الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الغاز الصخري بين إغراء الطاقة والمخاوف البيئية

ما هو بدايةً، الغاز الصخري وكيف يستخرج؟

هو غاز طبيعي موجود في الصخر الزيتي Shale rocks وهو أحد الصخور الرسوبية المكونة من مزيج من رقائق المعادن الطينية مع شظايا صغيرة من الكوارتز والكالسيت. في العالم أنواع مختلفة من الصخور الرسوبية تحتوي على ودائع من الغاز الطبيعي كالحجر الرمليSandstones والحجر الجيري. تكون الصخور الرملية ذات مسامية عالية بمعنى أن المسام الصغيرة داخل الصخر متصلة جيداً مما يفضي إلى تدفقٍ سهلٍ للغاز خلال الصخور في حين تكون الصخور الزيتية ذات نفاذية منخفضة جداً مما يجعل استخراج الغاز منها أكثر صعوبة وتكلفة. الغاز الصخري أحد أنواع الغاز غير التقليدي؛ وهو مفهوم يشمل أيضاً الغاز المحكم Tight gas وميثان طبقة الفحم Coal bed methane.

أما التكسير الهيدروليكي أو التصديع المائي Hydraulic fracturing فهو الوسيلة الأكثر استخداماً للحصول على الغاز غير تقليدي، وهو تكسير تحفيزي للصخور بسائل مضغوط مكون من الماء والرمل ومواد كيميائية تحقن في الآبار الأفقية لتوليد تصدعات في التكوينات الصخرية العميقة التي تحتجز الغاز الطبيعي والنفط والمياه المالحة مما يجعلها تتدفق بحُريّة. تــُـبقى الشقوق المحدثة مفتوحة عند إزالة الضغط عن البئر بفضل حبيبات صغيرة من الرمل أو أوكسيد الألمنيوم تضخ بعد إزالة سائل التكسير المضغوط. بدأ التكسير الهيدروليكي عام 1947 وطبق تجارياً بشكل ناجح عام 1950.

تكوّن الغاز الصخري –كما النفط والفحم– أساساً من بقايا النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة التي عاشت منذ ملايين السنين ودفنت

في القشرة الأرضية حيث ضغطت لفترة طويلة، وعلى الرغم من أن المبدئ الأساسي لتشكل الغاز الصخري مفهوم جيداً إلى حد ما، إلا أن توليد الغاز داخل صفائح الصخور قد يختلف بشكل كبير من مكان لآخر وينبغي فهم الحوض المدروس ومواصفاته البيترو-فيزيائية وتدفق الغاز عبر الصفائح إذا ما أردنا تحديد مكامن الغاز غير التقليدي.

لتفهم آلية الاستخراج يمكنك كتابعة الفيديو التوضيحي من هنا:

هنا

من أهم الدول التي تملك احتياطي غاز صخري قابل للاستخراج بدءاً بالأعلى : الصين - الأرجنتين - الجزائر - كندا - الولايات المتحدة- المكسيك - أستراليا - جنوب أفريقيا - روسيا - البرازيل (علماً أن ليبيا تأتي في المرتبة الـ 15 ومصر في المرتبة 17 عالمياً). هذا وتتوضع مخازن الغاز الصخري في الجزائر وليبيا ومصر تحت مناطق توصف بأنها قاحلة.

الأضرار البيئية:

هناك ثلاثة مخاطر رئيسية:

الحاجة لاستخدام كميات كبيرة من المياه - مخاطر التلوث - الاختراقات البصرية والضوضاء في مواقع الإنتاج وحولها.

يتطلب استخراج الغاز الصخري كميات أكبر من المياه مقارنةً باستخراج الغاز التقليدي حيث يلزم البئر الواحد 10 - 20 ألف متر مكعب من الماء لذا يجب أن يكون هنالك مورد مائي متوفر على مدار عملية التكسير التي تستمر حوالي الثلاثة أسابيع. لا تقع مكامن الغاز الصخري في المناطق وفيرة المياه في العالم عموماً مثل الصين والمكسيك وجنوب إفريقيا والتي تحوي موارد كبيرة من الغاز الصخري القابل للاستخراج لكنها مقيدة بسبب الحاجة الشديدة للمياه هناك.

توجد 38% من موارد الغاز الصخري في مناطق جافة أو تحت مستويات عالية أو عالية جداً من الإجهاد المائي. هنالك أيضاً 386 مليون نسمة يعيشون فوق الأراضي الحاوية على هذا الغاز، وفي هذه الأراضي ذاتها تشكل الزراعة المروية المستهلك الأكبر للمياه العذبة فيها.

تعد الجزائر أكبر منتج للغاز الطبيعي وثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا وتحتل المرتبة الثالثة عالمياً بمخزونها من الغاز الصخري. في بلد تستنزف فيه الزراعة 60% من المياه العذبة –الشحيحة أصلاً– كان لابدّ للجزائر من تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي لاستخراج المخزون الهائل من الغاز الصخري.

تصنف المخاطر البيئية عموماً تبعاً لمرحلة الاستخراج:

1- تحضير الموقع؛ الذي يتضمن تنظيف الأرض والإنشاء - الخطر المحتمل: تدمير المواطن الطبيعية والتـأثير بجودة المياه.

2- الحفر؛ الذي يتضمن استخدام الإسمنت في تغليف البئر بالإضافة إلى احتمال تسرب الميثان أثناءه - الخطر المحتمل: تلوث الهواء والماء الجوفي.

3- التكسير؛ الذي يتضمن ضخ سائل التكسير المضغوط بما يحمله من كيماويات ثم ضخ مادة تبقي الصدوع مفتوحة - الخطر المحتمل: استنزاف الموارد المائية في المنطقة والـتأثير بنوعية الماء والهواء.

4- تخزين سائل التكسير وإعادة امتصاصه؛ الذي يتضمن معالجة سائل التكسير وإلقاءه في الصرف الصحي - الخطر المحتمل: التأثير بجودة المياه السطحية.

من المآخذ أيضاً مسألة التشوهات البصرية والضجيج الناتج عن التكسير، وفي الواقع فإن الناتج عن آبار الغاز الصخري أقل من آبار الغاز التقليدي لذلك كانت الحاجة دوماً للمزيد من الآبار الأمر الذي يقلق راحة السكان في المناطق القريبة ويشوه منظرها.

رد المؤيدين لاستخراج النفط الصخري على الأضرار المحتملة:

تدّعي شركة توتال Total النفطية مراعاتها للمعايير البيئية إضافةً إلى قواعد الإنتاج المستدام ومطالب السكان المحليين في مواقع الاستخراج عند اتخاذ أي قرار يتعلق بجدوى تطورات الغاز الصخري في المستقبل.

بالنسبة للاستخدام الكبير للمياه يمكن أثناء استخراج الغاز إعادة ما نسبته 20 - 80% من الماء المستخدم خلال السنوات الأولى من الإنتاج لكن معالجة هذه المياه يبقى أمراً غير سهل بسبب الجزيئات الصلبة والهيدروكربونات والأملاح المحمولة مع هذا الماء. يمكن بفضل تقنيات التحلية المتطورة إعادة استعمال ما يصل إلى 90% من هذه المياه كما يمكن أيضاً استخدام مياه البحر بدلاً من استنزاف المياه العذبة.

إن التكسير الهيدروليكي لا ينطوي فقط على استنزاف المياه المحلية بل على خطر تلوث المياه الجوفية أيضاً وهنا يرد المدافعون عنه بوجوب الابتعاد عن مخازن هذه المياه خلال الحفر وضرورة تدعيم الآبار بشكل حلقي بالإسمنت أي صب الاسمنت بين الصخور وبطانة جدار البئر مما يمنع التلوث المحتمل.

أما عن المركبات الكيميائية المستخدمة فهي تبلغ 0.5 % من كامل كمية السائل المحقون وهي مركبات عادية مثل تلك التي توجد في المنتجات المنزلية علاوةً على أن استخدامها يتم على عمق يزيد عن الـ 1000 متر تحت مستوى طبقات المياه الجوفية كما تعمل الشركات على محاولة تقليص استخدام هذه المواد أو إيجاد بدائل لها من مصادر غذائية آمنة.

يؤرق التكسير الهيدروليكي الكثيرين أيضاً بسبب التلوث البصري والصوتي الذي يرافقه وهنا يتم تجميع الآبار معاً في عناقيد من 10 - 15 بئراً ليتم حفرها انطلاقاً من منصة واحدة للحد من التشويه المكاني الذي يرافق الاستخراج وهي ذات التقنية المستخدمة في منصات النفط البحرية. عندما ينتهي حفر جميع الآبار، تتم إزالة برج الحفر الذي يرتفع 35 متراً وعند بدء الإنتاج تكون الآبار غير مرئية باستثناء رأس البئر الذي يظهر بارتفاع 1.8 متر فقط.

أما عن الضوضاء الناتجة عن الحفر والتكسير فهي تستمر لبضعة أيام فقط لكل بئر ويمكن بناء حواجز لتخفيف الصوت في المناطق الحضرية كما يجري تطوير آلات حفر ووحدات تكسير هيدروليكي أقل صوتاً. عموماً فإن عملية التكسير الهيدروليكي لفتح الصدوع تتم بإحداث هزات دقيقة داخل الصخرة المصدر بحركات تدعى Micro-Seismic events أو "أفعال الزلزلة الدقيقة" وهي رغم قدرتها على إحداث الصدوع إلا أنه ليس بالإمكان الكشف عنها إلا بمقاييس حساسة جداً حيث تولد هزات تبلغ -3 إلى -2 درجات على مقياس ريختر وفي أسوأ الأحوال +0.5 درجة.

مآخذ أخرى:

لا يمكن نسخ وتقليد طرق الاستخراج من الولايات المتحدة كما هي لبقية دول العالم لتعلق الطرق بعوامل عدة فاستخراج هذا النوع من الغاز يعتبر في أوروبا مثلاً قضية أوروبية وليس مسألةً محلية لكون الأحواض لا ترتبط بالحدود الوطنية للدول وكذلك بسبب الحاجة الماسة إلى تبادل الخبرات والمعارف حوله. وبالحديث عن أوروبا والعوائق الأخرى؛ يوجد الغاز الصخري في أوروبا في مناطق مكتظة بالسكان وعلى أعماق أكبر مقارنةً بالولايات المتحدة لذلك فإن الحاجة ملحّة إلى مزيد من الأبحاث والابتكارات قبل الاستفادة من هذا الغاز.

خلاصة:

نشرت المفوضية الأوروبية في كانون الثاني / يناير 2014 توصياتها بشأن استكشاف وإنتاج الغاز الصخري بغرض تنظيم هذه الصناعة وتضمنت التوصيات قيوداً على المواد الكيميائية وإدارة النفايات الناتجة واستخدام المياه والتي يلزمها كلها الحصول على تصاريح خاصة. وكان أبرز ما دافعت عنه المفوضية؛ مسألة استخدام المياه، حيث اعتبر استخراج الغاز الصخري ذو كلفة مائية أقل مقارنةً بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى وفقاً لتقرير "الماء والغاز الصخري" الصادر عن مؤسسة تشارترد لإدارة المياه والبيئة في بريطانيا. إضافةً إلى ذلك فإنه لا خطر على المياه الجوفية –باعتقادهم– لكون التكسير يتم على بعد كيلومترات أسفل منسوب هذه المياه.

يعتبر توليد الكهرباء من الغاز بدل الفحم ذا تأثيرٍ أقل على المناخ لكن دراسات عدة تقول بأن الميثان المتسرب أثناء التكسير الهيدروليكي والذي يعادل أكثر من ضعف ما يتسرب من آبار استخراج الغاز التقليدي لهو أشد فتكاً بالغلاف الجوي من الفحم، لكون الميثان يعد من غازات الاحتباس الحراري وذو تأثير يفوق ضرر CO2.

يبدو إذاً أن أوروبا وأمريكا تميلان إلى تشجيع استخراج الغاز رغم ما ذكرناه من مخاطر محتملة والخصوصية المتغيرة بتغير مكان الاستخراج، علماً أن أصواتاً عديدة تعارض هذا الميل في كليهما. ميلٌ يمكن تفسيره برغبة كليهما بالاستغناء ما أمكن عن حاجتها لاستيراد الوقود الأحفوري من دول أخرى، ووسط كل ذلك، تتصاعد تساؤلات لا يسعنا وصفها إلا بالمحقــّة عن سبب تحول الأبحاث العلمية والجهود إلى استخراج نوع جديد من الوقود الأحفوري بدل الاستثمار في الطاقات المتجددة النظيفة.

هو صراع إذاً بين صحة الإنسان ودرء المخاطر عنه وعن الكوكب وبين الاقتصادات والقوى السياسية التي تسعى إلى تأمين أمنها الطاقي... صراع قد تحسمه الأيام.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا