البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

كيف نشأت الحياة على الأرض؟ خطوة أقرب نحو حل اللغز!

تنطوي قضية بداية الحياة على كوكب الأرض على مجموعة من الفرضيات المتباينة ( انظر هنا ). فلكي تبدأ الحياة، كما نعرف، يجب أن تتوفر جزيئات وراثية كالــ DNA أو RNA تكون قادرة على الإنخراط في برنامج عمل متكامل لصناعة البروتين، حيث تعتبر هذه الجزيئات العمود الفقري في أي نظام حيوي لأنها تحتوي على المعلومات اللازمة لتوجيه العمليات الحيوية في الكائن الحي وبقائه على قيد الحياة.

ولكن من الصعب جداً أن تقوم الخلايا الجديدة الناتجة عن الإنقسام بنسخ الــDNA أو RNA بدون مساعدة بعض الأنواع من البروتين. كما أنَّ الأمرَ الذي جعل المسألة أكثر تعقيداً، أنَّه لايوجد أيُّ نوع من هذه الجزيئات الوراثية قادر على إنجاز عمله من دون مساعدة الأحماض الدهنية Fatty acids التي تدخل في تركيب غشاء الخية وتحافظ على مكوناته وهذا ما أدخلنا مجدداً بمعضلة الدجاجة والبيضة!

فبداية الحياة تستلزم وجود جزيئة وراثية لتصنع البروتين ولكنها لا تتمكن من إتمام مهمتها بدون وجود جزيئات بروتين مساعدة.

ويفترض الباحثون اليوم بالاعتماد على أحد التقارير الكيميائية الحديثة أن حل هذه التناقضات تكمن في وجود زوج من المركبات الكيميائية البسيطة التي قد تكون قد تواجدت في بداية الحياة على الكوكب. ويتميز هذان المركبان بصناعة سلاسل من التفاعلات الكيميائية البسيطة التي تُنتِج مختلف الطُّرز من الجزيئات الحيوية الأساسية والتي تشكِّلُ الأساسَ في بداية الحياة لأي كائن حي وتشمل هذه المركبات الحيوية: الأحماض النووية ( المادة الوراثية)، الأحماض الأمينية (المسؤولة عن تصنيع البروتينات) و الليبدات أو الأحماض الدهنية التي تلعب دوراً مهما في الحفاظ على مكونات الخلية، ومع ذلك، لا يستطيع هذا الاكتشاف الجديد إثبات كيفية نشأة الحياة ولكنه قد يساعد بشرح واحد من أكثر الأسرار غموضاً في العلم الحديث.

ومع ذلك فقد أدهش هذا العمل جاك سوسزتاك الباحث في البولوجيا الحيوية وأصول الحياة في المستشفى العام في بوسطن حيث يقول: "يُعتبر هذا البحث بغاية الأهمية لأنه يعدُّ أول عمل يقترح سيناريو منطقي عن بداية نشوء هذه الكتل الحيوية ضمن المعطيات الجيولوجية السائدة أنذاك."

حيث يقوم العلماء منذ فترة طويلة على تقديم سيناريوهاتهم المفضلة التي تدعم تشكل نوع ما من الجزيئات الحيوية أولاً. وليكون هذا النوع هو الذي يلعب الدور الأساس في تشكل أنواع أخرى من الجزيئات الحيوية وبداية الحياة. فعلى سبيل المثال، يقترح أنصار فرضية (عالَم الرنا RNA world) أنَّ الحمض النووي الرايبوزي RNA هو من لَعِبَ هذا الدور في بداية الحياة، وذلك ليس فقط لقدرته على حمل المعلومات الوراثية، وإنما قدرته على القيام بأدوار مشابهة لعمل البروتينات في إتمام التفاعلات الكيميائية، وتسريع بعض التفاعلات الأخرى.

قد أخذت فرضية RNA world الإهتمام الأكبر في عام 2009 من قبل بعض الكيميائيين بقيادة جون ساذرلاند في جامعة كامبردج في المملكة المتحدة الذين قالو بأنهم اكتشفوا نوعين من المواد الكيميائية الخام تدعى الأسيتيلين acytylene والفورم ألدهيد formaldehyde حيث تكون هذه المادتين قادرتين على إنجاز سلسلة من التفاعلات قادرة على انتاج نوعين من القواعد النيكليوتيدية الأربعة التي تشكل الحمض النووي RNA.

وقد أظهر هذا إمكانيةً مقنعةً بقدرةِ هذه الحمض النووي على بناء نفسه بنفسه (من دون الحاجة إلى للأنزيمات) في البيئة الأصلية. ولكن يعتقد ناقدو هذه الفرضية أن الأسيتيلين والفورم ألدهيد هما مركبان على درجة كبيرة من التعقيد، والذي يطرح السؤال من أين أتت هاتان المادتان!؟

ومن أجل هذا قام ساذرلاند وفريقه بمحاولة إيجاد طريقة لتشكيل الــRNA بالإعتماد على مثل هذه المواد الكيميائية البسيطة في بحثهم المنشور في مجلة Nature Chemistry. حيث يقول الفريق أنَّه استطاع خلقَ الحمض النووي بداية من مواد مثل سيانيد الهيدروجين HCN، وكبريت الهيدروجين H2S، وبمساعدة الأشعة فوق البنفسجية. ويقول ساذرلاند مضيفاً: "إن الظروف التي تُنتِجُ الحمض النووي الخام تكون باستطاعتها أيضاً خلقَ المواد الأولية الضرورية اللازمة لتخليق الأحماض الأمينية والأحماض الدهنية. وهذا يقترح وجود سلسلة من التفاعلات التي تستطيع بناءَ معظم أشكال الحياة في الوقت نفسه."

وهنا بدأ الفريق مناقشةً مفادها أنَّ الأرضَ في ذلك الوقت كانت بيئةً خصبةً لمثل هذه التفاعلات، حيث أن سيانيد الهيدروجين كان متوفراً بسبب تساقط المذنبات على مدى ملايين السنين الأولى من تشكل الأرض، كما أنَّ الصدمة الناتجة عن هذه التساقطات كانت كافية لتشكيل سيانيد الهيدروجين اعتباراً من الهيدروجين والكربون والآزوت، وكما يضيف ساذرلاند أنَّ كبريت الهيدروجين والأشعة فوق البنفسجية كانت متوفرةً على الكوكب في ذلك الوقت.

ويستطرد ساذرلاند قائلاً: "قد تختلف سلسلة التفاعلات التي قامت ببناء أحد المكونات الحيوية الأساسية عن غيرها من التفاعلات الني ركبت مكوناً آخر بشكل كلي. والتي قد تحتاج إلى محفزات معدنية أخرى. والتي قد تكون حدثت في أماكن مختلفة. فقد تكون الظروف الكيميائية المختلفة والطاقة المستخدمة في مكان آخر مفضَّلةً لنوعٍ محددٍ من التفاعلات عن غيره مثل تفاعلات إنتاج الأحماض الأمينية، وبعد ذلك قد تكون مياه الأمطار قد ساهمت بغسلِ هذه المكونات وتجميعها في مكان واحد."

فهل تكون الشرارة الأولى للحياة قد انطلقت من هنا، من هذا المستوعب المائي!؟ قد تكون التفاصيل المهمة قد فُقِدَت إلى الأبد مع مرور التاريخ. ولكن قد تكون هذه الأفكار التي طرحها الكيميائيون جديرة بالإهتمام. وإنَّ السيناريو الذي طرحه سوزيستاك قد خلَّف العديد من التساؤلات والتي سوف تخضع للنقاش في المستقبل القريب!

المصدر: هنا

ورقة البحث: هنا