البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

أصبح استرجاع الذكريات ممكناً!

أشارت دراسة تم إجراؤها في جامعة كاليفورنيا UCLA إلى إمكانية استرجاع الذكريات المفقودة، وهذه النتيجة التي تم التوصل إليها تعطي بريق أمل للمصابين بداء ألزهايمر في مراحله المبكرة.

فقد ساد الاعتقاد بين علماء الأعصاب لعقود طويلة بأنّ الذكريات يتم تخزينها في المشابك العصبية (وهي تمثل مناطق التواصل بين الخلايا العصبية أو العصبونات) حيث يقوم ألزهايمر بتدميرها، وهكذا فإنّ الدراسة الجديدة تقدم أدلة تعارض الاعتقاد بأنّ الذاكرة طويلة الأمد يتم تخزينها في المشابك.

فحسب الدراسة، لا تُخزَّن الذاكرة طويلة الأمد في المشابك، إذ يبدو أنّ الجهاز العصبي يملك قدرة إعادة تكوين الاتصالات المشبكية المفقودة، فإذا استعدنا الاتصالات المشبكية تعود الذاكرة!

تمت دراسة نوع من الحلزون البحري يدعى Aplysia بغية فهم آلية التعلم والذاكرة لديه. حيث يبدي حلزون Aplysia استجابة دفاعية لحماية غلصمِه من الأذى المحتمل، وهنا نجد العلماء مهتمين بدراسة المنعكس الذي يبديه الحلزون والعصبونات الحسية والمحركة التي تشترك في هذا المنعكس، فعَمِلوا على تحسين هذا المنعكس بتعريض ذيل الحلزون لعدد من الصدمات الكهربائية المعتدلة حيث ستسبب الصدمات إفراز هرمون السيروتونين في الجهاز العصبي المركزي CNS للحلزون، فكان بقاء هذا التحسين بعد عدة أيام مؤشراً للذاكرة طويلة الأمد لدى هذا الحلزون.

إن الذاكرة طويلة الأمد هي عملية يجري فيها تشكيل اتصالات مشبكية جديدة بفعل هرمون السيروتونين، فمع تشكل الذاكرة طويلة الأمد يبدأ الدماغ بتشكيل بروتينات جديدة تشارك في صنع مشابك جديدة، فإذا عُرقلت هذه العملية لسبب ما (صدمة على سبيل المثال)، فإنّ هذه البروتينات قد لا يتم تركيبها، وبالتالي لا تتشكل الذاكرة طويلة الأمد (وهذا يُفسر عدم القدرة على تذكر ما حصل في الفترة التي تسبق حدوث صدمة ما).

إذا قمنا بتدريب حيوان ما على مهمة معينة، ثم قمنا بتثبيط قدرته على تشكيل البروتينات مباشرة بعد التدريب، سنجد الحيوان غير قادر على تذكر ما تدرب عليه بعد مضي حوالي 24 ساعة، ولكن إذا دربنا الحيوان على مهمة معينة، وحقنَّاه بالمثبط بعد مضي 24 ساعة، فإنه سيتمتع بذاكرة جيدة تماماً بعد مرور ال24 ساعة التالية، وهذا يعني بكلمات أخرى أنه إذا تشكلت الذاكرة، فإنها لن تتأثر لو قمنا بتعطيل تركيب البروتينات بشكل مؤقت، وهذا الكلام محقق لدى الحلزون والبشر أيضاً. وهذا ما يفسر عدم تأثر ذكريات الإنسان القديمة بعد الصدمة.

وتم التوصل إلى نتيجة مشابهة عند دراسة عصبونات الحلزون بعد وضعها في طبق بتري، فعندما تمت إضافة السيروتونين إلى الطبق لوحظ تشكل المزيد من المشابك بين العصبونات، وبقائها حتى بعد إضافة مادة مثبطة لتركيب البروتينات بعد 24 ساعة، وكذلك فشل تشكيل هذه المشابك لو تمت إضافة تلك المادة مباشرة بعد إضافة السيروتونين.

بعدها تمت إضافة السيروتونين لطبق بتري يحوي عصبونين، حسي وحركي، وبعد 24 ساعة أضيفت كمية أخرى صغيرة من السيروتونين وبعدها مباشرةً كمية من المثبط، وهذه المرة وجد الباحثون أنّ نمو المشابك توقف، والذاكرة زالت، وعندما أعادوا إحصاء المشابك وجدوا عددها مساوياً لعددها الأولي قبل إضافة السيروتونين في المرة الأولى.

وهذا سيدفعنا إلى الظن بأنّ ما أضيف من السيروتونين في المرحلة الثانية كان قد سبب جولة جديدة من تثبيت الذاكرة، فقامت المادة المثبطة بمحي الذاكرة من العصبونات خلال مرحلة إعادة التثبيت هذه.

ولكن عند مراقبة الباحثين للمشابك وجدوا أنّ المشابك التي زالت ليست جميعها من المشابك التي أضيفت عند التنبيه الأول بالسيروتونين، إنّما لاحظوا زوال بعض المشابك القديمة وبقاء البعض الآخر. ونفس الحال بالنسبة للمشابك الجديدة.

وعند إضافة كمية ضئيلة من السيروتونين غير كافية لتشكيل ذاكرة في الخلايا الأولية بدون ذاكرة، وجدوا عودة تلك الذاكرة للظهور في هذه العصبونات، فخلَصوا إلى أنّ موقع الذاكرة ليس المشابك العصبية كما كنا نعتقد، وإنما في مكان آخر في الخلية العصبية.

إن هذا الأمر هام جداً نظراً لكونه يعطي أملاً جديداً للمرضى المصابين بالألزهايمر، حيث أنه من المعروف أنّ الداء يدمّر المشابك في الدماغ، ولكنّ بقاء العصبونات على قيد الحياة يعني بقاء الذاكرة أي إمكانية استرجاع جزء من الذاكرة المفقودة في مراحل المرض المبكرة، ولكن ذلك ليس ممكناً في الحالات المتقدمة حيث تموت العصبونات، وبموتها لا يمكن استرجاع الذاكرة.

*تجدر الإشارة إلى أنّ العمليات الخلوية والجزيئية عند الحلزون البحري والبشر إلى حدٍّ بعيد رغم امتلاك الحلزون ل 20.000 عصبوناً مقابل 1 تريليون عصبون عند الإنسان!

المصدر: هنا