللازمة لاختبارات الأعصاب فتح المجال أمامنا للإجابة على هذين السؤالين".

وجد الباحثون أن عرض السعر أولا يجعل المستهلكين يفكرون حول ما اذا كان المنتج يستحق سعره أم لا، وكنتيجة لهذا فإنه يفتح المجال أمام دخول عنصر المساومة حول سعر السلعة.

قد يساعد البحث بائعي التجزئة في تحديد أمور مهمة كالوقت المناسب لرفع الأسعار، وتحديد أي المنتجات تعمل بشكل أفضل مع هذه الاستراتيجية، إضافة إلى كيفية ترويج المنتجات للمستهلكين بشكل أفضل.

تجربة التسوق الدماغية:

في سلسلة من الاختبارات، ذهب المشاركون للتسوق وهم مستلقون على ظهورهم داخل جهاز وظيفي للتصوير بالرنين المغناطيسي.

يستخدم هذا الجهاز مغناطيس كهربائي عملاق، قوته غالباً تكون 3 تيسلا، يتبع تدفق الدم في جميع أنحاء الدماغ عند استجابة موضوع الاختبار للتنبيهات الحسية، وفي هذا الاختبار كان المشاركون يستجيبون لصور المنتجات وأسعارها.

في التجربة الأولى التي أجريت في مركز تصويري في حرم جامعة ستانفورد، تم إعطاء كل مشترك 40 دولار للتسوق قبل رؤية مجموعة من 80 منتجاً وأسعارها على شاشة داخل جهاز الرنين المغناطيسي، ويقول Karmarkar: "لقد جعل ذلك تجربة التسوق أكثر واقعية".

للتشجيع على الشراء، تم عرض المنتجات بأسعار مخفضة، وكان المشاركون يرون السعر أولاً أحياناً وفي أحيان أخرى يرون المنتج أولاً، ولكن في كل الحالات، رأوا في النهاية صورة لكل من المنتج والسعر موضوعين معاً.

في تلك المرحلة كانوا يختارون شراء المنتج أم لا عن طريق الضغط على زر (نعم، أم لا).

بعد الخروج من الجهاز، ملأ المشاركون مسحاً لتقييم حبهم لكل منتج على مقياس من 1_7.

ركز الباحثون على نشاط الدماغ في اللحظة التي رأى فيها المشاركون المنتج والسعر معروضين معاً، وكانوا أكثر اهتماماً بالقشرة الأنسية في الفص الجبهي(المنطقة من الدماغ التي تتعامل مع تقدير قيمة القرارات) والنواة المتكئة (منطقة كانت تسمى مركز المتعة، ويرتبط نشاطها فيما إذا كان المنتج مرغوباً به بشدة).

يقول Karmarkar: "ما اهتممنا به كان فيما إذا كانت الأنماط العصبية في هذه المناطق تبدو مختلفة عند النقطة التي تكون فيها المعلومات على الشاشة في النهاية هي نفسها".

أظهرت النتائج أن نشاط الدماغ يختلف حسب ما إذا كان المشارك قد رأى المنتج أو السعر أولا.

يقول Karmarkar: "إنّ نمط النشاط في قشرة الفص الجبهي تفترض أن التسلسل مهم، وببساطة فإن الإشارات العصبية بدت مختلفة عندما ظهر السعر أولاً مقابل ظهور المنتج أولاً، فعند ظهور المنتج أولاً، كان السؤال المتعلق بالقرار يبدو كالتالي: (هل يعجبني المنتج؟) بينما أنه عند ظهور السعر أولاً بدا السؤال: (هل يستحق المنتج هذا السعر؟) ".

يُلاحظ أن أولوية السعر لم يكن لها تأثير كبير على السلوك الشرائي الفعلي، فقد اشترى المشاركون تقريباً نفس العدد من العناصر وأظهر المسح تقييمات إعجاب متشابهة بغض النظر فيما إذا كانوا قد رأوا المنتج أم السعر أولاً.

اشتبه الباحثون أنه حتى لو كان المشاركون انتقاديين أكثر بالنسبة لقيمة المنتج في حالة أولوية السعر، فإن المنتجات كانت جذابة بشكل متساوٍ في كلا الظرفين.

كان معظم المشاركين في العشرينات من أعمارهم، وكانت أغلب المنتجات ملائمة لأذواقهم مثل: الأفلام، الملابس والسماعات الملغية للضوضاء، وغيرها.

يقول Karmarkar: "إذا أحببت شيئاً ما حقاً وكان بإمكانك تحمل تكلفته، فسوف تشتريه، وبالنسبة لهذا النوع من القرارات السهلة، لا يهم فيما إذا عُرف السعر أم المنتج أولاً".

على الرغم من أن نتائج هذه التجربة الأولية كانت واضحة بالنسبة لعلم الأعصاب، فقد أراد فريق Karmarkar أيضاً إظهار أن أبحاثهم يمكن أن يكون لها آثار في العالم الحقيقي بالنسبة لتجار التجزئة (تأثير مباشر فيما إذا قرر المستهلك شراء المنتج).

افترضوا أن أولوية السعر قد تزيد فعلاً من احتمال شراء المنتجات، ولكن فقط إذا كان القرار مرتبطاً بفائدة المنتج أكثر من الرغبة العاطفية البحتة.

وتحقيقاً لهذه الغاية، صمم الباحثون دراسة لاحقة جلس فيها 83 مشاركاً على كمبيوتراتهم وقاموا بتقييم منتجات يمكن القول عنها أنها مملة، ولكنها نافعة، وهي: "إبريق لتنقية المياه، مجموعة من بطاريات AA، محرك أقراص USB ومصباح يدوي".

وعلى غرار دراسة جهاز الرنين المغناطيسي، تم عرض المنتجات بسعر مخفض.

بالنسبة للمنتجات الأربعة رأى المشاركون إما سعر أو صورة للمنتج لمدة 8 ثوانٍ وتلا ذلك ظهور شاشة للقرار تعرض كلّاً من السعر والمنتج.

بعد ذلك قام المشاركون بالإشارة إلى المدى الذي أرادوا من خلاله شراء البنود المدرجة على مقياس من 0_100، واعتُبر كل رقم أعلى من 50 على أنه هناك نية لشراء المنتج.

في هذه المرة، كان لأولوية السعر تأثير مباشر على قرار الشراء، وكان واضحاً أن المشاركين كانوا أكثر عرضة لشراء المنتج في حال رؤية السعر قبل المنتج.

بالنسبة لتجار التجزئة، يشير هذا إلى أنه من المنطقي التقدم بالأسعار، على الأقل عند الإعلان عن العناصر النفعية.

في ذات الوقت، وفي الحالات التي يتم الإعلان فيها عن السعر بدايةً، قد يرغب تجار التجزئة في تغيير طريقهم وتسليط الضوء على وظيفة منتج ما أكثر من شكله.

يقول Karmarkar: "ليس السؤال فيما إذا كان السعر يجعل المنتج يبدو أفضل، إنه فيما إذا كان المنتج يستحق السعر، فإن عرض السعر في البداية يضيق الرابط بين المنفعة الحاصلة من السعر والفائدة الحاصلة من المنتج ذاته".

ولكن كشف البحث كذلك عن تحذير ملحوظ: فبعد أن أشار المشاركون فيما إذا أرادوا شراء المنتج أم لا، قاموا بطباعة كم هم مستعدون شخصياً للدفع بالدولارات على هذا المنتج في استمارة على الانترنت.

من المثير للدهشة أن متوسط الكمية التي كان المشاركون مستعدين لدفعها كانت أخفض في الحالات التي تم فيها عرض السعر في البداية، وهذا يشير إلى أنه إذا رغب تجار التجزئة في الاستفادة من أولوية السعر فإنه عليهم الإعلان عن صفقات حقيقية.

على سبيل المثال: إذا قامت gigantic neon sign بالإعلان عن خصم 5$ من سيارة سعرها 20000$، هذا حتماً سيبعد العملاء كثيراً.

يقول Karmarkar: "إذا لم يكن الحسم ملحوظاً، فأنت في الواقع تضع نفسك في وضع غير مؤاتٍ من خلال تسليط الضوء على الأسعار أولاً، لأن الناس يدققون بالسعر الآن عن معرفة ويحاولون التأكد أن المنتج يستحق السعر، فلا يمكنك ببساطة محاولة خداع الناس من خلال إقناعهم أن هذا السعر مثالي".

المصدر:

هنا

مصدر الصورة:

نفس مصدر المقال