الهندسة والآليات > الصناعة والأتمتة

سلينيد القصدير المادة الكهروحرارية الخارقة

أهم الاستراتيجيات في مواجهة أزمة الطاقة العالمية تكمن في عدم هدر قدر كبير من تلك الطاقة خلال عمليتي إنتاجها واستهلاكها، وبالخصوص نذكر المصانع العاملة على الوقود الأحفوري، إحصائياً فإن ثلثي دخل الطاقة هنا تتم خسارته على شكل حرارة.

ولكن فريقا من الباحثين في جامعة "نورثويستيرن" قاموا باكتشاف مادة جديدة مذهلة تعد الأفضل في العالم من حيث تحويل الخسارة الحرارية إلى كهرباء مفيدة.

هذه الخاصية المتميزة يمكن استثمارها في الأجهزة الكهروحرارية الصلبة* في عديد من الصناعات بذلك الوصول إلى مستوى عالي من توفير الطاقة.

وجد فريق من العلماء متعددي الاختصاصات بقيادة أخصائي الكيمياء اللاعضوية "كاناتزيديس"، أن البنية الكريستالية لمركب "سيلينيد القصدير" تتمتع بناقلية حرايرية ضعيفة جداً بفضل بنية المركب الشبكية لحد يمكن اعتبار سلينيد القصدير أكثر المواد الكهروحرارية كفاءة على الإطلاق.

على عكس معظم المواد الكهروحرارية فإن سيلينيد القصدير يمتلك بنية بسيطة جداً شبيهة بالأكورديون، مما يفتح الباب أمام العديد من الخصائص الاستثنائية.

تعرف كفاءة تحويل الحرارة الضائعة في الكهروحرايات بقيمة عددية تدعى بالـ، ZTو يمتلك سيلنيد القصدير ZT بقيمة 2.6 وهي أعلى قيمة تم تسجيلها على الإطلاق في درجة حرارة 650 سيليسيوس، فالموصلية الحرارية المنخفضة للغاية للمادة تعزز فمعامل ال ZT إلى هذه القيمة العالية مع الإبقاء على موصلية كهربائية جيدة.

مقياس ال ZT يمثل نسبة الناقلية الكهربائية والطاقة الكهروحرارية في البسط (والذي يتوجب أن يكون كبيراً) إلى الناقلية الحرارية فهي في المقام (التي يتوجب أن تكون صغيرة).

تشمل التطبيقات المحتملة للمواد الكهروحرارية في درجات الحرارة العالية صناعة السيارات (حيث أن كمية ضخمة من الطاقة الكامنة للبنزين تخرج من عوادم السيارات)، والصناعات التحويلية الثقيلة (مثل تصنيع الزجاج والطوب والمصافي وفي محطات الكهرباء العاملة بالفحم والغاز) وفي أماكن تشغيل محركات الاحتراق الكبيرة العاملة بشكل مستمر (مثل محركات السفن وناقلات النفط).

المادة الكهروحرارية الجيدة هي مجال للأعمال– فهي تجارية بقدر ما هي علمية، يقول أحد الباحثين الأساسيين في الفريق. ويضيف " لسنا بحاجة إلى تحويل قدر كبير من الطاقة المهدورة عالمياً إلى طاقة مفيدة لجعل مادة كهذه مثيرة للاهتمام’ نحن فقط نحتاج لحلول لمشكلة الطاقة’ والمواد الكهروحرارية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذ النوع من العمليات ".

هذا الاكتشاف يأتي بعد أقل من سنتين من كسر الفريق نفسه للرقم العالمي بمادة كهروحرارية أخرى بمعامل ZT بلغ 2.2

يضيف احد الباحثين في الفريق "إن ضعف كفاءة المواد الكهروحراية الحالية حد من تطبيقاتها التجارية، ولكن الأن مع تطبيق أنظمة سيلينيد القصدير في الأجهزة الكهروحرارية فمن المتوقع أن تصبح أكثر كفاءة من الأنظمة الأخرى في تحويل الحرارة الضائعة إلى كهرباء مفيدة.

على الرغم عن امتلاك المادة لبنية بسيطة إلا أنها تنقل الحرارة بشكل ضعيف جداً حتى أن الطاقة الحرارية المعتدلة والقليل من التوصيل الكهربائي تكفي لتوفير أداء كهروكهربائي ممتاز في درجات الحرارة المرتفعة.

قام الفريق بإنماء كريستالات من المادة وقياس ناقليتها الحرارية على المحاور الثلاث وأبدت المادة ناقلية حرارية صغيرة بحد كبير على جميع المحاور والسبب يعود إلى ضعف الروابط بين بعض الذرات في المركب، مما يؤدي إلى اهتزازات ذرية مرنة ولينة للغاية ومعنى ذلك أن الذرات ستهتز بشكل بطيء للغاية على عكس النواقل الحرارية العالية التي تكون فيها حركة الذرات اهتزازية عنيفة. ويقول الباحثون بأن الدراسة تعطي تفسيراً علمياً لضعف الناقلية الحرارية لهذه المادة بالإضافة على كونها تعطي اتجاها جديداً لإيجاد عن مواد بفعالية حرارة أكبر

يشرح الفريق آلية عمل سيلينيد القصدير حيث أنه يذكرنا بإعلان تجاري عن فراش رغوة الذاكرة حيث يمكن للشخص أن يقفز على جانب واحد من الفراش بينما يرقد كأس من النبيذ على بعد أقدام قليلة بكل هدوء—فالاهتزازات لا تصل للكأس بسبب مادة الفراش الخاصة، وهذا يشبه تماماً سيلينيد القصدير فعلى جانب من هذه المادة يمكنك تخيل درجات حرارة عالية ناتجة عن الحرارة الضائعة أما على الجانب الأخر فإنك تجد درجة حرارة عادية بأقل كمية من الحرارة منتقلة من الجانب الأول لأن الحرارة لا يمكنها الانتقال من جانب لأخر في هذه المادة بسبب الاهتزاز الناعم والبسيط للذرات الذي لا ينقل الحرارة، وبهذه العملية يمكن للجانب الحار أن يولد كهرباء مفيدة.

بالنظر إلى مشكلة كالطاقة الحرارية الضائعة من أكثر من زاوية تمكنا من التوصل لهكذا نتائج وكشوفات علمية كبيرة، من هنا نرى أنه علينا النظر إلى كل مشكلة من مشاكلنا بعقلية منفتحة وأخذ جميع الخيارات بعين الأعتبار ومحاولة التوفيق والدمج بين جميع الفروع العلمية.

بالإضافة لقيمتها التجارية والعلمية تعطي هذه الدراسة مثالا ناجحاً عن إنتاج الفرق العلمية متعددة الاختصاصات. فهل تظن أن هذا النوع من الإنجازات العلمية يعود لوجود فريق متكامل من العلماء بمختلف الاختصاصات أم تظن أنه من الأفضل أن يعمل كل نوع من المختصين على حدا؟

* الأجهزة الكهروحرارية الصلبة: هي أجهزة تقوم بتحويل الحرارة إلى طاقة دون امتلاك على أجزاء متحركة.