الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

هل يكمن الحل باستخدام التيرا؟

المال عصب الحياة، فبدونه لا يمكن للحياة أن تستمر ولا للدول أن تعمر. إن أول ما يخطر على أذهان الناس اليوم عند ذكر المال هو تلك الأوراق النقدية التي فرضت علينا القوانين قبولها. لكن الواقع أن المال أشمل من تلك الأوراق بكثير، إذ أن المال يشمل كل شيء يمكن حيازته وله قيمة لدى الناس. ففي قديم الزمان عندما كان التبادل الاقتصادي قائماً على نظام المقايضة، كانت السلع تعتبر أموالاً، لكن ونظراً لوجود الكثير من السلبيات والمشاكل في هذا النظام توجه الناس لاستخدام النقود كوسيلة لتبادل السلع والخدمات، فبدأ الناس باستخدام أشياء كالمحار، وجلود الحيوانات وغيرها من الأشياء ذات القيمة كنقود. ثم تطور الأمر وصارت النقود تتمثل بالمعادن والأحجار النفيسة كاللؤلؤ والذهب والفضة، إلى أن أتى زمان صارت النقود فيه تُصك من الذهب والفضة بقدر وشكل محدد. حتى ذلك الوقت كان الاقتصاد مستقراً إلى حد كبير. لكن ذلك لم يدم طويلاً، فمنذ إلغاء معاهدة بريتون وودز عام 1971، وتعويم قيمة النقود بدأت الكوارث الاقتصادية في الحدوث واحدة تلو الأخرى. حيث فقد العالم المعيار الدولي الذي كانت من خلاله تُقيم السلع والخدمات (الذهب والفضة) مما أدى إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار في قيمة العملات واختلالاً في دورة الحياة الاقتصادية. وهنا يأتي دور البنوك المركزية التي تعمل جاهدة اليوم للحفاظ على قيمة العملة واستقرار الأسعار من خلال أدوات التحكم في العرض النقدي في اقتصاد بلد ما. إن السياسة النقدية للبنوك المركزية قد تكون فعالة إلى حد ما، لكن ما أن تفشل في مرة من المرات حتى تعصف كارثة اقتصادية بالعالم. لهذا كان لا بد من إيجاد حل جذري لمنع حدوث كوارث مالية مستقبلية، إضافة إلى ضرورة إيجاد نوع من الاستقرار الاقتصادي على المستوى المحلي والعالمي. كل ما سبق ذكره أمور يعرفها من له خبره في الاقتصاد، لكن ما الحل يا ترى؟

يعاني عالمنا اليوم من الكثير من المشاكل الاقتصادية كارتفاع معدلات البطالة، وانتشار الكساد الاقتصادي في كثير من البلدان، وقلة المشاريع الاستثمارية في البلدان النامية، إضافة إلى تسارع معدلات التضخم حول العالم. هذه المشاكل وغيرها الكثير، كلها ذات صلة وارتباط وثيق بالنظام المالي الحالي، إذ أن ما يقارب 96% من العمليات المالية التي تجري في السوق يومياً ما هي إلا عمليات الهدف منها المضاربة بغرض الربح السريع، ولا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي الإنتاجي (المضاربة: اتخاذ قرارات استثمارية عالية الخطورة، فإما أن يربح المستثمر مبلغاً ضخماً من المال أو أن يخسر معظم أمواله).

يجدر بالذكر أن من أهم الأسباب التي أدت لاختلال النظام المالي العالمي هي:

• فك الربط بين النقود والذهب، حيث صارت قيم العملات تحددها عوامل مختلفة مما جعلها غير مستقرة على الإطلاق.

• دخول الأجهزة الحاسوبية في مجال تجارة العملات على مدار الأربع والعشرين ساعة والانتقال من العملات الورقية إلى مجرد أرقام في الحسابات البنكية.

هذه العوامل وغيرها أدت إلى جعل العملات أكثر عرضة للانهيار في غضون ساعات إن لم يكن أقل من ذلك، كما أنها جعلت المعاملات التجارية بين الدول كثيرة المخاطر عالية التكاليف. والأدلة على ذلك كثيرا أهمها: المشتقات المالية التي تستخدمها الشركات بغرض الاحتياط في حال تدهور سعر عملة ما، وهو غالباً ما يكلف الشركات كثيرا من الأموال، إضافة إلى تفضيل الكثير من الشركات الدخول في عمليات مقايضة بدلاً من تبادل العملات ذات السعر المتقلب.

هذا توصيف بسيط لبعض المشاكل التي يعاني منها النظام الاقتصادي العالمي والتي يعرفها كثير منا، لكن ما الحل؟ هل نعود إلى نظام المقايضة الذي أثبت مع مرور الوقت عدم كفاءته؟ أم نعود لاستخدام الذهب والفضة والمعادن النفيسة كنقود، أم ماذا؟

العملة المكملة (عملة التجارة المرجعية، مثالا) :

عزيزي القارئ، هل سمعت من قبل بالعملات المكملة Complementary currencyأو العملة المساعدة؟ للأسف لم نجد لها ترجمة دقيقة إلى اللغة العربية حيث أنه لم يسبق لدول المنطقة العربية تطبيق هذا النموذج من العملات رغم ما أثبتته من كفاءة وقدرة على حل كثير من المشاكل المالية في كثير من دول العالم كالبرازيل وسويسرا على سبيل المثال.

إن مبدأ العملات المكملة يقوم على اتفاق بين مجموعة من أفراد المجتمع على إنشاء عملة خاصة بهم من أجل إشباع حاجاتهم من خلال ربطها بما لا يتم استخدامه من الثروات (كأن يتم ربطها بما هو فائض عن حاجتهم). قد يكون التعريف معقداً نوعاً ما، لكن الشرح اللاحق لمبدأ عمل هذه العملة سيجعل من فهم آلية عملها أمراً سهلاً وبسيطاً. بداية تجدر الإشارة إلى أن ما سنعرضه هو عبارة عن مقترح لإيجاد ما يسمى بعملة التجارة المرجعية أو (التيرا).

من أبرز خصائص هذه العملة ما يلي:

• صممت ليتم تداولها بالتوازي مع العملات الورقية، لذا فإنه لا أثر لها على العملة القانونية، إذ أنه للأفراد حرية اختيار استخدامها أو عدمه.

• يتم إصدارها من خلال شركة خاصة وليس من قبل الحكومات، حيث تقوم الشركة المصدرة لهذه العملة بشراء مجموعة من السلع العالمية (كالنفط والذهب مثلا) من شركة ما، ومقابل هذه السلع يتم استصدار هذه العملة وإعطاؤها للشركة البائعة. من الناحية القانونية تعتبر هذه العملية كأنها مقايضة إذ أنه لم يتم تبادل أي أموال ورقية خلالها .(countertrade)

• هذه العملة مدعومة بسلة من أهم السلع العالمية التي يتم تداولها حول العالم، فهي بهذا تشبه حال النقود قديماً عندما كانت مدعومة بالذهب، لكن هذه العملة مدعومة بأكثر من سلعة عالمية مما يجعلها أكثر أماناً وقوة ومتانة، وأقل عرضة للتقلبات السعرية.

• يُفرض على حامل هذه العملة رسوم تحتسب بناء على مدة احتفاظه بالعملة والكمية التي يحتفظ بها. تؤخذ هذه الرسوم لتغطية تكاليف تخزين السلع الداعمة لهذه العملة، كما أنها تجبر حامل هذه العملة على إنفاقها بدلاً من اكتنازها مما يحفز العجلة الاقتصادية ويجعل العملة تستعمل لما وجدت له (أداة سداد/دفع).

• هذه العملة مقاومة للتضخم إذ أنها مدعومة بسلة من السلع الدولية كالنفط والذهب والنحاس وغيرها من السلع، مما يعني أن قيمة العملة مربوطة بقيمة هذه السلع التي تتأرجح قيمة كل واحدة منها بشكل مستقل عن قيمة السلع الأخرى ارتفاعاً أو هبوطاً.

الشكل التالي يوضح خطوات عمل هذه العملة ومبدأها خطوة بخطوة، منذ مرحلة دخولها حيز الاستخدام، حتى مرحلة إعادتها إلى الشركة المصدرة لها.

1. التيرا (مرحلة الإصدار):

1a. تبدأ عملية إصدار هذه العملة عندما يكون لدى إحدى المؤسسات الموقعة على اتفاقية قبول هذه العملة فائض من السلع (كشركة إنتاج نفط عندها فائض مليون برميل من النفط مثلاً). فتقوم هذه المؤسسة ببيع ما عندها من فائض للتحالف (المقصود بالتحالف هو مجموعة الشركات العالمية والمحلية الموافقة على قبول هذه العملة فيما بينها).

1b. يتم تقييم السلع المباعة بالتيرا، و يتم الحساب بالاعتماد على السعر السوقي للسلعة المباعة إضافة إلى قيمة السلع الموجودة في سلة السلع، وذلك من خلال المعادلة التالية:

لنفترض أن عدد براميل النفط المباعة هو مليون، وأن سعر برميل النفط عند البيع كان 20 دولار، وأن قيمة التيرا الواحدة يساوي 200 دولار (قيمة التيرا عبارة عن جزء من قيمة السلع المختلفة الموجودة في سلة السلع). مما يعني أن عدد وحدات العملة التيرا الناجمة عن إضافة مليون برميل نفط للسلة يساوي 100 ألف

1c. بعد إضافة مليون برميل نفط للسلة يتم إعادة التوازن لكل محفظة في سلة السلع.

1d. يقوم تحالف الشركات بمنح الشركة التي باعت المليون برميل نفط 100 ألف تيرا.

2. التيرا (مرحلة التداول): إن وجود التيرا يعتمد على مستخدميها، ورغبتهم في تداولها وحيازتها.

2a. المستخدم الأول لهذه العملة (شركة النفط): قد تقرر الشركة مثلا استخدامها لسداد أجور شركة هندسية قامت بإنشاء محطة تصفية نفطية للشركة.

2b. المستخدم الثاني (الشركة الهندسية): قد تقوم باستيراد بعض المواد الأولية من شركة ما وتقوم بسداد المبلغ كله أو جزء منه بالتيرا والجزء الآخر نقدا.

2c. هكذا تستمر العملية إلى أن يأتي آخر المستخدمين والذي يقوم بدوره بتحويل التيرا إلى ما يقابلها من أوراق نقدية.

3. التيرا (تكلفة استخدامها): خلال فترة وجود التيرا في حيازة أحدهم فإنه عليه دفع رسوم ما بين 3.5% إلى 4% سنوياً، وتزيد الرسوم كلما طالت مدة حيازته لهذه العملة، كما ذكرنا سابقا فإن هذه الرسوم تشبه الإيجار، فالعملة تمثل سلسة من السلع المخزونة في مكان ما، ولتخزين هذه السلع تكاليف يتحملها حامل هذه العملة. فرض هذا النوع من الرسوم على حملة العملة يمنع الأفراد من الاحتفاظ بها لمدة طويلة، مما يجعلها متداولة بين أعضاء التحالف بشكل دائم.

4. التيرا (تحويلها إلى نقود): بمجرد قرار أحد المستخدمين تحويل هذه العملة إلى نقود قانونية أو إلى كمية من السلع الداعمة لهذه العملة، تكون هذه العملة قد وصلت إلى نهايتها. لكن قرار المستخدم الأخير بالتخلص من التيرا التي يحملها ليس مجانيا، إذ تُفرض رسوم تُقدر بـ 2% من قيمة المبلغ المقبوض بعد تحويل التيرا إلى نقود على عملية التحويل هذه. إن هذا النوع من الرسوم يُفرض لسببين هما: أولاً: لتغطية لرسوم عملية بيع جزء من السلع المخزنة للحصول على النقد اللازم سداده للمستخدم الأخير. ثانياً: عندما يدرك المستخدم الأخير أن عليه دفع 2% من قيمة المبلغ الذي سيقبضه جراء تحويل التيرا إلى نقد قانوني فإنه سيعيد حساباته، إذ أن هذا المبلغ يساوي رسوم الاحتفاظ بالعملة لمدة ستة شهور (لنفترض أن الرسوم السنوية للاحتفاظ بالعملة هي 4%)، قد يقوم حامل التيرا بعملية شراء خلال فترة تقل عن الستة شهور يدفع خلالها كمية التيرا التي يملكها دون أن يتكبد تكلفة 2% من قيمة ما معه. بناء على قرار مالك التيرا فإنه يحصل على النقد أو السلع بقيمة تساوي قيمة ما معه من التيرا منقوصاً منه 2% رسوم التحويل. تجدر الإشارة أن عملية التحويل قد تتم مباشرة من قبل الجهة المصدرة، أو قد تتم بمساعدة مؤسسة وساطة مالية (بنك).

5. التيرا (عملة مرجعية): بعد دخول التيرا حيز التنفيذ، واطلاع المؤسسات على آثارها الاقتصادية، فإنه يمكن لمن يشاء منهم اعتماد التيرا كأداة لتسعير العقود المبرمة بينهم حتى بدون استخدام التيرا بشكل فعلي. تكون التيرا في هذه الحالة مرجعاً تجارياً لهذه الشركات، ومعياراً موثوقاً لتقييم عمليات التبادل التجاري بينهم كمعيار الذهب الذي كان يستخدم سابقا. لا حاجة لاستخدام التيرا، بل تعتبر التيرا مرجعا لتقييم العقود، وعلى أساسها يتم سداد العقود بالنقود الورقية.

أهم فوائد استخدام التيرا:

وحدة تسعير دولية: منذ انهيار منظومة النقد المدعوم بالذهب صارت النقود متقلبة ارتفاعاً وهبوطاً مما جعلها كثيرة المخاطر، لذا فإن إيجاد عملة كالتيرا (التي تستمد قيمتها من سلة من السلع الأساسية الدولية) سيؤدي إلى تقليل المخاطر الناجمة عن استخدام العملة الورقية العديمة القيمة. مما يعني بالضرورة توفير الشركات لمبالغ كبيرة كانت تستخدم لشراء أدوات تحوط، كما أن استقرار العملة يعني إيجاد فرص استثمارية جديدة في البلدان النامية وذلك لعدم خوف المستثمرين من التقلبات السعرية في سعر العملات.

دعم استقرار الدورة الاقتصادية: عندما يكون الاقتصاد على مشارف الدخول في كساد عام، فإن المؤسسات عادة ما يكون لديها فائض من السلع، كما أنها تكون بحاجة للسيولة. في حالة تطبيق التيرا فإنه يمكن لهذه المؤسسات بيع ما تملكه من سلع مقابل الحصول على كمية من التيرا (سيتم تخزين هذه السلع في مخازن خاصة بذلك). لن تقوم هذه المؤسسات بالاحتفاظ بالتيرا لوقت طويل فهي تعلم أنه كل ما زادت مدة احتفاظها بهذه العملة، كلما ازدادت الرسوم الواجب دفعها، مما يجعل هذه المؤسسات تُسارع لإنفاق هذه العملة. كل من يمتلك جزءاً من هذه العملة يحاول عدم الاحتفاظ بها لفترة طويلة نظراً للرسوم المفروضة على ذلك مما يؤدي بالضرورة إلى انتعاش الاقتصاد من جديد. في المقابل عندما يكون الاقتصاد في فترة الازدهار، عندها يكون الطلب على السلع مرتفعاً جداً مما يعني حاجة المؤسسات لمزيد من السلع. خلال هذه الفترة تقوم المؤسسات التي تملك التيرا بتحويلها إلى سلع لتلبية حاجة عملائها، مما يعني انخفاض كمية التيرا المتداولة عندما تكون الدورة الاقتصادية في أوجها، وهذا يؤدي لكبح جماح التضخم في الاقتصاد، إضافة إلى إيجاد نوع من الاستقرار المهني، وتقليل نسبة البطالة الناجمة عن تقلبات الدورة الاقتصادية.

المصدر:

هنا

مصادر الصورة:

هنا

هنا

هنا